بدأ عبد الله ناصر، الأستاذ الذي يقول إنه ظل محتجزا خمس سنوات في ضيعة رئيس جماعة قرب تارودانت، حديثه مع "المغربية" قائلا "لم أشعر براحة النوم منذ اختطافي واحتجازي، وفي كل لحظة كنت أقول مع نفسي إن أحد الحراس سينهال علي بعصا، أو يضربني بحجر قد يودي بحياتي. وخلال هذه الخمس سنوات، تعرضت لمختلف أنواع التعذيب وشتى صنوف التنكيل، كان كل المكلفين باحتجازي وتعذيبي، ويتراوح عددهم بين 10 إلى 15 فردا، يبتكرون وسائل مختلفة لإرهابي". كيف وقع الاختطاف يقول عبد الله "كنت أوجد بالقرب من كشك الهاتف العمومي "لكريش" بأولاد تايمة، بعد أن عدت للتو من زيارة الطبيب ذات يوم من سنة 2007، لأنني كنت أعاني مضاعفات حالة متقدمة لمرض البواسير. وكنت أتحدت مع شقيقي وزميل له، بعد برهة من الزمن، جاءت سيارتان، واحدة من نوع " كات كات"، يركبها "الحسين بورحيم (رئيس الجماعة القروية تينزرت، عن حزب التجمع الوطني للأحرار)، وبجانبه شخص آخر، يدعى "الطيش"، وسيارة أخرى من نوع "بيكوب"، بيضاء اللون فيها ثلاثة أشخاص. نزل شخصان من سيارة "البيكوب"، يرتديان لباسا مدنيا أنيقا ومحترما. اقترب مني هؤلاء، واستفسروني هل أنا هو عبد الله ناصر، فقلت لهم نعم، فقالوا لي بأدب واحترام وبلباقة: نريدك، ياأستاذ أن تتفضل معنا إلى تارودانت، للبحث معك في أمر شكاية ضدك لدى الشرطة. كنت اعتقد أن الأمر حقيقي بحكم كثرة القضايا، التي كنت أتكلف بها، وظننت منذ البداية أن الأمر يتعلق بشكاية فعلا. قبل أن أصعد إلى السيارة، دخل عنصران إلى المقعد الخلفي، فأصبح عدد الأفراد داخل السيارة 5، وعندما وصلت السيارة، التي كنا فيها، إلى جوار "مدرسة الليمون"، توقفت، ونزل الشخص الذي كان يجلس على يميني، وعوضه شخص آخر، ثم نزل الشخص، الذي كان أمامي بجوار السائق، وعوضه شخص آخر. وهؤلاء المختطفون مازلت أتذكر ملامحهم وصفاتهم. بعد وصولنا إلى تارودانت، بدأت المعاملة معي تتغير، وبدأ هؤلاء المختطفون يتعاملون معي بقسوة وتعنيف، ووضعوني تحت أقدامهم، ثم انطلقت بنا السيارة نحو بلدية إغرم، التابعة لإقليم تارودانت. وعلى طول الطريق، كان الجميع يتعامل معي بعنف، إلى درجة أنني طلبت منهم الماء الشروب، فأفرغ أحدهم قنينة ماء فوق رأسي، ولم يعطني إياه لأشربه. وعند وصول السيارتين إلى إغرم، نزل أحد الأشخاص، الذي كان بجانبي، وذهب إلى منزل شخص، وتحدث معه بخصوص وضعي بمنزله، لكن ذلك الشخص رفض ذلك، كما عرفت، لأن الشخص، الذي نزل من السيارة، قال، لما عاد، لأصحابه، إن ذلك الشيخ تراجع عن كلامه، ورفض استقبالي. بعد ذلك، انطلقت السيارتان بسرعة جنونية نحو مدينة أكادير، التي وصلناها بعد الظهر. لما وصلنا، وضعوا عصابة علي عيني، وأنزلوني من السيارة إلى داخل أحد المنازل. في البداية، لم أكن أعرف أين أنا، ولم أعرف إلا في اليوم الموالي، حين جاؤوا ببعض المواد الغذائية للفطور، فوجدت قطعا من الخبز داخل أكياس بلاستكية عليها علامة "ماكرو"، إذاك، عرفت أن المنزل يوجد قرب هذا المركز التجاري، ثم أخذوني إلى منزل آخر، لكنه يقع في وسط أكادير، لأن المدة الزمنية الفاصلة بين المنزل الأول والثاني لم تكن تتجاوز عشرين دقيقة، كما أن المنزل كان بالقرب من الشارع، إذ كنت أسمع أصوات السيارات والأشخاص، وقضيت هناك ما يزيد عن خمسة أشهر، كانت كلها عذاب وعنف وتنكيل. بعد انقضاء هذه المدة، جاؤوا بي إلى ضيعة خالية، يوجد بها بئر، وكانوا ينزلونني إلى أسفل البئر، حيث توجد مغارة، ويقيدونني من رجلي ويدي، ويتركونني هناك لمدة من الزمن. لحظة العودة إلى الحياة يقول عبد الله ناصر إن الذين عثروا عليه في ذلك المكان المظلم ما هم إلا "ملائكة"، ولا يتوانى في الثناء عليهم كل لحظة. وبالعودة إلى فصول لحظة العثور عليه، يقول عبد الله إن "وكيل جلالة الملك ورجال الدرك توصلوا بخبر وجودي في الضيعة الفلاحية، التي يملكها رئيس جماعة تينزرت، الحسين بورحيم، عن طريق شكاية، أودعها أشقائي لدى عناصر الدرك الملكي، بناء على معلومة توصلوا بها من فاعل خير، قبل اثنى عشر يوما تقريبا. وأضاف قائلا إن أشقاءه "كانوا توصلوا، قبل ذلك، برسالة مجهولة، جرى رميها أسفل باب منزل عائلته، لكنهم لم يعيروها أي اهتمام، واعتبروها دعاية مغرضة، مثل العشرات من الأخبار، التي سبق أن توصلوا بها من قبل بخصوص مكان وجودي، لأنهم كانوا توصلوا بخبر زائف، مفاده أنني أوجد بفرنسا، وآخرون قالوا لهم إنني في الدارالبيضاء، كما قيل لهم إنني تزوجت امرأة أخرى، ولدي ولدان. والبعض الآخر قال لهم إنني في السنغال، لهذا، فإن الأسرة لم تعر الرسالة أي اهتمام، لأنها أرهقت ماديا ومعنويا جراء طول البحث، فهم، كلما قيل لهم إنني في مدينة ما، سافروا للبحث عني، لكن دون جدوى. واصل عبد الله، الذي كان يجلس إلى جانب والدته ومجموعة من الأدوية، حديثه قائلا "بعد عشرة أيام من وصول الرسالة المجهولة، توصل شقيقي برسالة قصيرة عبر هاتفه المحمول، تقول إنني أوجد في ضيعة بورحيم. وفي البداية، لم يعرف أشقائي في أية ضيعة أكون، بحكم أن بورحيم يملك ثلاث ضيعات، لكنهم لاحظوا أن إحدى هذه الضيعات لا يدخل إليها العمال، وإنما فيها حارس الضيعة وزوجته فقط، وشكوا في أن أكون هناك حتى لا يراني أحد". الضيعة الفلاحية يقول عبد الله إن الضيعة، التي عثر عليه فيها، سبق أن زارها لأزيد من 11 مرة، وهي ضيعة طويلة وكبيرة جدا ومليئة بالأشجار العالية، وعند تجاوز العشرة أمتار الأولى يشعر المرء بالرهبة والخوف، رغم أن واجهتها الرئيسية على الطريق، التي يمر منها الناس. في آخر الضيعة، يوجد منزل من طابق واحد (سفلي) له باب حديدي، لكن ما إن تدخل هذا الباب، حتى تجد مجموعة من الأبواب الحديدية الأخرى. الباب الأول على اليمين، هو باب لخندق (ما يثير استغراب عبد الله، إذ كيف لمنزل من طابق واحد فقط أن يكون فيه هذا الخندق؟)، بعد النزول عبر الدرج (ما يقرب من 30 درجة)، يوجد بيت على اليمين، مبني بالإسمنت العادي وفيه مجموعة من الأعمدة الإسمنتية. "عند دخول أفراد الدرك الملكي للمنزل للبحث عني، لم يروني بحكم قوة الظلام الدامس، رغم أن الساعة كانت تشير إلى الثانية بعد الظهر، وكانوا ينادونني باسمي، لكنني لا أجيب، اعتقادا مني أن من ينادي ليس سوى أفراد العصابة، جاؤوا مرة أخرى لتعذيبي، إلى أن يئس رجال الدرك، وكانوا سيعودون إلى حال سبيلهم، اعتقادا منهم أن المكان لا يوجد فيه أي شخص. بعد لحظات، دفع أحد رجال الدرك الباب العلوي للغرفة، التي أوجد فيها، بقوة، فإذا به يجد درجا يؤدي إلى الأسفل. عندما سمعت هذه الأصوات، وضعت دلوا على رأسي، لأن محتجزي كانوا يقولون لي: إذا سمعت أي صوت يجب أن تضع على رأسك سطلا بلاستيكيا فارغا، أو كيس شمندر فارغ، أو أي شيء كي لا تظهر لأحد. ويجب علي أن أضع رجلي بجانب الحائط. ومن شدة الخوف، وضعت الدلو الفارغ فوق رأسي وكتمت أنفاسي، لكنني، في لحظة معينة، بدت أنزع السطل من رأسي كي أتحسس من ينادي، فإذا بي أرى سلاح الدركي. ففرحت وصحت "أنا هنا"، لكن قوة الظلام الدامس حالت دون أن يتمكن الدركي من أن يراني بسهولة. فصول التعذيب آثار التعذيب ما زالت بادية على أجزاء مختلفة من جسد عبد الله، خصوصا الأرجل، ويقول إنه، في بداية الاحتجاز، كان مختطفوه يأتون إلى مكان احتجازه ويصيحون منادين باسمه، وكأنهم جاؤوا لإنقاذه، لكن ما إن يستجيب لمناداتهم، حتى ينهالوا عليه بالضرب والسب والشتم. وأضاف "بعد أن قضيت مدة طويلة في الاحتجاز مقيدا بالسلاسل، فكرت يوما في ضرورة إيجاد مخرج للهرب من هذا الجحيم، فقمت بحك إحدى حلقات السلسلة، التي كنت مقيدا بها مع العمود الإسمنتي، ومع الأرض، أملا في أن تتآكل مع قوة الحك وتفتح، لكن لسوء حظي أنهم اكتشفوا هذا الأمر، فضربوني، وجاؤوا بمنشار لترهيبي وحاولوا قطع رجلي". خلال كل هذه المدة، تعرض عبد الله لضربات قوية على رجله بعصا غليظة توضع أسفل نبتة الطماطم لتساعدها على النمو. كان عبد الله يعتقد أنه سيفقد رجله اليسرى، وتسقط يوما بفعل كثرة الجروح على كل أجزائها إلى درجة أن القيح لم يكن يفارقها. يقول عبد الله بحسرة وألم "لم أشعر براحة النوم منذ اختطافي واحتجازي، إلى أن أودعت بالمستشفى، فقد كنت عندما أغمض عيني أقول مع نفسي إن أحدهم سينهال علي بعصا ويضربني بحجر قد يودي بحياتي. وطيلة هذه الخمس سنوات، لم أشعر بطعم النوم". ويواصل "لم أكن أتصور أنني سأخرج يوما ما، وأعود إلى أسرتي وأبنائي، واعتقدت أنني في طريقي نحو الموت". للحكاية بقية ما زال الكثير من فصول هذه القضية الغريبة غامضا، وما زالت معالمها الكبرى لم تتضح بعد، فالتحقيق يسير لمعرفة كل فصول هذه الحكاية. كما أن الندوة الصحفية، التي من المزمع أن يعقدها الضحية، عبد الله ناصر، خلال الأيام المقبلة، قد تكشف بعض خبايا هذا الملف. ويقول عبد الله ناصر، أستاذ مادة التربية الإسلامية المحتجز، إنه لديه ثقة كبيرة في القضاء، وأنه مرتاح الآن، لأنه لامس جدية رجال الدرك والشرطة والقضاة، من أجل فك طلاسم هذه القضية، وتقديم المتورطين فيها إلى العدالة.