هي فنانة تشكيلية وشاعرة وزجالة، تتميز بأسلوب سلس للتعبير عن مكنونات النساء وكأنها تخبر دواخلهن، تتحدث بمشاعرهن وتترجم شعورهن بحروف تارة من نار، وتارة تكون البلسم الشافي لجراحهن. الشاعرة والتشكيلية المغربية جميلة العلوي امريبطو هي جميلة العلوي مريبطو، من مدينة تطوان الجميلة، التي تعبق بسحر الشمال، أصولها التطوانية ( من أب وأم تطوانيين) تلهمها العشق والجمال والإبداع، وقرض شعر يفوح بعطر الشوق والمحبة والسلام. تلقت تعليمها الابتدائي والثانوي بالمدينة نفسها، فالجامعة بالرباط التي انتزعت منها إجازة في العلوم، ثم ديبلوم الهندسة المعمارية الداخلية (الديكور)، هذه الشهادة التي تفسر لنا سر جمالية ما تسحره يداها، دون أن تغفل عكس كل ذلك في حياة أسرتها الصغيرة وأطفالها الأربعة، أمين، وياسمين، وريم، ونور. كانت لجميلة العلوي المريبطو عدة مشاركات في ملتقيات شعرية، بتطوان، من بينها أمسيات زجلية نظمتها كل جمعية راس الرخامة، وجمعية الزجل بتطاون اسمير التي تنتمي إليها كعضوة نشطة. في هذا الحوار، تقدم لنا جميلة سر انبهارها بكل ما يسبغ على الروح من جمال ومحبة ومشاعر فياضة لا تجد لها من سبيل سوى ترجمتها شعرا ولوحات فنية. متى انطلق عشقك للشعر ونظمه، وللرسم؟ وكيف كانت البداية؟ منذ طفولتي وأنا أحب الشعر، أما الرسم أعتبره جزءا من حياتي، لأن يدي لم تكن تكف يوما عن الخط وتلوين كل دفاتري، وأي ورقة وقعت بين يدي، تصير لوحة. حتى المناديل الورقية لم تكن تسلم من خربشاتي. أنت شاعرة وفنانة تشكيلية وزجالة. كيف تجمعين بين كل هذه الأنواع الفنية؟ الأمر بسيط. أترك لإحساسي كامل حرية التصرف، سواء وأنا أرسم، أو أكتب. وبفضل الله، أتمكن دوما من التعبير، فكرا وإحساسا، عما أشعر به داخليا، سواء بواسطة الريشة أو القلم. الرسم والكتابة يمثلان عالمي الخاص، وبهما أتخلص من أعباء الروتين، وأحلق في فضائهما، لذا أحبهما، وأجد أنني أوفق بينهما دائما. كيف انطلقت مواهب الفنانة جميلة مريبطو؟ حدثينا عن بداياتك؟ لوحاتي الأولى عرضت 1984، بدعم من والدتي العزيزة، فهي كانت عضوة في جمعية الاتحاد النسائي. وكان أن نظمت الجمعية، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، معرضا جماعيا، وكانت لوحاتي هي أكثر ما أثار الانتباه، وأول ما بيع في ذلك المعرض. هذا بطبيعة الحال، شكل حافزا قويا للمثابرة ومواصلة الرسم. بعدها سافرت إلى ألمانيا حيث درست فنون الرسم، بجميع أنواعها، الرسم على الحرير والزجاج، وعلى الثوب والخشب، والسيراميك. واليوم، أعرض أعمالي، بين الفينة والأخرى، أحيانا بمعارض جماعية وأخرى فردية. المرأة حاضرة بقوة في إبداعاتك. هل أنت متعصبة للمرأة؟ أولا، أنا امرأة.. ولا يمكن أن يحس بالمرأة إلا امرأة مثلها. وأعتبر أننا مازلنا نعيش في مجتمع ذكوري ذي عقلية رجعية، في ما يخص موضوع المرأة وقضاياها. لكن ما يجعلني اهتم بالمرأة في لوحاتي هو أنني أتعبد الله في هذا المخلوق، ألا وهو الأنثى. الأنثى قوة خارقة ملثمة بضعف، وهي العمود الفقري للمجتمع. بها يصلح وبها يفسد. للمرأة قدرة التحكم في من حولها، بجميع حواسها، من نظراتها، وحديثها، وحركاتها... لذا أرى المرأة عالم زاخر بأجمل المعاني، وهذا ما يحفزني على طرح المواضيع الإنسانية، من خلال المرأة كجسد وعقل. كيف تقيمين واقع المرأة المغربية حاليا، في ظل المتغيرات التي عرفها مجتمعنا أخيرا؟ المرأة المغربية من طبعها قوية وفاعلة، تتألق في جميع الميادين. وهنا لا يفوتني أن أسجل بامتنان وتقدير ما بذله جلالة الملك محمد السادس، من جهود أسفرت عن قانون للأسرة، كان بمثابة ثورة هادئة استطاعت أن تنصف المرأة المغربية. لكن في المقابل، لا أخفي تخوفي من بعض التيارات الدينية المتشددة والمتطرفة، الدخيلة على بلدنا، والتي قد تكون حتما عائقا جسيما أمام تطور أوضاع المرأة وتكوينها ثقافيا، واجتماعيا، وفنيا. هل تجدين التشجيع الكافي (من الأسرة مثلا) الذي يفجر لديك طاقة الإبداع؟ وما هو تأثير حياتك الفنية على حياتك الأسرية؟ أنا أقول إن المعاناة هي أم الإبداع. فهناك ظروف قاسية يمر بها الإنسان، لكن باستطاعتنا تحويل هذا الألم إلى صور جميلة أدبا أو فنا، كنوع من التحمل لمرارة واقع معين. هذا لا يعني أنني لا ألقى تشجيعا من أفراد عائلتي، لكن أجد أن لأصدقائي الدور الأكبر في ما ينبض به قلمي وفي رقص ريشتي. وما دمت أقوم بأعمالي الأدبية والفنية في بيتي، فإن وجودي قرب فلذات كبدي يمدني بالشجاعة، ويحفزني على المواصلة، حسا ومعنى. تهتمين كذلك بجانب الصناعة التقليدية. وإبداعك في هذا الباب مستوحى من التراث المغربي الأصيل، لماذا الاهتمام بهذا النوع من الإبداع؟ وما هو الهدف؟ الصناعة التقليدية المغربية عامة، والتطوانية خاصة، تراث ثمين يجب الحفاظ عليه. ما أهتم به في لوحاتي هو التراث التطواني، كأثاث ومفروشات، وكذلك زخارف الجدران، سواء كانت خشبية أو زليجية، فالكل تراث يعبق بالتاريخ. أنا أعشق كل ما هو أصيل استمد منه دفء الأسرة والعادات الجميلة، التي انقرضت بتطور العصر، وزحمة الأعباء، وطغيان المادة. ففي كل لوحة من لوحاتي أعيش الهدوء الذي تمتع به أجدادنا، وذلك الحياء الجميل التي تحلت به جداتنا، وكلمة الصبر الذي لم يعد لها وجود في أيامنا هذه. هدفي هو أن نسترجع ولو قسطا من تلك القيم، وأن نستبقي ولو جزءا من تراثنا، وأن نوظف منتجاتنا المحلية بشكل يناسب العصر، وأن نعتز بأنفسنا، كمغربيات لنا أصالتنا وإبداعاتنا، وخصوصا مبادئنا وأخلاقنا.