وضع وزير الشؤون الخارجية الفرنسي، ألان جوبيي، زيارة العمل، التي سيقوم بها للمغرب، يومي 8 و 9 مارس الجاري، تحت شعار الثقة ودعم الإصلاحات العميقة، التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس وفق نموذج هادئ يثير التقدير، في إطار تقلبات "الربيع العربي". وقال جوبيي، في حديث خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، "لقد كنت أول من أشاد بالطموح الإصلاحي والاستشرافي لجلالة الملك محمد السادس، الذي بادر إلى الأخذ بالاعتبار الدينامية السياسية والاجتماعية التي تشهدها بلاده". وفي هذا الإطار بالذات، يضيف جوبيي، "جرت مراجعة عميقة للدستور، وجرت انتخابات اتسمت بالشفافية، وانبثقت حكومة جديدة يقودها رئيس الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات، وجرى كل ذلك في جو هادئ سلس. وبالتالي لا يسعني إلا أن أعرب عن تقديري لهذا النموذج المغربي". وستتيح هذه الزيارة، وهي الأولى من نوعها لأحد أعضاء الحكومة الفرنسية منذ التغيير العميق الذي شهده الحقل السياسي والمؤسساتي بالمغرب، لرئيس الدبلوماسية الفرنسية تبليغ رسالة "ثقة". وأمام وصول أحزاب من الحركة الإسلامية إلى السلطة، في إطار تداعيات "الربيع العربي"، لخص جوبيي فلسفة فرنسا في عبارة "ثقة، لكن يقظة"، موضحا أن "الثقة تمس كل ما تمنحه الديمقراطية، أما اليقظة فتهم احترام حقوق الإنسان في إطار المبادئ الديمقراطية ذاتها". المغرب يتوفر على كل مقومات النجاح وأضاف وزير الشؤون الخارجية الفرنسي إنه بالنسبة إلى النموذج المغربي، "يمكنني القول اليوم إن كفة الثقة هي الراجحة (...) فالمغرب "يتوفر على كل مقومات النجاح"، وبالخصوص بفضل نظامه السياسي "الذي جرت ملاءمته وتحديثه أخيرا، والذي يوفق بين الأصالة والمعاصرة والانفتاح والتوازن". وأكد جوبيي، أن هذا الدعم يتعين أن يتبلور ليس فقط في الإطار الثنائي، حيث يستفيد المغرب من "أول دعم تقدمه فرنسا في إطار التعاون الدولي"، لكن، أيضا، على المستوى الأوروبي وعلى صعيد متعدد الأطراف. وأشار إلى أنه وفي إطار العلاقة "المتميزة التي تطبعها الحميمية والصداقة" بين فرنسا والمغرب، فإن "مجالات التعاون الثنائي متعددة"، لكنه شدد على "أولويتين تجاه الشباب وولوجهم إلى الشغل، وهما التعاون الجامعي والتربوي واللغوي، مع ولوج جديد في مجال التكوين المهني، وكذا التعاون في مجال البحث". وأشار رئيس الدبلوماسية الفرنسية إلى أن الشركاء الأوروبيين أعربوا، من جهتهم، عن "استعدادهم للمضي قدما " في التعاون مع المغرب، الذي يعد البلد الوحيد الذي يستفيد من "وضع متقدم" من بين الشركاء المتوسطيين بالاتحاد الأوروبي. يتعين على أوروبا أن تشاطر المغرب كل شيء عدا المؤسسات وقال ألان جوبيي في هذا الإطار، إن فرنسا تود أن "يشاطر الاتحاد الأوروبي، في نهاية المطاف، المغرب كل شيء باستثناء المؤسسات". وعلى المستوى متعدد الأطراف، يضيف الوزير الفرنسي، يتعين أن يستفيد المغرب من دعم "شراكة دوفيل"، وهو برنامج للمساعدة المالية من أجل مصاحبة الانتقال الديمقراطي بالبلدان العربية، والذي جرى إطلاقه خلال الرئاسة الفرنسية لمجموعة الثماني الكبار. وأعلن جوبيي أنه جرى في إطار هذه الشراكة استثمار مبلغ 3،6 ملايير أورو، كما جرى تحديد مشاريع ملموسة بمختلف الدول المستفيدة، حيث يتعلق الأمر، بالنسبة للمغرب، بمشاريع التهيئة الترابية والمساعدة على التنمية القروية. وأكد جوبيي، من جهة أخرى، أن زيارته للمملكة ستشكل، كذلك، مناسبة لتجديد التأكيد على تشبث فرنسا ب "حل سياسي، عادل ودائم" لقضية الصحراء على أساس مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب باعتباره "المقترح الواقعي الوحيد على الطاولة والذي يشكل قاعدة جدية وذات مصداقية للتوصل إلى حل". وأضاف أن هذه القضية لا ينبغي أن تشكل "عقبة أمام مسلسل التقارب بين المغرب والجزائر"، الذي يرغب فيه قادة البلدين، والذي لا يسع فرنسا إلا أن "تشجعه". وفي هذا السياق، دعا جوبيي إلى "تعزيز اتحاد المغرب العربي"، لكننا "لا نتدخل في هذا الشأن". وبالنسبة له، فإن "اللا مغرب عربي" يكلف غاليا، وأنه في زمن الأزمة الاقتصادية هذا، فإنه لا يحق لشمال إفريقيا أن تظل مقسمة". ولاحظ رئيس الديبلوماسية الفرنسية أن هناك "حركية دون شك: فالأمور تتقدم والأفكار تتطور"، سيما منذ اجتماع وزراء الشؤون الخارجية باتحاد المغرب العربي المنعقد بالرباط في 18 فبراير المنصرم، والذي شكل "نجاحا". وقال إنه بعيدا عن المنطقة، وفي مواجهة الخطر الإرهابي الذي يرخي بظلاله على الأمن بمنطقة الساحل والصحراء، فإن فرنسا والمغرب "بإمكانهما، بل يتحتم عليهما، لعب دور رئيسي في جميع المبادرات الإقليمية ومتعددة الأطراف". وعلى الساحة الدبلوماسية الدولية، أشاد جوبيي بمساهمة المغرب المهمة، باعتباره البلد العربي الوحيد العضو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث يعد "صوته صوتا مسموعا ويحظى بالتقدير" في نيويورك، وبالتالي، فلا غرابة أن يكون المغرب "رأس حربة" الجهود المبذولة من طرف الأغلبية الساحقة بالمجلس لصالح المقترح الرامي إلى وضع حد للنزاع المأساوي الذي تشهده سورية، والذي حال "الفيتو" الصيني- الروسي دون صدوره.