أبرز أكاديميون ودبلوماسيون بيروفيون، في ندوة نظمت أول أمس الثلاثاء، بليما، الإصلاحات المهمة والعميقة التي شهدتها المملكة، ما جعل منها نموذجا يحتدى في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان. وأوضح السفير خوان ألفاريس فيتا، في هذه الندوة، التي نظمت حول "البيرو والمغرب.. تصورات مشتركة"، أن البلدين يجمعهما تاريخ مشترك يمتد إلى الحضور العربي في الأندلس، مبرزا أن المغرب و"على خلاف مجموعة من الدول العربية التي تعاني انعدام الحرية والديمقراطية، نجح في إرساء نموذجه، وأقر دستورا متطورا يحترم حقوق الإنسان ويضمن حقوق النساء". وذكر الدبلوماسي البيروفي أن المغرب وقع على كل الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ونجح "كبلد إسلامي وعربي في القيام بتحول هادئ"، مضيفا أنه اكتشف لدى زيارته للمغرب "بلدا رائعا يحضر فيه الأدب والجمال وإبداع الإنسان المغربي في كل مناحي الحياة". من جهته، قدم فرناندو روساس، الأستاذ بجامعة ريكاردو بالما، لمحة تاريخية عن الحضور المغربي في إسبانيا ما بين القرنين 15 و17، والأهمية التي كان يحتلها المغرب في محيطه المتوسطي، مؤكدا أن "المغرب كان على مر التاريخ دولة قوية ومستقلة ومتقدمة"، وأن المغرب بموقعه الاستراتيجي شكل جسرا بين أوروبا والعالم العربي وإفريقيا. واعتبر أن المغرب مباشرة بعد حصوله على الاستقلال سنة 1956 استرجع بسرعة ريادته ودوره التاريخي، مضيفا أن هذا الحضور يتعزز أكثر ب"دستور متطور واقتصاد قوي وثقافة غنية ومتنوعة وحضارة عريقة". وقال إن المغرب والبيرو، اللذين تربطهما اتفاقيات تعاون عديدة ولهما علاقات دبلوماسية قوية، سيحتفلان السنة المقبلة بمرور خمسين سنة على إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما. وقدم الأستاذ والباحث سانتياغو أوسوريو أراسكوي عرضا حول دستور المغرب، الذي يؤكد في تصديره على نهج الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. وأشار إلى أن الملكية بالمغرب، التي تعد ملكية دستورية، تعتبر من أعرق الملكيات في العالم، مذكرا بالعلاقات الجيدة التي تربط المغرب بالبيرو والتي توجت بزيارة جلالة الملك محمد السادس لليما سنة 2004. كما تطرق إلى المهام التي أوكلها الدستور للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، مبرزا أن المملكة تعتمد على اللامركزية وعلى نظام جهوي يعطي استقلالية للجهات لتدبير أمورها. من جانبها، تطرقت أمينة المريني، رئيسة المجلس الأعلى للاتصال السمعي - البصري، إلى الإصلاحات الكبرى التي شهدها المغرب ما بين 1990 و2012، موضحة أن هناك اختلافا بين ما وقع في مجموعة من الدول العربية في إطار ما يسمى ب"الربيع العربي"، والمغرب الذي عرف سلسلة من الإصلاحات منذ عشرين سنة. وأبرزت أن المملكة شهدت لحظات قوية في العشرين سنة الأخيرة، تمثلت في حدوث انفراج سياسي سنة 1990 وإحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وإحداث "ديوان المظالم" وتعديل دستور 1992 والمصادقة على كل الاتفاقيات الدولية المناهضة للتعذيب. وأشارت إلى تعيين حكومة التناوب سنة 1998، موضحة أن هذه الحكومة أطلقت دينامية الإصلاح التي تعززت مع اعتلاء جلالة الملك محمد السادس للعرش سنة 1999، الذي أكد في أول خطاب للعرش بالالتزام بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان. وتوقفت المريني عند آلية العدالة الانتقالية من خلال الدور الذي قامت به هيئة الإنصاف والمصالحة في التعويض الفردي والجماعي عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مشيرة إلى أهمية التوصيات التي أصدرتها الهيئة حتى لا يتكرر ما حدث. وأبرزت أن المملكة تعرف تعددا سياسيا وثقافيا وجمعويا و"حركات اجتماعية تحتج بشكل سلمي وديمقراطي"، مشيرة إلى إحداث لجنة تعديل الدستور التي اعتمدت مقاربة تشاركية واستمعت إلى كل الهيئات والجمعيات والأحزاب السياسية، مما أعطى دستورا متقدما صادق عليه كل المغاربة. وكانت سفيرة المغرب بالبيرو أمامة عواد لحرش، عبرت في كلمة ترحيبية، عن اعتزازها بالقيمة الأكاديمية للمحاضرين الذين قدموا تحليلا عميقا وشاملا للتطورات والإنجازات التي شهدتها المملكة. واعتبرت عواد لحرش هذه الندوة "لحظة مهمة من الحوار الثقافي الرصين، الذي يؤكد عمق الروابط والأخوة التي تجمع بين شعبين وحضارتين يربطهما تاريخ مشترك يمتد إلى أكثر من خمسة قرون". حضر هذا اللقاء سفير فلسطين بالبيرو، وليد عبد الرحيم، ورئيس الجمعية الإسلامية بالبيرو، ضمين حسين عوض، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بنقابة ليما، غيرمو رويس كارو، بالإضافة إلى مجموعة من رجال القانون والمهتمين.