من الواضح أن المغاربة يفضلون التفاعل مع حكومة سياسية وفقا لأحكام الديمقراطية. فقد اختاروا بكل حرية، من خلال انتخابات نظيفة، حزبا سياسيا شكل ائتلافا قدم برنامجا وأخضعه للتصويت في البرلمان، وهذا تقليد ديمقراطي لا يقبل الجدل. لقد اشتغل الدستور الجديد، رغم حداثته وطبيعته النظرية، لأنه لم يخضع بعد للاختبار على أرض الواقع، فرئيس الحكومة يقوم بدوره، وعلاقته مع رئيس الدولة تبدو متحضرة وهادئة. وعلاوة على ذلك، فإن رئيس الحكومة يعترف بأنه مشمول بالرعاية الدستورية باستمرار من طرف جلالة الملك، الذي يساعد الحكومة الجديدة في مهمتها بشكل كبير وحاسم. لكن طريق السياسة ليس مفروشا بالورود وليس نهرا مستقيم المجرى، وتعلم كيفية اشتغال الحكومة عمل شاق لا يأتي بسهولة، لهذا، ظهرت بسرعة بعض الثغرات والهفوات، وهي عثرات متفرقة تشهد على استمرار حياة نضالية سابقة، أكثر من كونها تتعلق بطريقة منهجية، ومن المعروف أن الممارسة هي التي تعلم صاحبها ركوب الدراجة الهوائية. إن حكومة عبد الإله بنكيران تظهر اليوم خاصيات معبرة إلى حد ما، ولو أنها، من زاوية سياسية، لا تبعث على الكثير من القلق، لحد الآن. تتمثل النقطة الأولى في أن وزراء حزب العدالة والتنمية وحدهم الذين يتصرفون بارتياح أكثر، إلى درجة أننا لا نرى ولا نسمع سواهم. وهم سعداء بذلك، ويُظهرونه، وهذه هي لعبة الديمقراطية، لكن هذا يؤثر بشكل فعال على الرأي العام، الذي يشعر وكأنه لا يتعامل مع حكومة ائتلافية، إذ وحدهم وزراء حزب العدالة والتنمية يظهرون في الواجهة، كما لو كانوا يتوفرون على شرعية سياسية أعلى. أما الأمر الثاني، وهو يرتبط مباشرة بالأول، فهو أن أعضاء الائتلاف الحكومي لا يبدون مسرورين بانتمائهم إلى هذه الأغلبية، وعلى أي حال، فهم لا يظهرون ذلك بالقدر المطلوب. فلا حزب الحركة الشعبية، ولا حزب التقدم والاشتراكية أو حزب الاستقلال، يظهر مؤشرات حماس ملموسة. ويبدو أن هذه الأحزاب دخلت الحكومة بخطوات متثاقلة، دون إرادة سياسية، ودون رغبة في العمل، ودون إرادة في التأثير بقوة على سير الأمور، بل فقط من أجل المناصب، أو الحضور الشكلي. إن الذين يريدون إعطاء الانطباع بأنهم سيعملون حراسا للمعبد، لا يحرسون شيئا في الواقع، لأن كل شيء يمر أمام أعينهم. إذ لم تكد تُسمع لهم أصوات في خضم النقاش الساخن حول حصيلة المائة يوم الأولى من عمر الحكومة (والمتعلق بالمهرجانات، وألعاب الحظ، والمادة 475 من القانون الجنائي، والسياحة في مراكش ...الخ). ففي مفارقة صارخة، جاءت التهديدات الوحيدة بالاستقالة من طرف وزراء العدالة والتنمية أنفسهم، فيما يتصرف الوزراء الآخرون في الائتلاف الحكومي وكأنهم "مجبرون". أما النقطة الثالثة، وليست الأقل الأهمية، والتي تتعلق مباشرة برئيس الحكومة، فهي أن التصريحات النارية، الصادرة عن بعض الوزراء، تشكل علامات حقيقية على عدم الثقة في المنتوج المغربي، وهذا ما يعتبر انتحارا اقتصاديا في خضم الأزمة، فنحن نطلق رصاصة على قدمنا حين نهاجم السياح، وهذا أمر خطر وغير مسؤول، إذ لا يمكن مهاجمة نشاط استراتيجي وطني بهذا القدر من الخفة. وهنا، فإن السلطة الطبيعية لرئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، هي التي ينبغي استنهاضها ومساءلتها على الفور، لأن الأمر يتعلق بالمصداقية الجماعية للبلاد.