تتخبط المدينة القديمة بالدارالبيضاء في مستنقع التهميش، بعد تراكم سنوات من الإقصاء من مخططات التهيئة وهيكلة مرافقها إذ يتحدث الواقع المرير للمدينة اليوم عن خصاص حاد في مجال التجهيزات العمومية، وتدهور مرافقها وتآكل جدرانها، وانهيار بنايتها، وافتقارها لشبكات التطهير، واختناقها بالنفايات الصلبة والسائلة، إذ يبدو أن كل مساحيق التجميل، التي حاول المسؤولون عن الشأن المحلي، عبر مر السنوات، تجميل صور هذه المدينة بها، لم تنفع في استعادة مكانتها ضمن المدن العتيقة على المستويين الوطني والدولي. بلغة الأرقام، يوجد في المدينة القديمة بالدارالبيضاء 61 بناية مهددة بالسقوط، حسب قرارات الهدم التي تصدرها السلطات، وتقطن 62 في المائة من الأسر بمنازل ذات طابع مغربي، و22 في المائة من الأسر تسكن في منازل تقليدية، و78 في المائة تكتري المنازل في المدينة القديمة، في حين هناك 79 في المائة من المنازل يزيد عمرها عن 50 سنة. انخرط مجلس مدينة الدارالبيضاء، بعد الزيارة الملكية في السنة الماضية، في مخطط لإنقاذ المدينة القديمة من شبح الانهيار، الذي يهددها في أية لحظة، وأوضحت خديجة المنفلوطي، مستشارة في مجلس مدينة الدارالبيضاء، ورئيسة جمعية ملتقى المواطن، أن لجنة التعمير خصصت عدة اجتماعات للوضع في المدينة القديمة بمشارك شركة صونداك، لإيجاد مخرج لهذا المشكل، وقالت، في لقاء مع "المغربية"، "كنائبة لرئيس لجنة التعمير في المجلس، عقدنا تسعة اجتماعات، وخصصنها لمشكل المنازل الآيلة للسقوط في المدينة القديمة بحضور شركة صونداك ودافعنا على ملفنا المطلبي، حتى وصلنا لرصد مبلغ 18 مليار سنتيم من قبل مجلس مدينة الدارالبيضاء، لأن هذه المنطقة نعتبرها ذات أولوية"، وأضافت أن هناك متابعة للمشروع من خلال هيئة جرى إنشاؤها وأطلق عليها اسم "خلية التتبع"، لأن المشروع يهتم بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالحياة اليومية لسكان المدينة القديمة على جميع المستويات. وفي بادرة هي الأولى من نوعها، قدمت جمعية "الدارالبيضاء الكبرى كريان سنطرال" السنة الماضية مشروعا لإعادة تأهيل المدينة القديمة للعاصمة الاقتصادية، لإنقاذ المدينة العتيقة والقلب النابض للبيضاء من التهميش، بغلاف مالي يصل 101 مليون و400 ألف درهم، ضمن مخطط عمل يتوخى منه تهيئة البنيات التحتية، وتأهيل التجارة والمساجد والزوايا، والتحسيس والتواصل، واتخاذ تدابير أمنية صارمة، وحفظ الصحة والنظافة، وخصص البرنامج 27 مليونا و160 ألف درهم لإعادة تأهيل السوق البلدي باب مراكش، دون تحديد تاريخ بداية الأشغال، ومدة إنجاز المشروع. يكمن الهدف من مشروع إعادة هيكلة المدينة القديمة، واستعادة المدينة لروحها لتساهم، بشكل مناسب، في التنمية الاقتصادية المحلية والوطنية، من خلال تثمين صورة المدينة العتيقة وتوفير محيط ملائم لظهور أنشطة اقتصادية، من شأنها إغناء العرض السياحي وضمان سلامة وصيانة المباني والمآثر الآيلة للسقوط، وأضح كمال الديساوي، رئيس مقاطعة سيدي بليوط، ومستشار في مجلس مدينة الدارالبيضاء، أنه منذ أشهر والسلطات المحلية وممثلو الوزارات المختصة تعمل في إطار أربع ورشات موضوعاتية، لكي يرى مشروع إعادة تأهيل المدينة القديمة النور، وكان تضافر الجهود بين عمالة مقاطعات الدارالبيضاء آنفا، والسلطات المحلية ومنتخبي مقاطعة سيدي بليوط، والوزارات المختصة، لبلورة مشروع متكامل، الهدف منه المحافظة على الطابع المعماري العتيق للمدينة القديمة، يأخذ بعين الاعتبار غياب بنية تحتية واجتماعية، والمساهمة في خلق تنمية اقتصادية في المدينة تتيح فرصا للشغل، خاصة أن هناك عددا من المشاريع المبرمجة في ضواحي هذه المدينة، ومن المرتقب أن تفتح آفاقا للتشغيل والسياحة للمدينة، وقال "يمكن القول إن المشروع متكامل، يتوخى الحفاظ على التراث المعماري، وكذلك التنمية السوسيو اقتصادية للمدينة القديمة". وتضم المدينة القديمة ما يناهز ثلاثة آلاف و25 وحدة تجارية، ويصل عدد الصناع التقليديين إلى أكثر من ألف و300 صانع وتشغل كل وحدة صناعية ما بين 2 و5 أشخاص. وأعاد حادث سقوط عشرات المنازل السنة الماضية، بالمدينة القديمة، ملف المحج الملكي إلى الواجهة، إذ كان من المفروض أن تكون صفحة هذا الملف طويت منذ سنوات، إذ كان من المقرر إنشاء مشروع المحج الملكي، الرابط بين مسجد الحسن الثاني وساحة الأممالمتحدة، بعد الإعلان عن انطلاقه سنة 1995، وكان سكان المنطقة يتوقعون إتمام عمليات ترحيلهم في إطار تهييء المشروع، إذ رحلت 530 عائلة إلى حي التشارك، سنة 1995، ليصل عدد العائلات المرحلة سنة 2005، إلى 1300 عائلة، مع الإبقاء على 900 عائلة رفضت إخلاء دورها، بعدما تراجعت شركة "صونداك"، صاحبة المشروع، عن الالتزام بمعايير تراعي عدد أفراد السكان المرحلين للشقق المعروضة.