جرت عصر، أمس الثلاثاء، بمقبرة الشهداء بالرباط٬ مراسيم تشييع جثمان الأديب والصحافي عبد الجبار السحيمي٬ الذي لبى داعي ربه فجر أمس بالرباط٬ عن عمر يناهز 74 سنة٬ بعد صراع طويل مع المرض. ونعى اتحاد كتاب المغرب الفقيد في بلاغ عممه على وسائل الإعلام، جاء فيه "على حين غرة، وعلى إيقاع الوجع القاسي، ينفلت من بين أضلعنا المبدع والكاتب الصحافي المغربي الكبير، عبد الجبار السحيمي...بعد حضور قوي ومؤثر في الساحة الثقافية والإبداعية والصحفية الوطنية، على مدى خمسة عقود ونيف من العمل الدؤوب والمراهنة على ترسيخ قيم المواطنة الأصلية الحية في المجتمع وفي الحياة الثقافية والسياسية". ويجمع الإعلاميون على أن عبد الجبار السحيمي يعد من رواد الصحافة المغربية، الأمر الذي أبرزه محمد حفيظ، الجامعي والإعلامي، في تصريح ل"المغربية"، وقال "إنه كان قلما صحافيا ومبدعا في الوقت ذاته"، موضحا أن نصوص السحيمي "كانت قصيرة، لكنها عميقة ونافذة، نستمتع بها في القراءة الصحفية والإبداعية، لأنه كان يقدر الكلمة والكتابة"، ولذلك يعتبر حفيظ أن مقالات السحيمي "ظلت تحافظ على قيمتها، وستظل محافظة على هذه القيمة، لأن فيها نفحة إبداعية، تمنح متعة القراءة في كل الأزمان مثل كل النصوص الإبداعية المتميزة". وركز حفيظ على الجانب الأخلاقي الذي كان الفقيد يتمتع به، قائلا "السحيمي رجل ظل يعطي قيمة للأخلاق في الكتابة، إذ مهما كان تعليقه قويا وحادا وجريئا، لكنه أبدا لم يمل إلى السب والقذف، لأن السحيمي كان متشبثا بأخلاق الكتابة"، واعتبر الإعلامي حفيظ أن عبد الجبار السحيمي كان صديق كل الأجيال، وكل الإعلاميين والمبدعين، فرغم أن جريدة العلم هي لسان حال حزب الاستقلال، إلا أن السحيمي جعلها فضاء يحضن عددا من الأقلام المنتمية إلى مختلف المشارب الفكرية والسياسية". ويقول عنه الكاتب محمد بشكار، في إحدى كتاباته إنه "ترعرع قريبا من الشعب، في عوالمه السفلى، الذي اعتبره المنبع الحقيقي لكل من يروم الاغتراف من معين الوطنية الصادقة"، مضيفا أنه "استدرجته الصحافة إلى شراكها التي لا تخلو وتيرتها العنيفة من لذة، فكان علما ألمعيا لجريدة "العلم"، منذ ولجها محررا فتيا في عمر العشرين، ثم تحول إلى صنف من العيار الجذاب للنخبة الثقافية بالمغرب، بما لمسه فيه المثقفون والمفكرون والمبدعون، من لباقة إنسانية وعمق إبداع، فأمسك المسؤولية الجسيمة لملحق "العلم الثقافي"، الذي انبثق بالولادة عام 1969". ويواصل بشكار مستحضرا مناقب الراحل ليقول "لو أردنا رسم بطاقة تعكس الملْمح الإنساني والإبداعي العميق، لشيخ الإعلام والقاص المغربي، الأستاذ عبد الجبار السحيمي، فلن نجد أبلغ من لغته التي تكسر الحجر في التعبير، عما يختلج واقعنا اليومي في السراء والضراء، فهو بخط يده، لم يكن فقط يدبج أسطرا تتلَوى بالتوصيف لأحد الأحداث الصحافية التي ستمضي، نسيا منسيا، مع أوراق الجريدة، إنما هذه الأسطر أشبه ما تكون بالجذور التي تمتد بالمعنى الإنساني سحيقا، لتلامس الصميمي والجوهري في نبض المجتمع، لتبقى المقالة نصا إبداعيا حيا يضيء بمراياه التحليلية العالقة في جدران الذاكرة، كل الأزمان". "مولاي"، هي أولى ثمرات السحيمي الإبداعية، جاءت على شكل قصص، صدرت له عن دار الخانجي بالقاهرة، سنة 1965، لتتلوها المجموعة القصصية "الممكن من المستحيل"، التي صدرت له في السنة ذاتها عن مطبعة الرسالة بالرباط، وأعادت إصدارها دار نشر "عيون المقالات"، سنة 1988، وبالإضافة إلى هذين العملين الإبداعيين، تضم خزانته كتابا مشتركا "معركتنا العربية ضد الاستعمار والصهيونية"، ألفه رفقة محمد العربي المساري وعبد الكريم غلاب، الرباط، وصدر عن مطبعة الرسالة، سنة 1967، إلى جانب عموده "بخط اليد"، الذي جمعت مواده ضمن كتاب الشهر، الصادر عن منشورات شراع، في طنجة. يشار إلى أن السحيمي ولد سنة 1938 بمدينة الرباط، تابع دراسته بمدارس محمد الخامس، والتحق بالعمل الصحافي منذ أواخر الخمسينيات، أصدر رفقة محمد العربي المساري مجلة القصة والمسرح سنة 1964، كما كان مديرا لمجلة 2000، التي صدر عددها الأول والوحيد في يونيو 1970، واستمر يزاول مهمة رئيس تحرير لجريدة "العلم"، التي أصبح مديرا لها إلى أن أقعده المرض، قبل حوالي سنتين.