انطلقت، أمس الأربعاء، بالرباط، أشغال المؤتمر الدولي الأول لجمعيات المجتمع المدني، المنظم من طرف جمعيات المجتمع المدني بالرباط وسلا، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، حول "قيم المواطنة وتحالف الحضارات". جانب من أشغال المؤتمر (كرتوش) ويهدف هذا المؤتمر، حسب المنظمين، إلى تعزيز قيم المواطنة والحوار الحضاري في برامج المجتمع المدني، ودعم جهود الدول والمنظمات والهيئات العربية والإسلامية والدولية في تعزيز قيم المواطنة العاقلة وثقافة تحالف الحضارات الراشدة، ودحض دواعي التفرقة الوطنية والانفصال وحتمية الصراع الحضاري. كما يهدف المؤتمر، المنظم على مدى ثلاثة أيام، إلى تعزيز الهوية والتعايش الإيجابي لدى الجاليات المغربية في الخارج، وإبراز المرجعيات الدينية والقانونية والاجتماعية المؤكدة لقيم المواطنة السليمة وقيم المثاقفة الحضارية القويمة. ويشارك في هذا المؤتمر خبراء وممثلو المنظمات والدول وجمعيات المجتمع المدني من الدول العربية والأجنبية. وأبرز إدريس العمراني، رئيس المؤتمر، في كلمة بالمناسبة، أن الدعوة إلى تحالف الحضارات وتحاورها باعتبارها أسلوبا حضاريا للتقريب بين وجهات النظر، كفيل للتخفيف من غلواء التعصب الأعمى الذي يرفض الآخر المختلف، والذي لا يمكن إلا أن يؤدي إلى عنف الهوية التي تؤدي بدورها إلى هوية العنف. وأشار إدريس العمراني إلى أن الخطاب الملكي في تطوان في 20 غشت، جاء بدعوة صريحة إلى المواطنة المرسخة للوحدة الوطنية والمنفتحة على تفاعل الثقافات والحضارات، وأن جلالته دعا كل المؤسسات والهيئات والجمعيات المؤطرة للمواطن والمجتمع إلى العمل على ترسيخ منظومة القيم الأخلاقية. ودعا العمراني جمعيات المجتمع المدني، في هذا المؤتمر، إلى تبني فكرة إحداث فيدرالية توحد الجهود في إطارها وتبادل الخبرات والتجارب في ما بينها لتعزيز قيم المواطنة العالقة وتحالف الحضارات الرشيدة. من جهتها، أوضحت لطيفة أخرباش، كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون، أن تحالف الحضارات أداة لتدبير الاختلاف عبر إرساء حكامة ثقافية عالمية جديدة، وأنها فعل وليس قول، واستثمار عبر خطط وطنية دقيقة تشاركية في ثقافة السلم والوئام والتعايش. وأبرزت أخرباش أنه لتحالف الحضارات، كأداة أممية، الفضل في تعبئة جهود المجتمع الدولي من أجل التصدي لتزايد القطب الثقافي، والتطاحن العرقي، والصدام العقائدي في جهات عديدة من المعمور، وأيضا داخل وخارج المجتمعات نفسها. وذكرت كاتبة الدولة أن المغرب انخرط بكل إقدام وإرادة في مجهودات المجتمع الدولي لترسيخ قيم الحوار والتفاعل الثقافي، مشيرة إلى أن بلادنا كانت مثلا ضمن الكوكبة الأولى من الدول التي وضعت خطة وطنية لتحالف الحضارات وفق منهجية تشاركية، منفتحة على المؤسسات والجمعيات والأوساط الفكرية. وأضافت لطيفة أخرباش أن التزام المغرب الراسخ بحوار الثقافات والأديان، وبمنطق الانفتاح والتفاعل مع الحضارات الأخرى، يُستشف من كل اختياراته، سواء المتعلقة بسياسته الداخلية أو بالتزاماته الدولية. وأكدت أخرباش أنه، في خضم مسلسل الإصلاحات الدستورية والسياسية المقبلة ببلادنا، من المهم الاستمرار في تعميق وتطوير وترسيخ النموذج المجتمعي المغربي، الذي اعتبرته نموذجا قوامه الوحدة الوطنية المبنية على قيم المواطنة، وهي الوحدة التي ترعى الاختلاف. وأشارت الوزيرة إلى أن معاناة المهاجرين من الميز، وعدم تكافؤ الفرص، وعسر الاندماج في مجتمعات الرخاء الاقتصادي والتطور الديمقراطي، خير مثال على أن حوار الحضارات والإيمان بالغيرية، والالتزام بقيم المواطنة، يضل رهانا ملحا في كل المجتمعات. وأكدت أنه بالتربية والإعلام وترسيخ الديمقراطية، نؤهل مجتمعاتنا للحوار، ونقيها شر النعرات والقبلية والإثنية والطائفية والإقصاء والتكفير والتخوين. في السياق ذاته، قال عبد الله بن علي النمري، في كلمة لرابطة العالم الإسلامي، إن هذا المؤتمر يثبت من جديد تطلع الأمة المسلمة إلى إرساء قيم التعايش والسلم الاجتماعي في مجتمعاتنا. وأضاف عبد الله بن علي النمري "إنه جهد يضاف إلى الجهود التي تبذلها الأمة المسلمة التي ترنو لاستعادة مكانتها بين الأمم"، مشيرا إلى أن الإسلام أنشأ مجتمع المواطنة العادلة في اليوم الأول لإقامته الدولة الإسلامية. وجرى خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر تكريم عدد من الشخصيات الفاعلة في الحقل الوطني والحضاري، من بينها المفكر والمناضل أبو بكر القادري، كما جرى، بالمناسبة، تدشين معرض المؤتمر.