أعلن عبد الكبير الحقاوي، رئيس الوكالة الدولية للتنمية "إيد فيديراسيون"، عن قرب افتتاح الوكالة لمركز للعناية بالأشخاص المسنين في جماعة بوقنادل قرب مدينة سلا، ومركز آخر بسلا. وأوضح الحقاوي، في حوار مع "المغربية"، أن المركزين سيعملان على إيواء المسنين والعناية بهم، وتمكينهم من كسب التوازن النفسي، وأضاف أن "وكالة التنمية الدولية تعمل في المغرب وفق مقاربة متفردة، ترتكز على اعتبار أن محاربة الهشاشة والإقصاء مسلسل شمولي، يتطلب تدخلا شموليا ومتمفصلا، يتيح على المدى البعيد إعادة بناء مواطنة الشخص". وأضاف أن أهداف الوكالة الدولية للتنمية تتمثل في محاولة إيجاد حلول للمشاكل التي تعترض المهاجرين ببلد المهجر وفي الدول المصدرة للهجرة، والاهتمام بقضايا التنمية بالقارة الإفريقية ودول الجنوب، مشيرا إلى أن "إيد فيدراسيون"، تشرف وتشارك، منذ سنة 2008، في العديد من المشاريع بالمغرب تسعى لمحاربة الهشاشة والقضاء على الهدر المدرسي لدى الفئات الضعيفة في المحمدية، وسلا، وأبي الجعد، وبزو، مبرزا أن عقد الشراكة مع المغرب توج بتأسيس بنك غدائي بمدينة سلا تستفيد منه الأسر الفقيرة. ويعتبر الحقاوي " المقيم حاليا بفرنسا، وصاحب كتاب "من التهميش إلى الاندماج"، من الوجوه الجمعوية المغربية التي بصمت بنشاطها عالم الهجرة بباريس، وناضل في مجال محاربة العنصرية والإقصاء الاجتماعي للمهاجرين بفرنسا، كما ساهم في إعداد برامج للتنمية في البلدان الأصلية للمهاجرين. أنتم مقبلون على افتتاح مركزين في أكتوبر المقبل لإيواء المسنين بمدينة سلا، في أي إطار يدخل مشروعكم؟ - يدخل هذا المشروع في إطار أهداف الوكالة الدولية للتنمية من أجل محاربة الهشاشة، التي لا تستثني الأشخاص المسنين بالمغرب. وسيفتح، في هذا الاتجاه مركز في أكتوبر المقبل بجماعة بوقنادل التابعة لمدينة سلا، بطاقة إيوائية لحوالي 100 شخص، نساء ورجالا، لصالح مسنين لا يتوفرون على عائلات أو مأوى. كما سنفتح مركزا ثانيا بمدينة سلا في حي تابريكت في شتنبر المقبل، سيكون مختصا في استقبال المسنين طوال النهار فقط، مع تخصيص أنشطة لهم، ويعودون إلى عائلاتهم في المساء. وتدخل الأنشطة، التي ستنظم لهذه الفئة من السكان، في إطار الأهداف التي حددتها منظمتنا، وهي مساعدة المسنين بدون مأوى ودون عائلة، أو الذين يعيشون مشاكل عائلية، على عيش الشيخوخة بطريقة أخرى وفي أحسن الظروف، عبر توفير بعض الأنشطة المهنية، حسب قدرة كل واحد منهم، وإشراكهم في تسيير المركز وفي بنك التغذية، من خلال توفير خضر تنتج بالأرض التابعة للمركز، من أجل كسر عزلتهم، ومواجهة الأوضاع الصعبة التي يعيشونها. كما نسعى إلى خلق إطار ملائم وأنشطة بالنسبة للمسنين، الذين مازالوا يتوفرون على عائلاتهم، وتسهيل تدبير حياتهم اليومية في علاقتهم بعائلاتهم، وتشجيعهم على الاستمرار في العيش داخل أسرهم في أحسن الظروف. هذا المشروع تنجزه الوكالة بتعاون مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ووزارة التنمية الاجتماعية والتضامن والعائلة، وعمالة مدينة سلا، والتعاون الوطني، فبفضل تعاون كل هذه الهيئات، أمكن إنجاز هذا المشروع. هل مشكل الشيخوخة مطروح اليوم بالمغرب إلى هذا الحد، وهل يوجد شيوخ متخلى عنهم، أم أن الظاهرة محدودة؟ - يعرف المغرب اليوم تحولا ديموغرافيا كبيرا، وبعد أن ظل يطغى على هرمه السكاني الشباب، أصبح اليوم يعرف ظاهرة المسنين، التي ستعرف تزايدا كبيرا في العقود المقبلة، وعلى المجتمع أن يستعد لها. من حسن الحظ أن هناك التكافل داخل الأسر والمجتمع المغربي، إذ تقع العناية بالمسنين من طرف عائلاتهم. لكن عددا من المسنين ليست لهم روابط عائلية ولهم مشاكل مادية، لعدم توفرهم على معاش، وفي هذا الجانب، تتدخل منظمتنا من أجل المساهمة في إنقاذ شيوخ في وضعية صعبة، ومساعدتهم على إيجاد أسرهم، وإعادة خلق التواصل معها، لأن هدفنا ليس خلق مأوى للمسنين وعزلهم عن عائلاتهم بل الهدف إعادة إدماجهم في أسرهم بالنسبة للذين لهم أسر، ومساعدتهم على تدبير اليومي بكل صعوباته، وإعادة إدماجهم في المجتمع، خاصة أن هذه الفئات تعيش صعوبات ومعرضة أكثر للمخاطر الصحية وكذلك الاجتماعية بسبب العزلة الاجتماعية، وغياب العلاقات الاجتماعية. هل ستستمر منظمتكم في مواكبة هذه الظاهرة بالمغرب أم ستقتصرون على هذين المشروعين فقط؟ - لن نتوقف عند إنجاز مراكز لاستقبال الأشخاص المسنين بدون مأوى، بل سنعمل، في هذا الاتجاه، على خلق مركز للاستشعار حول ظاهرة الشيخوخة بالمغرب، وسندعو باحثين وفاعلين اجتماعيين وجمعويين، ومسؤولين إداريين وسياسيين، من أجل مقاربة هذه الظاهرة الجديدة بشكل عملي وعلمي، وهو المشروع الذي ستنجزه منظمتنا في الأيام المقبلة. ما هي أهم المشاريع التي تنجزها الوكالة الدولية للتنمية بالمغرب؟ - إن التعاون مع المغرب بدأ سنة 2008، إذ نظمنا الملتقى الدولي حول أهداف الألفية من أجل التنمية، الذي نظمته فدرالية الوكالات الدولية من أجل التنمية بدعم من الحكومة المغربية وبرنامج الأممالمتحدة للتنمية، وكان موضوعه "كيف نتجاوز الصعوبات بغية بلوغ الأهداف المسطرة بإعلان الألفية في أفق 2015 بالمغرب". في هذا الملتقى الدولي الناجح بالرباط، الذي حضرته عشرات المنظمات والجمعيات من المغرب والخارج، بمشاركة 350 مشاركا و8 وزارات، كانت لنا فرصة للتعرف على الواقع المغرب، وبدأ التفكير في نقل جزء من أنشطتنا من فرنسا نحو المغرب، خاصة أن المغربي كان يعيش أجواء انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي يسهر عليها جلالة الملك محمد السادس بنفسه، وهو ما أقنعنا بالأهمية التي تعطيها السلطات المغربية للمواضيع المرتبطة بأهداف الألفية من أجل التنمية ومحاربة كل أشكال الهشاشة. في هذه الظروف جرى التفكير في أول المشاريع، التي شارك فيها إلى جانبي، يوسف لهلالي، المسؤول عن التواصل والمشاريع بالمنظمة، والذي ساهم في تنظيم الملتقى الدولي للألفية بالرباط سنة 2008. وقمنا بإطلاق أول مشروع "أمل المغرب 2008 - 2015"، وكان مشروعا طموحا يهدف إلى محاربة الهشاشة والانقطاع عن الدراسة، ومس، حتى الآن 5422 تلميذا بالتعليم الأولي، و11 مدرسة ابتدائية، وبداية المشروع كانت بمدينة المحمدية ومدينة سلا. أما الآن، فقد مست هذه المشاريع مدنا أخرى مثل مدينة أبي الجعد، ومدينة بزو، وهذه المشاريع تهدف إلى محاربة الهدر المدرسي، وتوفير ظروف ملائمة لتلاميذ يعرفون مشاكل مادية واجتماعية. وبمدينة سلا وزعت 161 ألفا و362 وجبة على تلاميذ مدرسة العلامة المدني السفار، في السنوات الدراسية 2009-2012، وسنستمر في تقديم الوجبات هذه السنة. وفي ما يخص المخيمات المدرسية، التي دامت 15 يوما، استفاد في صيفي 2010 و2011 حوالي 4000 طفل وطفلة، كما أن المنظمة وفرت أربع حافلات للنقل المدرسي للتلاميذ الذين يسكنون بعيدا عن مدارسهم. وباشرنا إصلاح مدرسة المدني السفار بسلا بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وإصلاح مدرستي الشيخ المعطي وعبد الرحمان المنصوري بمدينة أبي الجعد، بالدعم أيضا. كما أسسنا بنكا غذائيا بمدينة سلا من أجل مساعدة العائلات التي تعرف هشاشة كبيرة، وهو مشروع يوجد منذ أكثر من سنتين، وهدفه مساعدة العائلات التي تعيش في وضعية هشاشة ومساعدتها من أجل استمرار الأطفال في مسارهم الدراسي، إذ ندافع عن مبادرة متكاملة في هذا المجال، تمس العائلات في وضع الهشاشة وأطفالهم بالمدرسة. ما هو دور المهاجرين في نقل الخبرات المهنية في مختلف المجالات التي حصلوا عليها في بلدان الاستقبال إلى بلدهم الأصلي المغرب؟ - طبعا، عندما تقيم بالخارج، كحالتي بفرنسا، وتندمج في مجتمع الاستقبال، وتحقق نجاحا مهنيا، فإن البلد الأصلي شيء يسكنك باستمرار، وكما ذكرت سابقا، فالاحتكاك بالمجال الجمعوي بالمغرب، والتغييرات الكبيرة التي تعرفها البلاد، والاهتمام الكبير على أعلى مستوى بقضايا التنمية البشرية، إذ يعطي صاحب الجلالة الملك محمد السادس اهتماما خاصا للتنمية البشرية، كلها عوامل دفعتني إلى المساهمة بدوري في هذا المجهود، وإلى نقل خبرتي في هذا المجال، الذي يمس المنظمات الدولية، نحو المغرب، من خلال مواجهة معضلات الهشاشة والهدر المدرسي، وتأسيس بنك التضامن الغذائي بمدينة سلا، ومراكز لإيواء المسنين بدون أسر. هل كان الانتقال إلى العمل بالمغرب ووضع مشاريع به أمرا سهلا، خاصة أنكم تعودتم على العمل بالخارج؟ - في الحقيقة، أي شيء ليس سهلا، فقد وجدنا صعوبات كثيرة في البداية، خاصة أن الإدارة لم تكن لها تقاليد العمل مع الجمعيات والمنظمات الدولية، لكن، من خلال التعارف والحوار، سهل علينا ذلك العديد من الأمور، علما أن الإدارة المغربية تتوفر على بعض الطاقات والأطر المتميزة، التي دعمتنا وشجعتنا فيما نقوم به. كما أن أغلب وزراء القطاعات التي نشتغل معها استقبلونا من أجل الدفع بهذه المشاريع وتشجيعنا على الاستمرار فيها. وأخيرا، استقبلت من طرف بسيمة الحقاوي، وهي وزيرة في الحكومة الجديدة مكلفة بقضايا الأسرة والتضامن، ووعدتني باستمرار التعاون والعمل معنا في المشاريع التي انطلقت بالمغرب. نأمل أن تستمر الحكومة الحالية في دعم برامجنا في الميدان، كما أن وزير التعليم العالي، لحسن الداودي، دعم مشاريعنا، من خلال وضع أرض رهن مشاريعنا. ونحن متفائلون بأن تستمر مشاريعنا مع المغرب، التي بدأت مع الحكومات السابقة وستستمر مع الحكومة الحالية لما فيه مصلحة البلاد. إن خبرة متواضعة توفرت لنا على المستوى الدولي، إذ عملت وكالة التنمية الدولية منذ 26 سنة وعبر أكثر من 20 دولة في أوراش كبيرة، استهدفت محاربة الهشاشة والإقصاء ضمن مقاربة فريدة مؤسسة على اعتبار أن محاربة الهشاشة والإقصاء مسلسل شمولي، يتطلب تدخلا شموليا ومتمفصلا، يتيح على المدى البعيد إعادة بناء مواطنة الشخص. ما هو رأيك في النقاش الجاري في المغرب اليوم حول تنظيم الهجرة ودور مجلس الجالية المغربية بالخارج؟ - لا بد من القول إن المغرب، على أعلى مستوى، أعطى أهمية كبيرة لملف الهجرة ووضعية المغاربة بالخارج، والمجلس لعب دورا في تمويل العديد من الأنشطة، وساهم في تمويل إحدى ندواتنا الدولية حول الألفية سنة 2008، لكنه لم يشارك في العديد من المشاريع التي نقوم بها في المغرب رغم طلباتنا المتعددة. لكن، اليوم، هناك نقاش كبير حول دور المجلس وسط الجالية المغربية، هل يبقى ذا طابع استشاري كما هو وضعه حاليا، أم يجري تحويله إلى هيئة تمثيلية أو مجلس أعلى للهجرة، ولحد الساعة، لم يحسم البرلمان المغربي في الأمر، وكما نص الدستور الجديد على ذلك، لا بد من تمثيلية للمهاجرين في المؤسسات داخل البلد، والفاعلون السياسيون بالبلاد عليهم أن يستمعوا قبل ذلك إلى الفاعلين في مجال الهجرة حول مصير هذا المجلس، وكيفية تمثيل مختلف المكونات به. بالنسبة لنا كفدرالية دولية، نريد أن تكون لنا كلمتنا في مجال الهجرة، وأن يكون لنا مخاطب على مستوى الدولة، ولا بد من الاستفادة من التجارب السابقة في هذا المجال، من أجل إيجاد صيغة جديدة ترضي الأغلبية في أوساط الهجرة المغربية.