أدى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أمس، صلاة الجمعة بمسجد أم كلثوم بحي التقدم بالرباط. (ماب) وأكد الخطيب، في مستهل خطبة الجمعة، أن الإسلام هو أول ثوابت هذه الأمة، مما يستوجب إمعان النظر في ما يتضمنه الدين من الحقوق، التي قد يتخيل بعض الناس أن هناك حاجة إلى اقتباسها، أو تعلمها من الغير. وأوضح أن الله تعالى خلق الإنسان مميزا عن جميع مخلوقاته، بمميزات تمكنه من الانسجام مع مقتضيات الرسالة وتبعات التكليف، وكرمه بوصفه إنسانا بصرف النظر عن عنصره أو لونه أو ديانته، مصداقا لقوله تعالى "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا". وتحقيقا لذلك، يقول الخطيب، شرع الإسلام، منذ أربعة عشر قرنا، قواعد سلوكية تضمن حقوقا كثيرة، منها ما يتعارف عليه اليوم ب"حقوق الإنسان" في شمول وعمق، وأحاطها بضمانات كافية لحمايتها، وصاغ مجتمعه على أصول ومبادئ، تمكن لهذه الحقوق وتدعمها. وأبرز أن نصوص القرآن والسنة تضمنت نظرية مسهبة وأحكاما تطبيقية ضافية لحقوق الإنسان، أجملها في أربعة حقوق أولها حق الحياة، إذ أضفى الإسلام، في هذا الصدد، صفة القداسة على الحياة لأنها سر إلهي، وهي وسيلة اختبار الخلق بالتكليف عبر إرادة الاختيار والتمييز والأهلية. وقال إن الله وهب نعمة الحياة للإنسان، وجعل صيانتها في طليعة الأهداف التي أبرزها الدين وتحدث عنها الأنبياء، ولا عجب إذا كان الاعتداء على حيوان أو إزهاق روحه ظلما يعد جريمة يدخل بسببها الإنسان النار، فكيف بتعذيب إنسان أو قتله ظلما. أما ثاني الحقوق فهو الحق في الأمن والاطمئنان، حيث نهى الإسلام عن ترويع الآمنين وتخويف المسالمين، فحرم إشهار السلاح في وجه الناس ولو مزاحا وتعريضهم لأي فزع أو تخويف أو تهديد. ويتمثل الحق الثالث في المساواة والعدل، إذ أكد الخطيب أن الإسلام يعتبر أن جميع الخلق أسرة واحدة انبثقت من أصل واحد، وأن التكليف الإلهي يتجه إليهم جميعا على أساس أنهم يتوارثون الخصائص النفسية والعقلية في جنسهم كله، وأنهم أهل لكل ما كفل الله للإنسانية من كرامة وناط بها من واجب، موضحا أنهم متساوون في أصلهم، رغم اختلاف لغاتهم وألوانهم. وبخصوص الحق الرابع، المتمثل في التعلم ورفع المستوى الثقافي، فإن الإسلام يرى أن قيمة الوجود المعنوي للإنسان كقيمة وجوده الحسي، وأن الجانب المعنوي من وجوده هو ثمرة للتعلم والتأمل في الكون وتفتق مداركه العقلية، ويكفي الإسلام شرفا ورفعة أن أول كلمة نزلت من كتابه الخالد هي "إقرأ"، التي جاءت بصيغة الأمر، وكأن العلم في هذا الدين ليس فحسب من حقوق الإنسان بل هو من الواجبات، إذ لا يمكن أبدا للحياة أن تستقيم بغير العلم وأهل العلم. وشدد الخطيب على أن الحقوق التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تعد من جملة التعاليم المقررة في الدين الحنيف منذ أزيد من أربعة عشر قرنا، حيث أن الإسلام هو الذي وضع آليات وقواعد حفظ هذه الحقوق بخلاف الكثير من المناهج والفلسفات الوضعية، التي لم تتجاوز في معظم الحالات مستويات الحديث النظري المجرد. وخلص إلى أن حديث الحضارة الغربية عن مبادئ حقوق الإنسان، هو أثر من آثار الفكر الإسلامي في هذه الحضارة، مؤكدا أهمية أن يجعل علماء الإسلام الحديث عن حقوق الإنسان فرصة لإبراز محاسن هذا الدين والتعريف بحقائقه وإنصافه من أخطاء أتباعه وحقد أعدائه. وتضرع الخطيب، في الختام، إلى العلي جلت قدرته بأن ينصر أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي يواصل ليله بنهاره ليوفر لأفراد شعبه كل شروط الحياة الكريمة، من أمن وسكن وتعليم وعمل، نصرا عزيزا يعز به الدين، ويعلي به راية الإسلام والمسلمين، وأن يقر عينه بولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، وأن يشد أزر جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وبسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة. كما توجه الخطيب إلى الباري تعالى بأن يتغمد برحمته الواسعة الملكين الجليلين، المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني، وأن يطيب ثراهما ويكرم مثواهما.