فجأة يتذكر الرجال مكانا في البيت، لا يقصدونه إلا لإشباع البطن. إنه المطبخ يدخلونه على استحياء، لتقاسم متعة الطبخ مع زوجاتهم. العاملة والموظفة والسكرتيرة وما شابههن، يعشن، خلال هذا الشهر الكريم، ضغطا وعبئا مضاعفا، نظرا لضيق الوقت وتقسيمه بين العمل وتهيئ الفطور والذهاب إلى المسجد لأداء صلاة التراويح والسهر لإعداد السحور مع مراعاة شؤون البيت والأطفال. المرأة العاملة تكد وتجتهد في ترتيب وقتها حتى تستطيع أداء واجبها العملي أو المنزلي على أحسن ما يرام وحتى تكون مائدة الفطور متنوعة بأشهى ما لذ وطاب من المأكولات. وبحكم اختلاف نمط الحياة وكثرة المسؤوليات التي تعيشها الأسرة، أصبحت التحديات كثيرة وأشغال البيت كبيرة، خصوصا في هذا الشهر الفضيل، حيث تكون الوجبات محددة بوقت معين، كوجبة الفطور التي تتطلب الكثير من الشهيوات، والكثير من"الحداكة"، التي تفرضها الولائم، التي تكثر في هذه المناسبة الدينية، حيث التزاور بين العائلات يحقق الرقم القياسي. شغل المطبخ يتضاعف ويزداد حملا على حمل، ناهيك عن الأعمال المنزلية الأخرى. غالبا ما نجد أسرا لا تجتمع حول مائدة الأكل إلا في شهر رمضان، لأنه مناسبة كبيرة وعظيمة لجمع الأحباب، ولم شمل العائلة لخلق جو من التلاحم والوئام، فرمضان هو شهر الجوائز ومضاعفة الأجور عن الأعمال الصالحة. غير أننا في الآونة الأخيرة، شاهدنا ظاهرة صحية وتضامنية، وهي في الوقت نفسه بادرة طيبة نلمسها من بعض الأزواج، وهي دخول شريحة من بعض الرجال، الذين لا يلتفتون إلى المطبخ، إلا في هذه المناسبة العظيمة، لمساعدة زوجاتهم في إعداد الوجبات، أو ربما هذا راجع إلى شعور الزوج بالعبء، الذي تتحمله الزوجة في المطبخ لإعداد الطعام، أو بحكم الظروف التي فرضت عليهم المساعدة، والتفهم أن الزوجة صائمة مثلهم ولا يجب الضغط على أعصابها وتحميلها أكثر من طاقتها. نرى هؤلاء الأزواج يشمرون على سواعدهم، ويتحولون بقدرة قادر إلى طباخين مهرة، يضاهون شميشة في اختراع وجبات مختلفة الأنواع والأشكال، إلى جانب مساعدة الزوجة في أبسط الأشغال، مثل غسل أواني المطبخ وترتيبها، وتحسيسها بمشاعر الألفة والسعادة، فالتعاون بين أفراد الأسرة واجب تفرضه الحقوق الدينية والمدنية. في المطبخ يتجدد الحب وتكبر العاطفة بين الزوجين ويلمس الزوج الرضى في أعين زوجته، ويعرف أنه مرحب به في المطبخ وبمحض إرادتها، لأن المطبخ مملكة المرأة، وكل امرأة لها طقوسها الخاصة لا تحب أن يفسدها أحد حتى وإن كان زوجها. صنف آخر من الرجال يرفضون لمس الأواني وغسلها، لكنهم عند الوجبات الغذائية يتفننون في المضغ والبلع.