اختارت مدينة الدارالبيضاء، منذ عام 2004، الدخول في تجربة التدبير المفوض لقطاع النقل الحضري، و"طبّل" العمدة، محمد ساجد، ومن يدور في فلكه كثيرا لهذا الاختيار، معتبرين أنه الطريق الأصح لتجاوز معضلة النقل في المدينة. وكشفت ثماني سنوات من تجربة التدبير المفوض للنقل الحضري أن شركة حافلات المدينة، الفائزة بهذه الصفقة هي نسخة أخرى للوكالة المستقلة للنقل الحضري، التي أعلن سابقا عن إفلاسها، بعد الأعطاب التي شهدها تسييرها وتدبيرها خلال سنوات الثمانينيات من القرن الماضي. ولم تتمكن الشركة الجديدة من إعادة الثقة إلى البيضاويين في وسائل النقل العمومي، لتبقى مشكلة النقل في العاصمة الاقتصادية مطروحة بحدة، وتنتظر حلا عاجلا، خاصة مع الاكتظاظ الشديد في جل الشوارع البيضاوية. يؤكد مراقبون كثيرون للشأن المحلي البيضاوي أنه لا يمكن حل مشاكل التنقل، فقط، من خلال قرار التدبير المفوض للقطاع، لأن ذلك مجرد حلقة ضمن سلسلة طويلة من المشاريع الأخرى، التي يجب أن تنجز لإحداث شبكة متناسقة من وسائل النقل الحضري، تشمل "الترامواي" والميترو" و"القطار الجهوي"، وأن الأمر يتطلب 50 مليار درهم. وإذا كان هناك من يحاول دائما أن يبرر مشاكل التنقل بقلة الإمكانات المادية، فهذا لا يعني بأي حال عدم فتح هذا الملف بكل جدية، وتفعيل لجان المراقبة، وتوفير كل السبل لضمان نجاح هذه التجربة، سواء في الدارالبيضاء أو باقي المدن الأخرى. من بين الاقتراحات الممكن اعتمادها في هذا الشأن، تخصيص أماكن لمرور الحافلات في الشوارع الرئيسية للمدينة، تتراوح مساحته بين 9 و13 مترا، كما هو الحال في بعض المدن التركية، إذ تمكنت السلطات في هذا البلد من إحداث ممرات يمنع على جميع وسائل النقل المرور منها باستثناء الحافلات، ومكنت هذه العملية من تقليص حجم الاكتظاظ ومدة كل رحلة، كما شجعت المواطنين الأتراك على استعمال وسائل النقل العمومي، بدل سياراتهم الخاصة، ومن ثم انخفض بشكل كبير عدد السيارات، وأصبح الاعتماد على الحافلات هو السائد. تجاوز المشاكل لا يحتاج دائما إلى الإمكانات المادية الضخمة، لكن فقط إلى الإرادة في التغيير، مع الاستفادة من تجارب الآخرين، والسعي الجدي إلى حل المشاكل، وفق الوسائل المتاحة.