يعتبر كتاب "لمحة تاريخية عن الحركة الدستورية بالمملكة المغربية في العهدين العزيزي والحفيظي ومن خلال الخطب الملكية لأصحاب الجلالة الملوك محمد الخامس، والحسن الثاني، ومحمد السادس" لصاحبه عبد الحق المريني، مؤرخ المملكة ومحافظ ضريح محمد الخامس، وثيقة تاريخية تؤكد إصرار السلاطين العلويين، منذ أزيد من قرن وذلك على اعتماد مبدأ الشورى وعنايتهم الموصولة لإصلاح شؤون الرعية بالبلاد. وينقل المريني في كتابه، الذي قدمه إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أول أمس الأحد، بمراكش، خلال مأدبة الإفطار، التي أقيمت بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين لميلاد جلالته، إلى بداية القرن العشرين وبالضبط إلى عهد السلطان مولاي عبد العزيز (1894-1908)، الذي رد على مخطط استعماري فرنسي من خلال مهمة السفير روني تايانديي يوم 26 يناير 1905، بدعوته للهيئة الوزارية والنخبة العالمة وأعيان ووجهاء القبائل إلى الاجتماع قصد بلورة موقف وطني موحد يعكس إرادة الأمة المغربية جمعاء، حيث جرى تكوين "مجلس الأعيان" الذي اعتبره المؤلف "أول بادرة وخطوة في المجال الدستوري بالبلاد". وقسم المؤلف إصداره، الذي يستعرض مرحلة زمنية طويلة تمتد من 1906 إلى 2011، إلى فصلين يستعرض الأول لمحة عن تاريخ الحركة الدستورية بالمملكة المغربية خلال المرحلة المذكورة، فيما يسرد الفصل الثاني الخطب الملكية لأصحاب الجلالة الملوك محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس لتقديم مشاريع الدساتير للأمة المغربية. ويستهل المؤلف الفصل الأول بالإشارة إلى أن الدولة المغربية تنفرد ، عبر عصورها الماضية من عهد الأدارسة والموحدين والمرينيين والسعديين إلى عهد الدولة العلوية الشريفة ، بنظام ملكي وراثي وثابت، قائم على البيعة والشورى ووحدة العقيدة المتفرعة جميعها عن الأصول والأسس الشرعية الإسلامية، وعن تقاليد وقواعد مرعية وعريقة في القدم، تدعو السلطان المغربي بين الفينة والأخرى لاستشارة العلماء والفقهاء وباقي فئات النخبة في المجتمع حول قضايا معينة أو أحداث ونوازل طارئة. وتوقف المؤلف في كتابه الواقع في 145 صفحة من القطع المتوسط، عند عهد المولى عبد الحفيظ (1908-1912)، الذي بمجرد توليه عرش البلاد تلقى اقتراحا من عدد المثقفين بإجراء إصلاحات خاصة في الميادين المالية والاقتصادية والاجتماعية، تطورت بعدها إلى المطالبة مباشرة بوضع دستور للبلاد قائم الذات. وجرى تحرير بنود هذا الدستور بتاريخ 11 أكتوبر 1908، إذ كان من مواده الأولى "يطلق على المغرب اسم الدولة المغربية الشريفة، وسلطانها يعتبر إماما للمسلمين وحاميا لحوزة الدين، وهي مستقلة استقلالا كليا، وعاصمتها مدينة فاس، ودينها الرسمي هو الدين الإسلامي، ومذهبها هو المذهب المالكي، كما تتعهد باحترام شعائر الأديان السماوية". إلا أن هذا المشروع الإصلاحي الدستوري لم تكتب الاستجابة له في العهد الحفيظي لأن السلطان المولى عبد الحفيظ كان منهمكا في مقاومة الدسائس الأجنبية والفتن الداخلية التي أدت إلى آفة الحماية، والتي فرضت على المغرب سنة 1912. ومع ذلك - يلاحظ المريني- فإن بيعة السلطان المولى عبد الحفيظ بفاس سنة 1908 تعد بمثابة "ميثاق دستوري" إذ كان من بين بنود هذه البيعة إحداث مجلس للشورى واسترجاع المناطق المغتصبة من البلاد وإلغاء الديون التي على المغرب، مضيفا أن هذه المشاريع الإصلاحية الدستورية "تحمل في طياتها الأسس التي ستبنى عليها مستقبلا الملكية الدستورية الديمقراطية المغربية روحا ونصا". وخلال مرحلة الاستقلال، توقف المؤلف بالخصوص عند تاريخ 3 نونبر 1960، الذي صدر فيه ظهير تعيين مجلس الدستور لإعداد الدستور المغربي، الذي سيطرح على الاستفتاء التأسيسي بعد موافقة جلالة الملك عليه، قبل أن يصل إلى عهد جلالة المغفور له الحسن الثاني الذي صدرت في عهده خمسة دساتير متتالية من سنة 1962 إلى سنة 1996، ومنه إلى عهد جلالة الملك محمد السادس، الذي صوت خلاله الشعب المغربي ب"نعم" على الدستور الجديد يوم فاتح يوليوز 2011. وختم عبد الحق المريني كتابه الصادر عن المطبعة الملكية بالرباط، بخطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش المجيد يوم 30 يوليوز 2011، وبتصدير للدستور الجديد للمملكة.