أصدر المركز الوطني للتنمية البشرية تقريرا مفصلا حول قطاع الصحة، أدرجه في كتاب باسم "الفوارق في الاستفادة من الرعاية الطبية بالمغرب"، بناء على عمل ميداني في مناطق أزيلال، وفكيك، وسلا. وخلص التقرير إلى وجود فوارق في تقديم الخدمات الصحية بين الوسطين الحضري والقروي، وبين الفقراء والأغنياء في عدد من الجهات، إذ يبقى الفارق مع المعدل الوطني للخدمات الصحية في الوسط القروي مرتفعا نسبيا. ومن استنتاجات البحث الميداني الكمي حول الاستفادة من الرعاية الطبية لدى سكان هذه المناطق، تكرر اعتبار الاستفادة من الرعاية الطبية بوصفها صعبة، بسبب العوائق الجغرافية، فضلا عن الصعوبات المالية التي تحول دون الاستفادة من الاستشارة الطبية والحصول على الأدوية، رغم اعتبار المركز الصحي البنية المفضلة بالنسبة للاستشارة الطبية. وأوضح البحث أن أغلبية الأشخاص المستجوبين (82,5 في المائة) في أزيلال، وفكيك، وسلا، أصيبوا بحالة مرض واحدة على الأقل، خلال السنة الماضية، و30 في المائة لم يستفيدوا من استشارة طبية، وحين يتعلق الأمر بمرض طفل، انتظرت العائلات انقضاء فترة المرض في 12,9 في المائة من الحالات. وأورد التقرير أن الصعوبات المالية تبقى عائقا مهما للولوج إلى الرعاية الصحية، إذ عبر 60 في المائة من المستجوبين عن مواجهتهم صعوبات أداء تكاليف الرعاية الصحية، ما ينتج عنه، أحيانا، التخلي عن الاستشارة الطبية، بشكل متواتر لدى الطبيب الاختصاصي (49,7 في المائة) أكثر من الطبيب العمومي (21,2 في المائة). وأشار فريق البحث إلى أن سوء الاستقبال يكون السبب الرئيسي في الوسط الحضري، كما ذكر 40 في المائة من الأشخاص المستجوبين، بينما يعتبر غياب الطبيب أو الشعور بتدني الكفاءة في الوسط القروي عاملا واردا في الأجوبة (حوالي 30 في المائة من الأشخاص المستجوبين). وما عدا الرحل، فإن أغلب الأشخاص المستجوبين (74 في المائة) يسكنون على بعد أقل من 3 كلم من المركز الصحي، بينما حوالي الثلث يسكن على بعد أقل من ساعة. أما الولوج الفعلي للمستشفى، من حيث الوقت، فهو أقل من ساعة بالنسبة ل57 في المائة من الأشخاص، وأقل من 4 ساعات بالنسبة ل91 في المائة، بينما يعتبر البعد أكبر عائق ذكره 42 في المائة من المستجوبين، متقدما على المشاكل المالية (17,7 في المائة) والاستقبال السيء (8,1 في المائة). وسجل التقرير أنه حين يستفيد المستجوبون من الاستشارة الطبية، فإنهم يجرونها لدى طبيب في المؤسسات الاستشفائية الأساسية في أكثر من 70 في المائة من الحالات، وبطريقة متكافئة تقريبا في القطاع العمومي (45,5 في المائة) وفي القطاع الخاص ( 42,9 في المائة) بالنسبة إلى البالغين. أما لدى الأطفال، فالسعي للرعاية الصحية مختلف، إذ تجري العائلات الاستشارة الطبية بشكل متواتر لدى طبيب القطاع العمومي (56,4 في المائة) أكثر من طبيب القطاع الخاص (25,5 في المائة). صعوبة الولوج إلى الأدوية أورد التقرير أن ثمن الدواء في المغرب يبقى مرتفعا مقارنة مع بلدان أخرى، رغم مجهودات وزارة الصحة لتحسين إمكانية الحصول على الدواء في القطاعين العمومي والخاص، كاعتماد مساطر تسجيل الدواء ومراقبة الجودة، وتحسين مساطر أخرى لتحديد أثمان الأدوية المستوردة. وأشار التقرير إلى نفاد في مخزون بعض المراكز الصحية من الأدوية، سيما منها غير تلك التي تغطيها برامج الصحة العمومية، بينما تطرق التقرير إلى تنوع توفر الأدوية في القطاع العمومي، من موقع إلى آخر، حسب بعد المراكز الصحية عن المركز الإداري للموقع، ووجود وسائل النقل لتسليم المنتجات، وحالات نفاد المخزون في الصيدليات الإقليمية. ومع ذلك، اعتبر التقرير، بناء على تصريحات المستجوبين، توفر مرضي للأدوية، خاصة بالنسبة إلى بعض الأدوية ذات الأولوية (صحة الأم- الطفل، السكري، ارتفاع ضغط الدم)، إلا أن نسبة الإرضاء تبقى ضئيلة بخصوص بعض المنتجات، مثل المضادات الحيوية، والمضادات للالتهابات. من ناحية أخرى، وقف التقرير على أن مصنعي ومستوردي الأدوية لا يعتبرون أن سعر الدواء مرتفع، وإنما القدرة الشرائية للمواطن هي المسؤولة عن عدم الولوج إلى الأدوية، في حين يشير الصيادلة، إلى أنهم يواجهون صعوبات في تسويق الأدوية، ما يجعلهم مجبرين على قبول السلف لفائدة زبنائهم، وهو واجب تجاه زبائن القرب، نظرا لضعف القدرة الشرائية وغياب التغطية الصحية. ظروف الاشتغال الصعبة كشف فريق العمل التابع للمرصد الوطني للتنمية البشرية، عن ظروف الاشتغال الصعبة التي يعانيها موظفو المراكز الصحية العمومية، بسبب نقص مزمن في الموارد البشرية، سيما في فيكيك وأزيلال، وعزوف بعض الموظفين عن الاستقرار في القرى البعيدة جدا عن المراكز الحضرية للمنطقة. وأشار التقرير إلى إشكالية صيانة المراكز الصحية، التي غالبا ما تفتقر إلى حسن الاستقبال، وسوء تنظيم مقراتها، وضعف نظافتها، وافتقارها إلى الأمن. كما رصد التقرير إكراهات الوصول إلى المؤسسات الصحية، وإكراهات اختيار الطبيب المعالج، منها كلفة النقل، وصعوبات إيجاد وسيلة نقل في المناطق "المعزولة"، بما في ذلك الوسط الحضري أحيانا، ونفقات مرتبطة بالمبيت وتغذية المرافقين ونفقات خاصة مرتبطة بالخدمات الصحية (تحاليل مخبرية، وأدوية). وتطرق التقرير إلى الحواجز المعنوية التي تواجه المريض، منها ما يرتبط بسوء استقباله، ما يدفع إلى البحث عن طرق سهلة للوصول إلى مقدم الرعاية الطبية، ومنها الرشوة أو التدخلات، ومنها ما يرتبط بعدم توفر الطبيب أو غيابه. ووأشار التقرير إلى "اعتراف الفاعلين المؤسساتيين في وزارة الصحة وكليات الطب، بأن التكوين، كما يجري في المراكز الاستشفائية الجامعية، لا يتطابق مع ممارسة الطب العام في المؤسسات الاستشفائية الكبرى"، كما يعتبر أغلب الشباب الحاصلين على دبلومات في الطب أن التكوين الأساس سطحي ولا يمكن الطبيب العام من تطوير الكفاءات الضرورية للممارسة المهنية.