بكثير من الخجل والتأثر، أصاخ الشاعر والروائي المغربي محمد الأشعري، السمع لكلمات الثناء وشهادات التنويه، التي قيلت في حقه وفي حق عمله الروائي "القوس والفراشة"، الذي مكنه من الحصول على جائزة البوكر العالمية للرواية العربية لسنة 2010. الأشعري يتسلم هدية الاتحاد من عبد الواحد الراضي (عبد الغني) مناصفة مع الكاتبة السعودية رجاء عالم، وحقق بالتالي للمغرب فوزا أول بهذه الجائزة، التي ترشح لها دور النشر الأعمال، التي تراها أهلا بالمسابقة، كما حقق للإبداع المغربي، وخاصة الإنتاج الروائي، اعترافا كبيرا على مستوى العالم العربي، خاصة المشرق، الذي كان على الدوام ينظر للإبداع الروائي المغربي كإنتاج مبتدئ لا يستحق الاهتمام. وبكثير من التأثر والامتنان، أيضا، تلقى محمد الأشعري، هديتين رمزيتين من اتحاد كتاب المغرب، في اللقاء الاحتفائي، الذي نظمه له، مساء يوم الجمعة 8 أبريل بالمكتبة الوطنية بالرباط، الأولى عبارة عن لوحة حفر فيها اسمه كفائز بجائزة البوكر العربية، سلمها له عبد الواحد الراضي، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، والثانية لوحة تؤرخ للتكريم، الذي حظي به من اتحاد كتاب المغرب، المؤسسة التي تحمل مسؤوليتها لثلاث دورات، سلمها له فتح الله ولعلو، عمدة مدينة الرباط. كما تسلم مجموعة من اللوحات التشكيلية من أصدقائه الفنانين: خليل غريب، وخالد الأشعري، وعيسى يكن، وأحمد جاريد، الذي قدم له اللوحة، التي تزين غلاف ديوانه الشعري الجديد "كتاب الشظايا"، الصادرحديثا، عن "دار النهضة" ببيروت. وأمام هذا الحب الغامر، والاعتراف الجميل، لم يجد الكاتب محمد الأشعري، الذي سبق أن تحمل مسؤولية وزارة الثقافة لما يربو عن عشر سنوات، ما يقوله، وشكر الكل على إغراقه بتلك الكلمات الجميلة، التي قال إنه "تعرض لقصفها لأول مرة في حياته". وذكر أن الاستمرار في الكتابة يقتضي نسيان كل ما حولها، وكل ما يمكن أن يساهم في إبراز الشخص، وليس النص، لأن من مستلزمات حياة النص أن يظهر على أنقاض الكاتب، مشيرا إلى أنه مثل الكتاب، الذين يرغبون في ترك الكتاب دون اسم صاحبه، مثل "ألف ليلة وليلة"، الذي حقق أكبر وجود في تاريخ الكتابة الإنسانية. وعن روايته "القوس والفراشة"، المتوجة بجائزة البوكر، ذكر الأشعري أنه كتبها وهو مشدود إلى تجربة جيله، بعد ثورة 1968، وعلى وقع أحداث 1970، ودعا إلى قراءتها برسائلها الأدبية، وليس فقط السياسية، معتبرا أن "الجائزة يمكن أن تساهم في إثارة الانتباه إلى الرواية العربية، لأننا اليوم لا يمكن أن نشعر بنقطة ضوء إلا في النص المكتوب باللغة الفرنسية". وعن اختياره لعنوان الرواية، قال الأشعري إن "القوس يرمز إلى الجمال، الذي حلم به الطفل ياسين (أحد أبطال الرواية)، عندما فكر في زرع نبتة خضراء تشبه القوس في قلب مشروع أبي رقراق، الذي يفصل مدينتي الرباط وسلا شطرين، غير أنه ظل مجرد حلم، لكنه صلب كالفولاذ، الذي يتكون منه القوس، وتعبر الفراشة عن بناية ضخمة بمدينة مراكش، حجبت منظر الجبل الذي يستقبل الثلج شتاء، لكنها تعكس هشاشة الفراشة، لأنها بنيت بأموال الفساد والمضاربات العقارية". وعلى إيقاع نغمات العود، التي وقعها العازف المغربي الحاج يونس، والوصلات الغنائية، التي أدتها فرقة فنية شابة من مدينة بني ملال، توالت شهادات كل من الشعراء والكتاب: عبد الرحيم العلام، وحسن نجمي، والمهدي أخريف، ورشيد المومني، وحسن طارق، وعبد الكريم الجويطي، التي أجمعت على أهمية رواية "القوس والفراشة"، وعلى أحقية الشاعر بتلك الجائزة، التي رأوا فيها اعترافا بقوة الأسئلة الجمالية والفكرية، التي طرحتها رواية الأشعري، واعترافا بالإبداع المغربي، الذي بدأ يحرز الجوائز في المشرق والمغرب، وفي أوروبا. وقال عبد الرحيم العلام، رئيس اتحاد كتاب المغرب، إن الأشعري حصل على الجائزة في زمن قياسي، حيث أصدر عملين روائيين فقط، وحظيت روايته الأولى "جنوب الروح" بالاهتمام، وجاءت روايته الثانية "القوس والفراشة" لتحرز الإعجاب والسبق في طرق أساليب جديدة في السرد. لكن الشاعر المهدي أخريف رأى في معرض حديثه عن ردود الفعل، التي استكثرت على الأشعري أن يضيف إلى رصيده الشعري رصيدا روائيا، أن الأشعري ناثر قديم، زاوج بين كتابة القصة والقصيدة، وأنه أصدر لحد الآن ثلاث روايات لا روايتين، معتبرا "يوم صعب"، التي صنفها النقاد ضمن القصة الطويلة، رواية، فضلا عن "جنوب الروح"، و"القوس والفراشة". من جهته اعتبر الشاعر حسن نجمي، أن فوز الأشعري بجائزة البوكر العالمية للرواية العربية، التي أسستها الجائزة الأم البريطانية، التي تعد من ضمن أهم ست جوائز في العالم، ليس مصادفة، بل هو تعبير عن قيمة أساسية، جاهد الأشعري في بلورتها رؤية، ونصا، وبحثا، وشعرا، وسردا، ورأى في هذا التتويج التفاتة للإبداع الروائي المغربي، الذي تعددت أسماؤه وأجياله.