استضافت "المغربية " محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، في حوار مطول، وناقشت معه مجموعة من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان بالمغرب. وتحدث الصبار عن مراحل التطور المهمة التي مرت منها وضعية حقوق الإنسان بالمغرب منذ تسعينيات القرن الماضي، والتي قال عنها إنها "اتسمت باتخاذ العديد من التدابير السياسية والتنظيمية والقانونية والمؤسساتية". وما ميز الإصلاحات التي أطلقت، يضيف الصبار، أنها تطرقت إلى إشكاليات أساسية، تتعلق بالمساواة، والتعددية، والحقوق السياسية والمدنية، توجت بصدور تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، وقبله تقرير الخمسينية حول التنمية، ثم "الدستور الجديد، الذي كان مرحلة مفصلية، إذ أكد في ديباجته على قيم حقوق الإنسان". ووقف الصبار عند مساهمة المجلس في النهوض بحقوق الإنسان، من خلال إعمال مقتضيات الدستور ذات الصلة بحقوق الإنسان والديمقراطية التشاركية، ومواصلة تتبع تنفيذ برامج هيئة الانصاف والمصالحة. وبهذا الخصوص، أوضح أن سنة 2012 ستعرف اختتام أخر المشاريع الممولة من طرف الاتحاد الأوروبي ووزارة الداخلية عبر المجالس الإقليمية لكل من طان طان وأزيلال و الخميسات، مشيرا إلى أن المجلس يعمل حاليا على تحديد أشكال المتابعة التي يرتئيها، سواء بالنسبة للمشاريع المنجزة أو بالنسبة لالتزامات القطاعات الحكومية. وأفاد الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن المجلس يعتبر عضوا فاعلا في لجنة التنسيق الدولية بين المؤسسات الوطنية، والشبكة الإفريقية للمؤسسات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان، والشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، والجمعية الفرنكوفونية للمؤسسات الوطنية، مشيرا إلى أن هناك شبكة جديدة قيد التكوين حاليا، تتعلق بالشبكة العربية الإيبيرية اللاتينية. وتوقف الصبار عند أهداف إحداث اللجان الجهوية لحقوق الإنسان، والتقريرين الأخيرين للمجلس، المتعلقين بالمستشفيات العمومية للأمراض العقلية ووضعية السجون والسجناء بالمغرب، ومواضيع أخرى في هذا الحوار. بداية، ما هو تقييمكم لوضعية حقوق الإنسان بالمغرب؟ - مرت وضعية حقوق الإنسان في المغرب بمراحل تطور مهمة وتدريجية، انطلقت منذ تسعينيات القرن الماضي، واتسمت باتخاذ العديد من التدابير السياسية والتنظيمية والقانونية والمؤسساتية، إذ جرى خلق شروط انفراج سياسي، وإصدار العفو الذي شمل المعتقلين والمغتربين، كما حصل تعديل الكثير من القوانين، وإلغاء بعض النصوص والمقتضيات، وإصدار قوانين جديدة في إطار جهود ملاءمة التشريعات الوطنية مع التزامات بلادنا الدولية، علاوة على إحداث مؤسسات، مثل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وديوان المظالم، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بالإضافة إلى إطلاق مسلسل العدالة الانتقالية، وإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، وقبلها هيئة التحكيم المستقلة. وما ميز الإصلاحات التي أطلقت، أنها تطرقت إلى إشكاليات أساسية، هي المساواة، والتعددية، والحقوق السياسية والمدنية. ووقع تتويجها بصدور تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، وقبله تقرير الخمسينية حول التنمية. ثم كان الدستور الجديد مرحلة مفصلية، إذ أكد في ديباجته على قيم حقوق الإنسان: الحرية، والكرامة، والمساواة، والتسامح، والالتزام بما تقتضيه المواثيق الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات، إذ تؤكد الوثيقة الدستورية تشبث بلادنا بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا، وبحماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها للتجزيء، وحظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بتخصيص ثلاثين فصلا من الدستور للحقوق الأساسية، إلى جانب فصول أخرى تتطرق لاستقلال القضاء والحكامة الجيدة. كما أن إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان يأتي في سياق مطبوع بتسارع وتيرة مسلسل الإصلاحات السياسية في بلادنا، جسدته الأنظمة الأساسية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومؤسسة الوسيط، وإصلاح القانون الأساسي لمجلس المنافسة الاقتصادية، وللهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، وتقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية المتقدمة، وإحداث المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، وآفاق واعدة وممهدة للعديد من الأوراش، التي يتطلبها إعمال الدستور وتنزيل مقتضياته في مختلف المجالات ذات الصلة. انطلاقا من الدستور الجديد الذي يكرس مبدأ حقوق الإنسان، ما هي رهانات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، للنهوض بحقوق الإنسان في المغرب؟ - إن من بين اختصاصات المجلس، حسب مقتضيات الظهير المُحدث له، باعتباره مؤسسة وطنية مستقلة، حريصة على حماية المواطنين وملاءمة التشريعات الوطنية مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، المساهمة في تنشيط الحوار العمومي التعددي حول ثقافة حقوق الإنسان، ومن هذا المنطلق، تتعدد أشكال مساهمة مجلسنا في إعمال مقتضيات الدستور ذات الصلة بحقوق الإنسان والديمقراطية التشاركية، إذ لا يمكن أن يبقى بمعزل عن الحوار الوطني حول قضية الحريات والحقوق الأساسية، والمسلسل التشريعي، الذي تجري مباشرته في هذا المجال، لذا يلعب المجلس دورا مزدوجا: دورا تنشيطيا للحوار العمومي، ووظيفة التعبئة، وضمان انخراط كافة الفاعلين المعنيين، وفي هذا السياق، سطر المجلس هدف تنظيم سلسلة من الندوات واللقاءات الموضوعاتية، بمشاركة الخبراء الوطنيين والدوليين والفاعلين في المجتمع المدني وفي الأحزاب السياسية. ونظم المجلس، أو ساهم في تنظيم لقاءات وندوات وأيام دراسية، خصصت لمختلف المقتضيات ذات الصلة بحقوق الإنسان، مثل هيئة المناصفة، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمجلس الأعلى للأسرة والطفولة، والحق في الحصول على المعلومة، والمحكمة الدستورية. وتوجت هذه المبادرات بإعداد مشاريع مذكرات وآراء استشارية حول المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهيئة المناصفة ومحاربة كافة أشكال التمييز. هل حدث تغيير في آليات اشتغال المجلس بعد دستور فاتح يوليوز 2011، و ماهي هذه الآليات؟ - من المعلوم أن النص المُحدث للمجلس يعود إلى شهر مارس 2011، أي شهورا معدودة قبل الاستفتاء على الدستور الجديد، وأخذ النص بعين الاعتبار تقييم تجربة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وممارساته على أرض الواقع، والتلاؤم مع مبادئ باريس الناظمة للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. والعديد من الاختصاصات الجديدة للمجلس، لقيت دعما قويا وسندا، اعتبارا للمقتضيات الجديدة التي جاء بها دستور فاتح يوليوز 2011، الذي أكد علىالالتزام بكونية حقوق الإنسان، وعلى الحرية والحقوق الأساسية التي يضمنها الدستور، وعلى الآليات الدستورية للنهوض بحقوق الإنسان وحمايتها، ومنها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي نص الفصل 161 من الدستور على أنه مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة و النهوض بها، وبصيانة كرامة و حقوق وحريات المواطنات و المواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال. وتندرج هذه المقتضيات ضمن ما سماه الدستور مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة، ومن ضمنها أيضا مؤسسة الوسيط، ومجلس المنافسة، والهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وهي هيئات لنا معها تعاون مستمر وتنسيق في العديد من القضايا، ومن هذا المنطلق بادرنا، بشراكة مع هذه المؤسسات الدستورية، إلى تقديم مقترحات بخصوص النظام الداخلي لمجلس النواب، بغرض توسيع مجال علاقاتنا مع ممثلي الأمة. كما برزت أهمية دور المجلس على مستوى الجانب المتعلق بالتفاعل مع أجهزة المعاهدات والإجراءات الخاصة التابعة للأمم المتحدة، ما من شأنه المساهمة في تطوير تعاون بلادنا مع النظام العالمي لحماية حقوق الإنسان. ومن المؤكد أن النص التنظيمي المرتقب للمجلس، تفعيلا لمقتضيات الدستور، سيجد السند القوي في هذا الدستور، للمزيد من تدعيم اختصاصات المجلس، وتقوية سلطاته في مجال حماية حقوق الأفراد والجماعات، والنهوض بها على المستويين الوطني والجهوي والمحلي. وعلى العموم، فإن المجلس سيعمل في هذا السياق المؤسساتي والدستوري، ارتكازا على فلسفة تروم المساهمة بما يمكن من الدينامية، لضمان أن تكون المكاسب التي جاءت في الدستور محط تنفيذ فعلي. وبنفس الحرص، سنعمل على المساهمة في إعمال خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، واعتبار المجتمع المدني شريكا دائما، شريكا متساويا، وكذا التعاون مع مختلف الفاعلين المعنيين بالحكامة الجيدة، ومجموع الفاعلين العموميين، إضافة إلى السهر على تقوية انسجام السياسات في مجال حقوق الإنسان، ومحاولا، قدر الإمكان، أن يشكل عمله قيمة مضافة إلى عمل الفاعلين الآخرين، وتفادي تكرار الأنشطة المنجزة، وتفضيل الشراكة كطريقة تدخل ذات أولوية. هل يواجه المجلس إكراهات أو صعوبات معينة في تنفيذ برامج عمله؟ كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإن السياق الوطني الجديد يضع على عاتق المجلس مهام ومسؤوليات في مجال حماية حقوق الأفراد والجماعات، في حرص تام على المرجعيات الوطنية والكونية في المجال، علاوة على رصد ومراقبة وتتبع أوضاع حقوق الإنسان على الصعيدين الوطني والجهوي. أما على المستوى الداخلي، فنحن مدعوون إلى المزيد من الحرص على ضمان أكبر قدر من التنسيق والانسجام والتكامل بشأن التفكير والعمل بخصوص تدخلنا على المستوى الوطني و اللجان الجهوية. وشكلت لحظة اللقاء الوطني لعضوات وأعضاء المجلس ولجانه الجهوية، المنعقد في ماي الماضي بمدينة مراكش، خطوة أولية في هذا الاتجاه، ونحرص على توسيعها وتطويرها. ومن التحديات المطروحة علينا، أيضا، تقوية قدرات مواردنا البشرية، ومواجهة التطلعات والانتظارات على المستويين الوطني والجهوي من لدن مجموع المواطنين. إلى أي مدى نجح المجلس في تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة؟ وما الذي أنجز في هذا الصدد، والذي لم ينجز حتى الآن؟ - لابد، بداية، من تصحيح معطى بهذا الخصوص، فالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي ورثنا عنه هذا الملف، وقع تكليفه بتتبع تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وليس تنفيذها، كما ورد في السؤال. وعمل المجلس على متابعة تسوية مئات الملفات المتعلقة بالتعويض المالي، والتغطية الصحية، والإدماج الاجتماعي. واقتضت إشكالية الإدماج الاجتماعي إيلاء هذا الملف الأولوية المطلقة، خصوصا من حيث تدعيم الوسائل الموضوعة رهن إشارة البنية الإدارية المختصة بالمجلس، والتحرك الحثيث تجاه السلطات العمومية، بتنسيق مع رئاسة الحكومة والقطاعات الحكومية المعنية، في أفق إغلاق هذا الملف في متم سنة 2012. وعلى العموم، وصلنا في مجال جبر الضرر الفردي إلى تنفيذ نحو 95 إلى 98 في المائة من مقتضياته. ويغطي برنامج جبر الضرر الجماعي 13 إقليما، ويعبئ مئات الشركاء الجمعويين. وأكد الافتحاص الداخلي والخارجي بخصوص نجاعة الأنشطة المنجزة، ونوعية الشراكات المعقودة لتفعيلها (خصوصا مع مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير)، مع الإشارة إلى الإشكالية التي تطرحها مسألة استدامة المشاريع، وضمان استمراريتها مع انتهاء التمويل الأوروبي لها. وستعرف سنة 2012 اختتام آخر المشاريع الممولة من طرف الاتحاد الأوروبي ووزارة الداخلية عبر المجالس الإقليمية لكل من طان طان وأزيلال و الخميسات. ويعمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان حاليا على تحديد أشكال المتابعة التي يرتئيها، سواء بالنسبة للمشاريع المنجزة أو بالنسبة لالتزامات القطاعات الحكومية، كما يواصل المجلس، في إطار الاتفاقية المبرمة مع الاتحاد الأوروبي، لعب دوره المحوري في إعمال توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ذات الصلة عبر: - مرافقة وضع سياسة حديثة للأرشيف بالمغرب، من خلال دعم مؤسسة أرشيف المغرب (التجهيز، الدعم المؤسساتي والتكوين...). - مواصلة دعمه للجانب الأكاديمي في هذا البرنامج (ماجستير التاريخ الراهن، إحداث المركز المغربي للتاريخ، الإصدارات وأنشطة المركز...). - مواصلة مجهوداته بخصوص المتاحف، وتسريع وتيرة المجهود الفكري بخصوص خلق متحف وطني للتاريخ. ومعلوم أن الدستور تضمن عدة توصيات لهيئة الإنصاف والمصالحة في ما يتعلق بالإصلاحات المؤسساتية والقانونية والدستورية. أحدثت لجن جهوية لحقوق الإنسان، ماهي القيمة المضافة لهذه اللجن في عمل المجلس؟ - يشكل إحداث اللجن الجهوية لحقوق الإنسان أحد أهم مستجدات النص القانوني المُحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ( مارس 2011) وإحدى قيماته المُضافة. وتعتبر التجربة المغربية في هذا المجال الثانية من نوعها في العالم بالنسبة للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بعد التجربة المكسيكية في إحداث آليات جهوية في ظل المؤسسة الوطنية. وطبقا لأحكام الفقرة الثانية من المادة الأولى من ظهير إحداثه، تساعد المجلس في ممارسة اختصاصاته لجان جهوية لحقوق الإنسان، تحدث في كل جهة من جهات المملكة. إن الغاية من إحداث اللجان الجهوية لحقوق الإنسان تتمثل، أساسا، في تفعيل سياسة القرب من المواطنين، ومباشرة قضاياهم ذات الصلة بحقوق الإنسان والديمقراطية. كما أنها تساهم في انخراط الفاعلين المحليين في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، وتعزيز بناء دولة الحق والقانون. ومن مهامها أيضا تنسيق الاستراتيجيات المحلية والجهوية، وتنفيذ برامج المجلس ومشاريعه المتعلقة بمجال حقوق الإنسان، بتعاون مع الجمعيات العاملة في هذا الميدان، وكافة الفاعلين المعنيين على صعيد الجهة، وتتبع تطور حقوق الإنسان على الصعيد الجهوي. وساهم أعضاء اللجان الجهوية في الزيارات التي قام بها أعضاء المجلس إلى المؤسسات السجنية والاستشفائية الخاصة بالأمراض النفسية والعقلية، التي أعد على إثرها تقريران موضوعاتيان. وعلى العموم، قامت مختلف اللجن الجهوية بمبادرات في مجال الحماية، بالشروع في تلقي الشكايات ومعالجتها طبقا للاختصاصات الموكولة لهذه اللجن في القانون الداخلي للمجلس، من حيث الاستماع إلى المشتكين وتوجيههم. كما ساهم بعض أعضاء اللجن في مختلف الأنشطة التي نظمها المجلس ( ندوات ولقاءات علمية وأيام دراسية وتظاهرات للتوعية والتحسيس ...). وقامت اللجن بمتابعة تنفيذ توصيات الإدماج الاجتماعي للضحايا وذوي حقوقهم على المستوى المحلي، سواء بالنسبة لجبر الضرر الفردي أو الجماعي، أو التغطية الصحية وإعادة الإدماج، علاوة على التدخلات الاستباقية، أو التحري في بعض حالات وادعاءات حصول خروقات لحقوق الإنسان، لاسيما في ظل بعض الأحداث الاجتماعية التي عرفتها بعض المناطق عبر التراب الوطني، وكذا تتبع بعض المحاكمات، في إطار اختصاصات المجلس في مجال مراقبة شروط المحاكمات العادلة. أما برنامج عمل اللجان الجهوية، فقد جرى إعداده بمقاربة تشاركية من لدن مختلف مكونات هذه اللجان، وتمحور حول مختلف مجالات حقوق الإنسان في شموليتها وعدم قابليتها للتجزيء، علما أن بعض اللجن الجهوية اختارت تناول بعض القضايا الموضوعاتية، وإعطاءها مكانة خاصة ضمن برنامج عملها. انتخب المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أخيرا، في شخص رئيسه، رئيسا للجمعية الفرنكفونية لحقوق الإنسان. ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الجمعية إلى جانب المجلس لتعزيز حقوق الإنسان بالمغرب؟ للمجلس علاقات خارجية متنوعة، وحضور في العديد من شبكات المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. ويعتبر المجلس عضوا فاعلا في لجنة التنسيق الدولية بين المؤسسات الوطنية والشبكة الإفريقية للمؤسسات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان، والشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، والجمعية الفرنكوفونية للمؤسسات الوطنية. كما أن هناك شبكة جديدة قيد التكوين حاليا، هي الشبكة العربية الإيبيرية اللاتينية. ومن هذا المنطلق، يحرص المجلس على تطوير علاقاته مع الشبكات التي وقعت الإشارة إليها سابقا، وتنمية اتصالاته وشراكاته مع المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، ومتابعة علاقات التبادل مع الهيئات الديبلوماسية المعتمدة بالمغرب، وتنمية علاقات التعاون مع المنظمات بين الحكومية الدولية والجهوية المعنية بشكل أو بآخر بقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية (منظمة التعاون والأمن الأوروبيين، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد من أجل المتوسط والمعهد العربي لحقوق الإنسان...)، إلى جانب تمكين التمثيليات الديبلوماسية المغربية بالخارج من المعلومات والدراسات التحليلية والتقارير، وتطوير علاقات التعاون مع الوكالات المتخصصة، وأجهزة الأممالمتحدة العاملة ببلدنا، والمنظمات غير الحكومية الدولية العاملة في المجال والمهتمة بأوضاع حقوق الإنسان بالمغرب. ويشكل تطوير العلاقات مع أجهزة الأممالمتحدة بالمغرب وعلى المستوى الدولي تحديا آخر، خصوصا العلاقة مع أجهزة المعاهدات والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، إذ أن العلاقة مع هذه الأخيرة يجب أن تحظى بعناية خاصة، نظرا لتدهور حالة التعاون في الآونة الأخيرة معها، علما أن هذه العلاقة امتدت على مدى 15 سنة الماضية. وفي مطلع شهر أكتوبر الماضي، احتضنت بلادنا المؤتمر الرابع للجمعية الفرانكفونية للجان الوطنية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، بمدينة الدارالبيضاء، بمشاركة ممثلي عشرين دولة من الفضاء الفرانكوفوني. وكان موضوع اللقاء يتمحور حول حقوق الإنسان في أماكن الحرمان من الحرية، وتناولت المباحثات والنقاشات الدور الذي يمكن للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان أن تلعبه في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في أماكن الحرمان من الحرية، وكذا الوقوف عند المبادرات والأعمال التي قامت بها في هذا المجال٬ والتفكير في الأنشطة المقبلة في مجال حماية حقوق الأشخاص المحرومين من الحرية. وكان اللقاء فرصة لتبادل التجارب والمعارف حول هذا الموضوع، الذي يكتسي أهمية بالغة بالنسبة للمجلس، من منطلق اختصاصاته ومجال تدخله، ويشكل إحدى انشغالاته الرئيسية. وعلى هامش أشغال المؤتمر، عقدت الجمعية جمعها العام، الذي توج باعتماد الخطوط الكبرى لخطة عملها للسنتين المقبلتين، وحصل بالفعل، كما أشرت إلى ذلك في سؤالك، انتخاب رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان رئيسا للجمعية الفرانكفونية للجان الوطنية للنهوض بحقوق الإنسان وحمايتها، كما انتخبت، خلال هذا الجمع٬ اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الموريتانية، ممثلة في رئيسها بامريام بابا كويتا، نائبا للرئيس. وتمتد ولاية الرئيس ونائبه لمدة سنتين قابلة للتجديد. وهذه المهمة دليل على المكانة التي تحتلها مؤسستنا في الفضاء الفرنكوفوني، ودورها في حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وبدور اللجان الوطنية لحقوق الإنسان، وتشجيع إحداث مؤسسات وطنية جديدة، وتطوير التعاون والتبادل بين المؤسسات المكونة للجمعية، وتكوين أعضائها وأطقمها الإدارية، بالإضافة إلى المساهمة في إعمال المساطر والآليات التي تنص عليها المقتضيات ذات الصلة بهذا التجمع الحقوقي، من أجل التتبع والتقييم الدائمين للممارسات في مجال الديمقراطية والحقوق والحريات في الفضاء الفرانكفوني. أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أخيرا، وفي سابقة من نوعها، تقريرا حول وضعية المستشفيات العقلية العمومية، تلاه التقرير الموضوعاتي حول السجون، هل لكم أن تحدثونا عن التقريرين؟ - بداية، تجدر الإشارة إلى أن هذا التقرير هو نتيجة إعمال أحد اختصاصات المجلس المنصوص عليها في المادة 11 من ظهير إحداثه، إذ يتولى المجلس زيارة العديد من الأماكن، ومن بينها المؤسسات السجنية، والاستشفائية للأمراض العقلية والنفسية، وإعداد تقارير عن هذه الزيارات، تتضمن ملاحظاته وتوصياته، الرامية إلى تحسين أوضاع نزلاء هذه المؤسسات. وأنجزت هذه الزيارات في أحسن الظروف، بفضل تعاون مختلف المصالح العمومية المعنية. وأبرز تقرير المجلس حول المؤسسات الاستشفائية العلاقة الوثيقة بين الصحة العقلية والنفسية وحقوق الإنسان، في ضوء المعايير الدولية والمقتضيات القانونية الوطنية ذات الصلة. كما شكل نشر التقرير ممارسة نموذجية، يجدر تعميمها ومنهجتها، كما أن المنهجية المعتمدة، لاسيما إشراك أعضاء المجلس الوطني واللجان الجهوية في بعثات التقصي التي قامت بالزيارات إلى المؤسسات المعنية، إضافة إلى المرصد المغربي للسجون في بعض الزيارات، تشكل ممارسة فضلى يجب تقييمها، في أفق تعميمها على المهام المقبلة للمجلس. وسيحرص المجلس على متابعة إعمال توصياته المقدمة بهذا الصدد، لأنه من غير المجدي إعداد التقارير وعشرات التوصيات لنقف، بعد بضع سنوات، على أنها لم تنفذ. إن المواطنين يطالبون، عن حق، بالتمتع الفعلي بالحقوق، وليس فقط تضمينها في النصوص والإعلانات والتقارير، وتقع على المجلس مسؤولية الإلحاح على إعمالها وترجمتها على أرض الواقع. أما تقرير المجلس عن المؤسسات السجنية فيأتي، من جهة، في إطار الصلاحيات الجديدة المخولة له، والمتمثلة أساسا في زيارة أماكن الاحتجاز، إذ يعد المجلس الوطني لحقوق الإنسان المحدث بمقتضى ظهير فاتح مارس 2011 من بين أهم هذه الآليات، التي جاءت لتعزز مجال مراقبة أوضاع السجون وحماية حقوق السجناء، ومن جهة ثانية، في إطار متابعة ومراقبة الأوضاع داخل هذه المؤسسات، للوقوف على مدى احترام حقوق هذه الفئة، وطبيعة الانتهاكات التي قد تطالها، مع إبداء ملاحظات وتقديم توصيات، بهدف المساهمة في تحسين أوضاع السجون، وضمان حماية حقوق السجناء. والتقرير هو تتويج لما عاينه فريق العمل الزائر على أرض الواقع، من خلال الزيارات الميدانية والإفادات المتواترة والمتطابقة التي أدلى بها بعض السجناء أثناء مقابلتهم، والاستماع إليهم بشكل جماعي أو فردي. كما يستند إلى الإفادات التي قدمها المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج أثناء اللقاء الذي تم بينه وبين أعضاء مجموعة العمل المكلفة برصد الانتهاكات وحماية حقوق الإنسان، وكذلك تلك التي أفاد بها المسؤولون الجهويون والمحليون للمؤسسات السجنية التي جرت زيارتها، وما توصل به المجلس من المندوبية العامة، من إحصائيات ومعطيات حول واقع السجون بالمغرب وملاحظات أبداها، مشكورا، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج. وقد اعتمد الفريق الزائر لمختلف المؤسسات مقاربة تتوخى تقييم أوضاع السجون والسجناء انطلاقا من خلاصات التقارير السابقة، الصادرة من لدن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، والوقوف على أهم الخطوات والإجراءات التشريعية والإدارية والتنظيمية والتدبيرية المتخذة أثناء المدة الفاصلة بين التقريرين في علاقتها بالوضعية داخل السجون والحد من انتهاكات حقوق السجناء، والوقوف بشكل موضوعي ومحايد على الانتهاكات التى قد تمس حقوق السجناء وتحديد الأسباب المباشرة وغير المباشرة لوقوع هذه الانتهاكات، وتقديم مقترحات وتوصيات بخصوص اتخاذ تدابير تشريعية وإدارية وقائية استباقية، وتدابير عملية لمعالجة الإشكالات التي تمت معاينتها والتصدي للانتهاكات التي تم الوقوف عليها. وقد تم اعتماد الإطار المعياري الدولي للسجون ومعاملة السجناء المتصل بالنصوص والآليات الدولية، وكذا الإطار المعياري الوطني، خاصة الدستور والمنظومة الجنائية والمراسيم والقرارات المنظمة للمؤسسات السجنية. بخصوص الجالية المغربية المقيمة بالخارج، جاء الدستور بمجموعة من المكاسب لفائدة هذه الفئة، ما هي أهم الخطوات التي قام بها المجلس لتنزيل مقتضيات الدستور الخاصة بهذه الفئة في الجانب المتعلق بحقوق الإنسان؟ - الظهير المحدث للمجلس منح إمكانية اتخاذ المجلس تدابير حمائية للمهاجرين المغاربة، في مجال تمتعهم بحقوقهم الأساسية وضمنها حقوق المهاجرين. ونحن نتعاون في هذا الصدد بشكل وثيق مع مؤسسات وهيئات الحقوق والحريات والحكامة الجيدة، المنصوص عليها في الفصل 160 من الدستور، ومن ضمنها مجلس الجالية المغربية بالخارج، كما نتعامل مع الموضوع من منطلق اختصاصات المجلس ومجالات تدخله، وكذا الآليات الدولية ذات الصلة في علاقاتها بالموضوع من زاوية حقوق الإنسان ومعاييرها الدولية. ولا بد من الإشارة إلى أن المجلس يقوم، في إطار ممارسته لمهامه في مجال حماية حقوق الإنسان، مع مراعاة الاختصاصات المخولة للسلطات العمومية المختصة، بزيارة أماكن الاعتقال والمؤسسات السجنية، ومراقبة أحوال السجناء ومعاملتهم، وكذا مراكز حماية الطفولة وإعادة الإدماج والمؤسسات الاستشفائية الخاصة بمعالجة الأمراض العقلية والنفسية، وأماكن الاحتفاظ بالأجانب في وضعية غير قانونية.