إن القول، لدى تقديم الحصيلة بمناسبة تخليد عيد العرش، "إنه في مجال الدبلوماسية، استطاعت الدبلوماسية الملكية الانتصار للبلاد بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلال شهر أبريل 2013 " قول لن يفيها حقها. فقد انتصبت الدبلوماسية الملكية حصنا منيعا للدفاع عن مصالح الأمة عندما تطلب الأمر التصدي لمناورة جزائرية، متخفية، بشكل أخرق ومخادع، في مقترح أمريكي -بمثابة حصان طروادة - من أجل إدماج، بشكل تعسفي، آلية لمراقبة حقوق الإنسان في مهمة بعثة المينورسو بأقاليمنا الجنوبية. لقد تم إجهاض هذه المناورة التي توخت المس بسيادتنا الوطنية، بما أن آلياتنا الوطنية، الذاتية، كاملة وشفافة، تبقى كافية حسب المعايير الدولية الأكثر تقدما. إنه طريق طويل مليء بالاختبارات والمعارك، معبد بالقناعات والعزيمة، مسكون بالإيمان العميق بالمصالح العليا للبلاد، تم قطعه قبل أن يعلن الناطق باسم القصر الملكي عبد الحق المريني، باعثا الارتياح لدى أمة بأكملها، أن "المملكة المغربية أخذت علما بهذا القرار الذي يؤكد بقوة مقومات الحل السياسي التي لا محيد عنها، والذي يحافظ بقوة على أفق واعد لإحياء مسلسل المفاوضات كما يوضح بطريقة محددة، دقيقة ونهائية إطار التعامل مع الجوانب الأخرى لهذا النزاع الإقليمي" ليتم طي هذه القضية التي توجت بتصويت أعضاء مجلس الأمن بالإجماع. والواقع أن الأمر لم يكن يتعلق بمعجزة بقدر ما كان ثمرة تعبئة شخصية لجلالة الملك محمد السادس. إنه مجهود دؤوب وإصرار دائم، وثبات أمام كل امتحان. وفوق هذا وذاك، فإن الأمر كان يهم قضية عادلة ببراهين نزيهة ومقبولة وترافع فعال قائم على حجج دامغة. ولم يكن ذلك كافيا، بحيث كان لزاما قلب الكفة لصالحنا بالرغم من أنه لم يكن بمقدورنا الاتكال على ريع الغاز بدولاراته التي تسيل اللعاب، ولا على وعود بشأن عقود تسليح ضخمة يستفيد منها بالدرجة الأولى الوسطاء، ولا على ميزانية دولة ضخمة لا تسخر للقضايا الحيوية والرئيسية لبلد يتم تفقيره ونهب ثرواته. وبالفعل، وهنا تتجلى الدبلوماسية الملكية بأوسع معانيها، فقد استطاع الثقل الشخصي لجلالة الملك أن يحدث الفرق. بمصداقيته الشخصية ووقوفه الدائم إلى جانب قضايا السلم في العالم وانخراطه السخي والنزيه في البحث عن حلول لمشاكل القارة. وتضامنه الدائم مع الأمم التي تعاني من الحروب والصراعات. وعزمه الوطيد على تحمل مسؤوليته في المكافحة العالمية للإرهاب وكافة أشكال التطرف التي تهدد الإنسانية المسالمة والمتسامحة. كل هذا أعطى لكلام جلالة الملك قوة، بحيث كان يكفي إجراء مكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإطلاعه، بكل موضوعية، على ما سينجم من انعكاسات سياسية وجيوستراتيجية وأخلاقية للتصرف المنحاز والذاتي وغير المتوازن لمندوبة بلده في الأممالمتحدة إزاء بلد يعتبر حليفا تاريخيا قديما، بلد يعد واحة للاستقرار في منطقة مضطربة تواجه مستقبلا غير واضح المعالم، بلد فاعل من أجل السلم في العالم بانخراط فعلي لجيشه في العمليات الإنسانية وعمليات حفظ السلام البالغة الأهمية، بلد رائد ومتحضر ينعم بالهدوء، يشكل منارة ثقافية ودينية يمتد إشعاعها إلى منطقة الساحل وغرب إفريقيا ووسطها، لنشر إسلام يقوم التقوى ذات النفحات الأندلسية، إسلام يهتم بالآخر ويحترم الاختلاف، إسلام متسامح إزاء الأقليات. إن هذا الموقف الملكي القوي، الذي يعكس في الوقت نفسه، واقعا سياسيا وثقافيا، متجذرا ومتعدد الأبعاد، ودبلوماسية عقلانية، دون إغفال للمصالح الموضوعية وعلاقات القوة الماكرة التي تحكم العلاقات بين الدول، يعلي، بكل فخر، مفهوما للإنسانية وللسلم بين الأمم، ومفهوما للتعايش بين الشعوب عبر حل النزاعات بشكل سلمي وحضاري. غير أن هذه الدبلوماسية الملكية، ما دمنا بصدد بحث كنهها، تجلت بشكل راق ومتحضر، أيضا، خلال الجولتين الملكيتين الأساسيتين، الأولى إلى بلدان الخليج في أكتوبر الماضي والثانية إلى بلدان غرب إفريقيا في مارس. وبالنسبة للذين تابعوا عن قرب هاتين الجولتين التاريخيتين، فإن سمتهما الأساسية تكمن بالدرجة الأولى في العلاقات الشخصية الراقية التي يقيمها جلالة الملك مع نظرائه، حيث ما فتئ المراقبون الأجانب المعروفون بمصداقيتهم يطلقون باستمرار على هذه العلاقات صفات اللطافة والاحترام المتبادل والرقة وقوة الشخصية والكرم وأدب المعاملات. وتتجسد هذه الأوصاف في الواقع على مدى مختلف أطوار هذه الزيارات والاستقبالات، التي يقيمها جلالة الملك واللقاءات التي يعقدها جلالته. وينسحب الطابع ذاته على هذه الأحداث التي تعطي في الإجمال لهذه الدبلوماسية طابعا فريدا. وعلى عكس الاعتبارات التي تحكم الواقعية السياسية ومظاهرها السلبية، فإن الدبلوماسية الملكية تتجلى عبر قيم إنسانية ومبادئ سامية، وعبر مفهوم يجعل من الآخر امتدادا للذات في كينونته البشرية وبعده الإنساني. فالجميع، الغني والفقير، القوي والأقل قوة، يحظون بالرعاية نفسها، وبالاهتمام نفسه، وبالمعاملة نفسها القائمة على الاحترام، وهي نفسها العناصر المؤسسة للهوية والشخصية المغربية والتي تنعكس بسمو في المعاملات الدبلوماسية الأصيلة. إن مكاسب هذه الدبلوماسية الملكية هي التي تمكننا اليوم من مواجهة الأزمات عندما تحصل، ومن التدبير السلمي لعداء مرضي مفروض علينا من جوار غير متعقل، وتوسيع مجالنا نحو آفاق أرحب وأسعد وزيادة الشراكات القائمة على الوفاء والتوازن والمنفعة المتبادلة. (و م ع)