نظم المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب للدائرة الاستئنافية ببني ملال، بتعاون مع جمعية "تآزر"، أخيرا، ندوة علمية حول موضوع "قضايا الأسرة"، بمقر دار الشباب بقصبة تادلة. السعيد حثمان رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب (خاص) تزامنت الندوة مع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، إذ عرفت مشاركة قضاة وباحثين ومهتمين بقضايا الأسرة والطفولة، كما تميزت بحضور فعاليات نسائية وجمعوية وإعلامية واسعة. واستهلت أشغال الندوة بكلمات افتتاحية للجهات المنظمة، أكدت على رمزية تخليد اليوم العالمي للمرأة كمناسبة لتكريم نصف المجتمع، كما جرى استعراض الجهود المبذولة دوليا ووطنيا للنهوض بوضعية المرأة لإدماجها في التنمية باعتبارها شريكا رئيسيا. وجرى الوقوف على المنجزات التي تحققت لفائدة المرأة المغربية من خلال مراجعة العديد من النصوص التشريعية، التي ظلت لوقت طويل تشكل عائقا يحول دون إنصاف المرأة، وهي الجهود التي توجت بصدور مدونة الأسرة كنص متقدم يشكل ثورة هادئة تستجيب لتطلعات الأسرة المغربية عموما. وفي كلمته، أكد الأستاذ السعيد حثمان، رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب ببني ملال، أن أشغال هذه الندوة، تأتي انسجاما مع أهداف نادي قضاة المغرب المتمثلة في الدفاع عن حقوق وحريات المواطنين من جهة، ثم تشجيع الدراسات القانونية والفقهية والقضائية، والانفتاح على المجتمع المدني من جهة أخرى. وقدم عرضا شاملا حول موضوع "الطلاق والتطليق بين النص القانوني والعمل القضائي"، وأوضح أن إخضاع الطلاق والتطليق لرقابة القضاء يشكل أحد أهم مظاهر التجديد في مدونة الأسرة من أجل الحفاظ على تماسك الأسرة، والحيلولة دون اللجوء إلى الطلاق أو التطليق إلا بشكل استثنائي، وبعد فشل مسطرة الصلح الإلزامية مع ضمان مستحقات الزوجة والأبناء، وحفظ حق كل واحد من الزوجين في التعويض لوضع حد لظاهرة الإنهاء التعسفي للعلاقة الزوجية. وأكد السعيد حثمان أن جزءا كبيرا من مشاكل الأسرة المغربية مرده لأسباب اقتصادية، وهو ما يترجم على أرض الواقع من خلال ارتفاع قضايا النفقة، وأضاف أن مدونة الأسرة حاولت من خلال مساطر الطلاق والتطليق تحقيق نوع من المساواة بين الجنسين من خلال إخضاع جميع الطلبات المقدمة من الأزواج والزوجات لمراقبة القضاء من أجل السهر على احترام روح المدونة، والحفاظ أيضا على حقوق الطفل من خلال الحرص على تمكينهم من مستحقاتهم، التي يراعى فيها الوضعية المعيشية والتعليمية التي كانوا عليها قبل انفصام العلاقة الزوجية. وتناول الأستاذ محمد بحار، في مداخلته، بعض إشكاليات قانون الحالة المدنية وقانون الجنسية، فضلا عن مسطرة تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية، حيث أكد أن التعديلات التي عرفتها المنظومة التشريعية الوطنية استهدفت بالأساس تحقيق المساواة بين الجنسين حيث أضحى القانون الجديد للحالة المدنية يكرس المساواة بين الأب والأم في التصريح بازدياد أبنائهما، ويسمح أيضا بمنح اسم عائلي واسم أب للابن المزداد من أب مجهول حفاظا على حق الطفل في الهوية، وهو الحق الذي كفلته الشرائع السماوية والتشريعات الوطنية والدولية. وأوضح محمد بحار أن تعديل قانون الجنسية المغربي كرس حق المرأة المغربية في نقل جنسيتها لأبنائها في جميع الحالات باعتبارها جنسية أصلية على غرار شقيقها الرجل مما أدى لرفع المعاناة على شريحة كبيرة من النساء المغربيات وأبنائهن، مسلطا الضوء على عدد من الإشكاليات، التي تواجه قضايا تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية لا سيما علاقتها بضرورة احترام النظام العام المغربي. وفي مداخلته حول موضوع "عقد الزواج وآثاره"، أكد الأستاذ هشام شعيرة أن من بين أهم مظاهر المساواة بين الزوجين في المدونة الجديدة تجميعها للحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين في نص واحد، بعدما كان القانون الملغى يقيم نوعا من التمييز غير المبرر بين الحقوق والالتزامات المشتركة بين الزوجين، وحقوق الزوجة على زوجها، و حقوق الزوج على زوجته. وسلط شعيرة الضوء على الإشكاليات المتعلقة بقضايا النفقة على سبيل المثال، باعتبارها من أكثر القضايا المعروضة على المحاكم. وأشار إلى الصعوبات التي تواجه النساء في هذا المجال، والتي تتمثل غالبا في عبء الإثبات من جهة أو عجز الأزواج عن أداء ما بذمتهم من مستحقات الزوجات والأبناء من جهة أخرى، مشيرا إلى الأدوار التي يقوم بها صندوق التكافل العائلي كأحد أهم المؤسسات المحدثة للنهوض بأوضاع الأسرة المغربية. وتناول الأستاذ محمد الريطب موضوع "تدخل النيابة العامة في قضايا الأسرة"، التي أضحت طرفا رئيسيا في جميع قضايا الأسرة، مركزا الحديث على طريقة تدخل النيابة العامة على المستوى الأسري، وطبيعة هذا التدخل الذي يطغى عليه الطابع الاجتماعي أكثر من الطابع الزجري. واستعرض بعض الإشكالات التي تواجه تدخلها خاصة في إطار محاولتها إرجاع الأزواج المطرودين إلى بيت الزوجية أمام غياب نص رادع، وأمام انعدام أدوات العمل الكفيلة بقيامها بالأدوار المنوطة بها. وأكدت المناقشات التي أعقبت هذه المداخلات، على ضرورة انخراط جميع الفعاليات المهتمة بقضايا الأسرة في شرح مقتضيات المدونة للمجتمع من أجل تبسيط بنود هذا القانون، وتقريبه للمواطن حتى يحقق الأهداف المتوخاة منه من خلال ضمان حماية حقيقية للأسرة المغربية باعتبارها نواة للمجتمع. وجدير بالذكر أن اللقاء توج بمعرض للفن التشكيلي، وأمسية فنية وشعرية احتفاء باليوم العالمي للمرأة.