أصبحت مدينة الداخلة واحدة من المدن المغربية القليلة التي جعلت التنقل الحضري في صلب التخطيط العمراني في خطوة استباقية للسيطرة على الحركية داخل المدينة، وخلق توازن بين هذين المكونين في مدينة تعرف نموا عمرانيا متواصلا. مدينة الداخلة المغربية وتنجز الوكالة الحضرية لوادي الذهب أوسرد دراسة استراتيجية استباقية حول التنقل الحضري بالمدينة، في أفق سنة 2020 انطلقت أواخر سنة 2011، وتهدف إلى بلورة مخطط يروم حل إشكالية التنقل الحضري على مستوى المدينة لتفادي كل الإشكاليات، التي قد تعرفها المدينة، نتيجة التوسع السريع لنسيجها العمراني، شمالا وغربا. وحسب المديرة الجهوية للوكالة، حياة صبري، فإن الدراسة تضع من ضمن أهدافها تحديد أشكال التنقل المتنوع والجولان بالمدينة وتنظيم مواقف السيارات والشاحنات وغيرها من أصناف العربات٬ فضلا عن توجيه التنقل الحضري لوسائل النقل هذه لضمان حركية سير سلسة وغير ملوثة. وقالت صبري في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن هذه الدراسة الاستباقية، التي تنجزها الوكالة "تعتبر رائدة في هذا المجال لكون مدينة الداخلة أصبحت من ضمن المدن القليلة، التي أدخلت التنقل الحضري في تخطيطها العمراني". وشددت على أهمية إيجاد توازن بين المكونين خصوصا أن التنقل الحضري يعتبر بمثابة تحد كبير بالنسبة للتجمعات الحضرية المعاصرة، التي أضحت تتسم بانتشار كبير لمختلف وسائل النقل الحديثة التي تعد من ضروريات السير العادي للحياة المعاصرة. وفي خضم هذا الانتشار الكبير لوسائل النقل، بات ضروريا التفكير في صيغ للحد من المشاكل التي يطرحها التنقل الحضري داخل المجتمعات وإيجاد أجوبة وحلول للانشغالات الكبرى الناتجة عن ذلك، بما يؤمن خلق حركية سلسلة داخل المدن وإيجاد توازن بين التطور العمراني والتنقل الحضري. واعتبرت مديرة الوكالة الحضرية لوادي الذهب أوسرد أن الهاجس الأساسي في الوقت الحالي لا يكمن فقط في تسهيل ومرونة التنقل، ولكن أيضا في نجاعة التنقل بتقليص المدة الزمنية اللازمة للوصول إلى المكان المقصود، وتوفير السلامة الطرقية لكل مستعملي الطريق من سائقي السيارات والدراجات ووسائل النقل الجماعي والراجلين، عن طريق ضمان "تقاسم عادل ومعقلن لاستعمال المجال العمومي". وإذا كان تنظيم التنقل الحضري يستمد أهميته من الرغبة في تيسير سبل العيش في نسيج عمراني ينمو ويتوسع باستمرار٬ وأضحى من بين المكونات الأساسية للتخطيط العمراني وتدبير المجال، فإنه وفق هذا المنظور أصبح يأخذ حيزا مهما أثناء الدراسة والمصادقة على وثائق التعمير. ولا توجد ظاهريا اختلالات على مستوى التنقل الحضري بمدينة الداخلة حاليا، غير أن المدينة في تحول مستمر ودائم وأصبحت مدعوة للتفكير الاستباقي لتفادي مشاكل التنقل والاكتظاظ التي قد تعرفها مستقبلا. وبناء على ذلك، تقول مديرة الوكالة الحضرية، قامت الوكالة بتعاون مع الفاعلين المحليين بالإشراف على أعداد دراسة تهم إحداث مخطط للنقل الحضري، في أفق 2020 كفيل بتدبير تطور حركية السير على مستوى المدينة وضمان التنظيم الجيد لها بشكل يجعلها تواجه الطفرات ورهانات التنمية، في أفق أن تكون هذه المدينة تجمعا سكنيا يسهل الولوج إليه مع حركة سير معقلنة ومريحة وآمنة. ويهدف المخطط أساسا إلى تسليط الضوء على مشكلات حركة المرور بالمدينة والآثار المترتبة عنها٬ واستعراض وتحليل منظومة النقل الحضري بالنظر إلى نموذج التعمير بالمدينة٬ وضمان مواصلات أفضل بين مختلف المكونات المجالية لمدينة الداخلة. كما يهدف المخطط إلى تثمين الفضاء العمومي بتوزيع أفضل للطرقات ووسائل المواصلات٬ وتوقع تأثير المشاريع الحضرية والبنية التحتية المستقبلية على حركية النقل. وتبين بعد التقرير التشخيصي لهذه الدراسة المنجزة من طرف مكتب للدراسات، اعتمادا على المعطيات المحصلة وخبرات الفاعلين المحللين، أن هناك محدودية للتنقل الفردي مقارنة مع المعدل الوطني، راجع لهيمنة السكن الاقتصادي وقصر المسافات المقطوعة٬ وغياب شبكة طرقية وظيفية تسهل التنقل عبر النسيج الحضري ذي الكثافة السكانية المرتفعة ببعض الأحياء. كما تبين، من خلال هذا التشخيص، أن هناك تطورا سريعا للسكن الاقتصادي بالجهتين الشمالية والغربية للمدينة، ما نتج عنه زيادة في الطلب على وسائل النقل للربط بين هذه المحاور ومركز المدينة٬ وكذا وجود اختلالات ناتجة عن دخول الشاحنات ذات الوزن الثقيل وسط المدينة٬ فضلا عن غياب مواقف خاصة بهذه الشاحنات، ما يجعل هذه الأخيرة تترامى على مواقف السيارات الخاصة والفضاءات غير المبنية. وحسب معطيات للوكالة الحضرية بالداخلة، فإن نتائج تشخيص مكتب الدراسات خلصت إلى أن المدينة لا تعاني في الوقت الراهن مشاكل تدبير التنقل الحضري بشكل لافت، لكن تواجهها تحديات مستقبلية على مستوى منظومة التنقل الحضري نتيجة تزايد عدد الشاحنات والسيارات الخاصة، بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية للطرق، وممرات الراجلين وأماكن وقوف السيارات". وبناء على ذلك، فإن المرحلة الموالية للدراسة تهم اقتراح حلول آنية للمشاكل، التي أبان عنها التشخيص ووضع تصورات مستقبلية لمواكبة التطور الذي سيعرفه النقل الحضري، على مستوى مدينة الداخلة، التي يسهر الفاعلون المحليون على أن تكون قطبا حضريا وازنا في أقصى الجنوب المغربي.