يجمع الكثير من رواد المعرض الدولي للكتاب في دورته الحالية على أن فعل القراءة لدى المواطن المغربي يبدو مستثيرا، بالنظر لتراجع نسبة المهووسين بالقراءة والاطلاع على أمهات الكتب وما استجد منها ويرجع هؤلاء السبب إلى ضعف الآليات البيداغوجية التي تشجع الوليد البشري، منذ سنواته الدراسية الأولى، على تنمية حسه القرائي وجعله واقعا يوميا في حياته العادية. وأبرز فاعلون تربويون، في حديثهم مع "المغربية"، ممن حضروا فعاليات المعرض الدولي السابع عشر للنشر والكتاب، أن دخول الوسائل الإعلامية السمعية البصرية والمعلوماتية على الخط "ساهم في تكريس محدودية المقروئية، حيث أصبح السواد الأعظم من المواطنين صغار السن مرتبطون أكثر بالحواسب والإنترنت، وهناك من يعتبر منهم قراءة الكتب وما يوازيها هي مضيعة للوقت وعملا ماضويا". وهذا الانحسار، تقول المصادر ذاتها، "يؤكد على أن المؤسسة التعليمية لم تقم بدورها اللازم في تجدير فعل القراءة تربويا في سلوك التلاميذ، باعتبار مرحلتهم العمرية هذه هي الركيزة الأساسية لتنمية المقروئية في وسط جمهور الشباب وجعلهم يتطبعون على حب القراءة كضرورة بيولوجية وفيزيولوجية تماما كالماء والأكل". فالاصطبار على القراءة والاطلاع على مختلف صنوف العلم والآداب في كل الأوقات، يقول محمد بنبراهيم، أستاذ باحث في علوم التربية، "يرتبط بمدى التعود على هذا الفعل واتخاذه لازمة ملازمة"، فحقيقة يؤكد محدثنا، في حديثه مع "المغربية"، أن نتائج تدني نسبة القراءة "انعكست سلبا على نسبة مبيعات الصحف الوطنية التي تعاني بالفعل من قلة القراء، وعدم وجود بوادر اتساع هذه النسب بفعل انحسار التعاطي للقراءة لدى شرائح عمرية تتجاوز الأربعين، في الوقت الذي لا يبالي من هم دون ذلك بعملية القراءة إلا في حالات ومناسبات استثنائية ونادرة". ومن هنا، يعتبر العديد من الفاعلين التربويين والاجتماعيين، ممن استقت "المغربية" آراءهم على هامش الدورة السابعة عشرة للمعرض الدولي للنشر والكتاب، الذي اختتم فعالياته أخير، أن مسألة تعويد التلاميذ على الاطلاع التدريجي للصحف والمجلات والكتب، "يعد نقطة ارتكاز لتنمية مدارك التلاميذ وتوسيع وعائهم المعرفي وتمتيعهم بملكة التحليل والمقاربة المبنية على قواعد علمية وآليات بيداغوجية ناجعة"، فالقراءة في مفهومها الفلسفي، تقول مصادرنا، هي عملية رياضية، "تساهم في حل عقدة اللسان وجعله فصيحا وجعل العقل منفتحا على كل الثقافات والخزائن العلمية والمعرفية". ويبدو في الوقت الحاضر، صعبا ركوب تحدي رد الاعتبار لعملية القراء لأسباب ذاتية حاولنا الإحاطة بها في ورقتنا هذه، الشيء الذي جعل التلميذ يعتبر الاطلاع على كتاب في وقت الفراغ ضربا من الخواء، وموضوعيا، ففاقد الشيء لا يعطيه، وبالتالي فما نحن عليه من تراجع في نسبة المقروئية هو مرتبط في وقتنا الحاضر أيضا، بظهور آليات معلوماتية مبهرة تأسر فكر وعقل التلميذ دون اكثرات بخطر ما يمكن أن يقع بسبب جهله لكيفية الإبحار وماهية المواقع التي يجب أن يعبرها والتي يجب أن يحذر من الوقوع ضحيتها. إن مواجهة معظلة القراءة تتطلب حاليا نفسا طويلا يبتدئ بتتلمذ التلميذ على الاطلاع المرتبط بالبحث والتنقيب في أمهات الكتب والصحف على آراء وتصريحات وقراءات في وجهات نظر مؤلفين وكتاب، كما يساهم في بلورة هذا التوجه، التعاطي الإيجابي للأستاذ مع مسألة القراءة والتركيز على إخضاع معارف التلميذ إلى اختبارات وامتحانات كتابية وشفوية، حتى يبت في نفسه روح الاطلاع، مخافة أن يقع خائبا في تجارب اختبار ميدانية في القسم. وما من شك أن تجدير هذا الفعل في سلوك التلميذ، من شأنه أن يقوي مناعته من الثقافات الدخيلة ويجعل مخزونه المعرفي سدا منيعا ضد ما يمكن أن يلوث الثقافة والإبداع المحلي، فالضرورة، تفرض، بلورة استراتيجية وطنية من شأنها، تنمية فعل القراءة في مجتمعنا، بشكل تستطيع من خلاله أن نخلق ثقافة وطنية ترنو إلى الاطلاع والمواكبة اليومية لكل مستجد في عالم النشر والكتاب، وحتى نكون بهذا الفعل استطعنا أن نحمي أبناءنا من الإبحار غير الموجه في أغوار الإنترنت ومن الخواء الفكري، الذي يمكن أن يلحق بهم جراء محدودية اطلاعهم على جديد أحداث العالم.