أدى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مرفوقا بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، أمس، صلاة الجمعة بمسجد بدر بمدينة الدارالبيضاء. وأكد الخطيب في مستهل خطبة الجمعة، أن من المسائل الأساسية في الدين أن يعرف كل مؤمن كيف يتقرب إلى خالقه سبحانه وتعالى، بحيث أن كثيرا من الناس يظنون أن عبادة الله إنما تقتصر على الصلاة والدعاء والذكر، ويغيب عنهم أن الشرع كما نزل به القرآن، وكما بينته السنة النبوية جعل ما يقوم به المؤمن من أجل الغير في مركز العبادة ووسيلة كبرى للتقرب إلى الله بأقصر الطرق وأوسع الأبواب. وأوضح أن الله تعالى، ومن رحمته بعباده، وسع لهم أبواب التقرب والعبادة من تلاوة وذكر وصيام وصدقة، فيشعر المسلم أن أبواب الخير واسعة ومجالات الإحسان ليست قاصرة على نوع من أنواع الطاعات، فاتساع مفهوم العبادة يهدف إلى توجيه الناس إلى أعمال الخير والبر كي يسعد الناس بمساعدة بعضهم بعضا، فلو كانت العبادة هي الطريق الوحيد لتحصيل الأجر لقعد الناس عن العمل، وعن فعل الخير. وأضاف أن كل عمل اجتماعي نافع يعده الإسلام من أفضل العبادات ما دام قصد فاعله الخير، وأن حياة الإنسان كلها عبادة، فالعمل عبادة إذا خرج الإنسان يعمل لينفق على أهله ويكفيهم المؤونة، وبر الوالدين وحسن صحبتهما عبادة، وصلة الأرحام عبادة، وإماطة الأذى عن الطريق عبادة، وطلاقة الوجه عند اللقاء عبادة. وقال الخطيب إن شمول معنى العبادة في الإسلام يصبغ حياة المسلم وأعماله فيها بالصبغة الربانية ويجعله مشدودا إلى الله في كل ما يؤديه للحياة، فهو يقوم به بنية العابد الخاشع وروح القانت المخبت، وهذا يدفعه إلى الاستكثار من كل عمل نافع، وكل إنتاج صالح وكل ما ييسره له ولأبناء نوعه الانتفاع بالحياة على أمثل وجوهها، ويزيد بذلك رصيده من الحسنات والقربات عند الله عز وجل، كما يدعوه هذا المعنى إلى إحسان عمله الدنيوي وإتقانه ما دام يقدمه هدية إلى ربه سبحانه وتعالى ابتغاء رضوانه وحسن متوبته. وذكر الخطيب بأنه إذا كانت العبادة نظاما شاملا للحياة، فإن أخذ جانب منها مع إهمال غيرها أمر مجانب للصواب ومخالف لهدي الرسول الكريم، مشددا على أن العبادة في الإسلام تمثل قاعدته وأساسه وإذا لم يكن لها أثر في حياة الإنسان تصبح مجرد أفعال وحركات بلا مضمون، لذلك ينبغي أن يكون للعبادة أثر في نفوس الناس وسلوكهم بحيث على المسلم أن ينظر إلى نفسه على أنه خليفة الله في الأرض، مهمته أن ينفذ أمره ويقيم حدوده ويعلي كلمته ويقوم بواجب العبودية له تعالى لتصطبغ أعماله كلها بصبغة ربانية، وليكون ما يصدر عنه من أقوال وأفعال عبادة لله رب العالمين، مصداقا لقوله تعالى "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون". وأضاف أن الإسلام ليس أفعالا تعد على الأصابع دون زيادة أو نقص، بل إنه صلاحية الإنسان وقدرته على السير في الحياة، وهو يؤدي رسالة ربه، بحيث لا يتعين حصر معنى العبادة في تلك الشعائر التي لا تستغرق إلا دقائق معدودات من يوم الإنسان، بينما جل وقته يقضيه في معترك الحياة. وحث الخطيب المسلمين أن يكونوا عبادا لله حقا وصدقا ويستعينوا بالله على أداء العبادات حتى يفوزوا برضى ربهم في الدنيا والآخرة، "ولتكن لنا جميعا في أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس أعز الله أمره، إسوة حسنة بما ينهض به من أعمال الخير والبناء والنماء، وكلها من صميم العبادات، وبما يبذله جلالته ليل نهار من جهود ويحققه من روائع المنجزات، وكلها عند الله من أخلص القربات النابعة من قلب سليم". وابتهل الخطيب في الختام إلى الله تعالى بأن ينصر أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصرا عزيزا يعز به الدين، ويعلي به راية الإسلام والمسلمين، ويسدد خطاه ويحقق مسعاه، ويحفظه في ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، ويشد عضد جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة. كما تضرع إلى العلي القدير بأن يتغمد برحمته الواسعة الملكين المجاهدين جلالة المغفور لهما محمد الخامس، والحسن الثاني ويطيب ثراهما ويكرم مثواهما.