أعلن قبل أسابيع عن التشكيلة الحكومية الجديدة، برئاسة عبد الإله بنكيران، وانتهاء عهد الحكومة، التي كان يرأسها عباس الفاسي، وبتسليم السلط يغادر الوزراء مناصبهم وتطوى صفحة من السجل السياسي ليس للوزراء أنفسهم فحسب، بل السجل السياسي المغربي. ماذا يفعل الوزراء السابقون؟ إنه السؤال الذي يتفاداه الكثيرون، ربما عن قصد، لكن آثرنا أن نبحث له عن إجابات. يعود بعض الوزراء من حيث أتوا، أي إلى مدرجات الجامعة، أو مناصبهم في مؤسسات عمومية أو خاصة، أو إلى مشاريعهم، أو إلى فنهم مثل ثريا جبران، وبعضهم خرج من باب الوزارة ليلج مسارا آخر في عالم المسؤولية. بالنسبة إلى الوزراء في الحكومة السابقة يمثل أحمد اخشيشن استثناء، فبمغادرته مهمته الوزارية سيعود إلى حزبه، رافعا عنه التجميد، الذي فرضه عليه تحمله المسؤولية على رأس وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، وهو الذي كان ينتمي إلى حزب اختار أن يصطف في المعارضة. قالت ثريا جبران لمجموعة من صديقاتها حين كانت وزيرة للثقافة، "حين أغادر الوزارة، سأنجز عملا مسرحيا أكون أنا موضوعه"، قالت ذلك وهي تستحضر بعض المواقف الساخرة التي وجدت نفسها فيها أثناء أداء مهامها الوزارية. غادرت ثريا وزارة الثقافة في يوليوز 2009، بعد أن قضت بها زهاء السنتين، ومازالت تراودها فكرة إخراج العمل المسرحي، وقد تتحامل على وضعيتها الصحية، التي تتتأرجح بين المد والجزر، لأن وضعها الصحي هو الذي أخر مسرحية "معالي الوزيرة"، وإلا كانت تجسدت على خشبة المسرح. ماذا يفعل الوزراء السابقون؟ إنه السؤال، الذي يدفعنا إلى البحث عن الوضع الحالي لأشخاص لم يعودوا يسمعوا عبارة "معالي الوزير"، الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية والتعاون، وياسر الزناكي، وزير السياحة والصناعة، أهلتهما حنكتهما وخبرتهما في مجال اشتغالهما، لتبوء منصب مستشارين في الديوان الملكي، إلى جانب فؤاد عالي الهمة، الذي شغل بدوره منصب كاتب دولة في الداخلية، في عهد الحكومة المغربية الخامسة والعشرين. الوزراء الذين خاضوا المعركة الانتخابية الأخيرة، وحصلوا على مقاعد داخل قبة البرلمان، سيواصلون ارتباطهم بالسياسة والشأن العام. ونزهة الصقلي، الوزيرة السابقة للأسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية، واحدة منهم، إذ ستتفرغ، بعد مغادرة منصبها الحكومي، للعمل البرلماني، بصفتها برلمانية، وقالت في تصريح ل"المغربية" إنها ستعود إلى العمل الجمعوي، لكن "ليس فقط داخل الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، بل سأحاول أن ألعب دورا، من خلال المجتمع المدني، في النهوض بروح المواطنة، خاصة لدى القيادات الشبابية، نساء ورجالا، أي أنني سأحاول اقتسام تجربتي السياسية وما راكمته، خلال مساري، لدفع الشباب ليكونوا أحسن خلف". وإذا كان منصف بلخياط، وزير الشباب والرياضة السابق، وأحمد رضا الشامي، وزير الصناعة، التجارة والتكنولوجيات الحديثة، يعتزمان خوض تجربة تطوير أنشطة في القطاع الخاص، فإن نزهة الصقلي لن تعود إلى مشروعها الخاص، "الصيدلية"، لأنها حسب تصريحها ل"المغربية" طلقت مهنة الصيدلة منذ فترة بعيدة. أخذ قسط من الراحة، والاهتمام بالعائلة هدفان رسمهما كل من توفيق حجيرة، وزير الإسكان والتعمير والتنمية المجالية السابق، وأنيس بيرو، وزير الصناعة التقليدية، وجمال أغماني، وزير التشغيل والتكوين المهني السابق، وإن كان أغماني ينوي التفرغ للبحث، دون التخلي عن مهامه بصفته عضوا في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. إدريس لشكر، البرلماني، والمحامي، وعضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، لن يغادر عالم السياسة، بل إن موقع حزبه داخل المعارضة سيمنحه فرصة تصريف قرار "المعارضة الشرسة"، الذي اتخذه الاتحاد الاشتراكي، من موقعه كبرلماني، وعضو الهيئة التنفيذية للحزب. وبدوره لن يغادر خالد الناصري، وزير الاتصال، الناطق باسم الحكومة السابق، عالم السياسة، بعد مغادرته الوزارة، لأنه أحد الأعضاء البارزين في حزب التقدم والاشتراكية، لكنه سيعود إلى تسيير المعهد العالي للإدارة، جامعا بين هذه المهمة، ومهمة قيادي في حزب نبيل بنعبد الله، وقد يعود إلى التدريس في مدرجات الجامعة، لأنها المهنة التي تستهويه. بنسالم حميش، الذي أثار تدبيره للشأن الثقافي غضب العديد من المثقفين، ربما سيعود إلى الكتابة والتأليف، حتى يثير جدلا فكريا، حول قضايا فلسفية، مثلما عهدناه. ينغمس اليوم أحمد اخشيشن في الإعداد للمؤتمر الثاني لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي يعد أحد أكبر مهندسيه، نافضا عنه غبار التجميد، الذي كان اختاره، وهو وزيرا للتربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، لكنه لن يتخلى عن عالم لتواصل والإعلام والاتصال لأنه هوسه. تعاقبت على المغرب بعد الاستقلال حكومات، وعشرات الوزراء، ورغم أن الوزراء في الغالب كائنات سياسية، إلا أن عددا منهم غادروا الحياة السياسية بمجرد وضعهم الحقيبة الوزارية، ولم يعد يسمع لهم أي صدى، بل إن بعضهم غادر حتى حزبه، ليطلق السياسة طلاق الثلاث.