بعد 16 شهرا من التحقيق والمحاكمة، أصدرت الغرفة الجنائية الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، مساء أول أمس الخميس، الأحكام في ملف "اختلالات المكتب الوطني للمطارات" وبلغت الأحكام في مجموعها النافذ 13 عاما وستة أشهر، و10 سنوات وستة أشهر موقوفة التنفيذ، والبراءة لمتهم واحد. وكما أشارت "المغربية" في عددها ليوم أمس، فقد أدانت الغرفة المتهم عبد الحنين بنعلو، المدير العام السابق للمكتب ومحمد أمين برق الليل، مدير ديوانه، بعشر سنوات سجنا نافذا، خمس سنوات لكل واحد منهما، وأدانت مدير الشؤون المالية، وديع ملين، بسنتين حبسا نافذا، وتوزعت باقي الأحكام على ثمانية متهمين، متابعين في حالة سراح، بين البراءة والسجن موقوف التنفيذ وقال علي الكتاني، دفاع المتهم برقليل، إن الأحكام الصادرة في ملف مكتب المطارات كانت متوفعة، موضحا في تصريح ل "المغربية"، أن "السير العام للمحاكمة وتدبيرها لم يكن يسير في اتجاه البراءة، بل في اتجاه الإدانة، وبالنسبة لفصول المتابعة، فالإدانة هي في الأدنى، إذ تتوزع فيها الأحكام بين 5 سنوات و20 سنة، وهو ما قضت به المحكمة بخمس سنوات كحد أدنى للإدانة". وتمنى الكتاني، من هيئة الدارالبيضاء، أن "يكون اتجاه المحاكمة خلال المرحلة الاستئنافية نحو البراءة أو التخفيف من الأحكام الصادرة" انطلاق المحاكمة كانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة والنصف صباحا حين أعلن المستشار علي طورشي عن انطلاق الجلسة النهائية لمسلسل محاكمة بنعلو ومن معه في ملف "اختلالات مكتب المطارات". وفتحت المناقشة بالاستماع إلى مرافعة المتهم وديع ملين، مدير الشؤون المالية، وثالث المتابعين في حالة اعتقال. وفي مرافعة طويلة استمرت أزيد من ثلاث ساعات، تخللتها فترة استراحة، تطرق دفاع ملين إلى حيثيات متابعة موكله بتهم "اختلاس أموال عمومية والمشاركة واستغلال النفوذ، وصنع وثيقة تتضمن وقائع غير صحيحة واستعمالها"، مشيرا إلى أن موكله بريء من كل التهم الموجهة إليه، مركزا على شهادة أحد الشهود (إ.ط)، الذي جرى الاستماع إلى أقواله أمام الهيئة القضائية، واصفا إياها ب "المتناقضة"، مستغربا في الوقت نفسه من بناء ممثل الحق العام مطالبته بإدانة موكله، خلال المرافعة، على شهادة متناقضة. بعد إنهاء مرافعة دفاع ملين، التي التمس في ختامها الحكم ببراءة موكله، أعطى رئيس الجلسة الكلمة لمحمد الهنداوي، ممثل النيابة العامة من أجل تعقيبه على مرافعات الدفاع، فقال إنه لن يكرر ما سبق وقدمه بخصوص الشاهد (إ.ط)، قائلا "المحكمة هي التي يبقى لها الكلمة الأخيرة بخصوص شهادة هذا الشاهد، لتقول إن كانت حقا أم لا". واعتبر أن قول الدفاع إن الملف عرف تداخلا للأمور السياسية أمر غير مقبول لأن ذلك يضرب القانون في الصميم"، قبل أن ينهي تعقيبه قائلا "كان لي الشرف أن أترافع في هذا الملف الضخم"، مطالبا بفصل ملف المتهم 12، إبراهيم لخليفي، الذي لم يحضر منذ انطلاق جلسات المحاكمة، عن الملف الأصلي "كي لا يعرقل ذلك سير المحاكمة". وفي تعقيبه على تعقيب ممثل الحق العام، طالب الدفاع أن تبنى الأحكام في الملف من خلال المناقشة القضائية. كلمة المتهمين الأخيرة كان رئيس الهيئة القضائية ينادي على كل متهم على حدة لقول كلمته الأخيرة، وكانت البداية بالمتهمين الثلاثة الموجودين في حالة اعتقال، ثم المتهمين في حالة سراح. الكل أكد على براءته، ومنهم من غالبته دموعه، ملتمسا من هيئة الحكم النظر بعين الاعتبار لعمره ومساره المهني الطويل، الذي قضاه في خدمة المكتب الوطني للمطارات. بنعلو، المدير السابق، كان الوحيد بين المتهمين من أطال في كلمته الأخيرة، وهو يشكر الهيئة القضائية على تعامله الخاص معه، قبل أن يطلب من المحكمة إنصافه والحكم ببراءته من جميع التهم الموجهة إليه. وكان يصمت ثم يعاود الحديث بحسرة وهو يتكلم عن معاناته لخمس سنوات مضت، قائلا "الحقيقة التي أنهكت صدري لخمس سنوات ماضية لم أجد فيها آذانا صاغية حتى وجدت آذانكم... كل ما عانيته خلال تلك السنوات من قذف وسب وقهر بدأ يجد ما يضمد هذه الجراح من خلال تعاملك معي شخصيا". صدور الأحكام كانت الساعة تشير إلى الواحدة و50 دقيقة، حين رفع رئيس الجلسة المحاكمة من أجل المداولة والنطق بالأحكام. أخليت قاعة الجلسات رقم 8 عن آخرها، وأغلق بابها الرئيسي، لتنطلق الهمهات والتخمينات حول الأحكام التي ستصدرها هيئة الحكم. بعد ترقب وتوجس دام أزيد من ثلاث ساعات، كانت خلالها عقارب الساعة تتحرك ببطء، وأنهكت فيها قوى متتبعي هذه المحاكمة من محاميي الدفاع وعائلات المتهمين ووسائل الإعلام، حتى أن البعض منهم غالبه النوم داخل ردهات المحكمة بسبب الحرارة المفرطة والصيام. بعض أفراد العائلة توجهوا نحو مسجد المحكمة للصلاة والدعاء أن تكون الأحكام مخففة على ذويهم من المتهمين، قبل أن يرن جرس المحكمة، ليطالب رجال الأمن الجميع بالدخول إلى القاعة، ثم توجيهات مشددة لعائلات المتهمين بعدم الصراخ داخل القاعة، واحترام سير المحاكمة، ليسود صمت رهيب داخل القاعة، كسره حضور هيئة الحكم، التي شرعت في تلاوة نص الأحكام، في تمام الساعة الخامسة مساء. بعض المتهمين غادروا في صمت، ومنهم من دمعت عيناه للحكم بإدانته، ومنهم من غضب من الحكم الصادر ضده، ليبقى لأفراد عائلة كل من بنعلو وبرقليل وملين، المتابعين في حالة اعتقال، البكاء والمساندة، ولو من خلف القفص الزجاجي، المخصص للمعتقلين.