بعد النجاح الذي حققته فرقة "طقوس 4" للمسرح بمسرحياتها الأخيرة، التي تدخل في إطار المسرح التجريبي، من مثل "إعلان في الجورنال" سنة 2007، و"الفلوجة" سنة 2008، و"ماما تصبحي على خير" سنة 2010 تعود هذه الفرقة المسرحية، في هذا الموسم المسرحي، بعمل جديد، من خلال عرض كوميدي لقي إعجاب الجمهور، وهو "الهواوي قايد النسا"، الذي ألفه الكاتب المسرحي أحمد الطيب لعلج سنة 2009، وقام بإخراجه مسعود بوحسين. فبعد عرض 18 يناير بالمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، تقوم فرقة "طقوس 4"، منذ فاتح فبراير الجاري، بجولة فنية بهذا العمل المسرحي، الذي استفاد من دعم الإنتاج المسرحي لهذا الموسم، ومن تعاون لمؤسسة المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، شملت مدن: زرهون يوم فاتح فبراير الجاري، ومكناس يومي ثاني وثالث فبراير، وستشمل مدن: الحاجب يوم 14 فبراير، ويوم 17 فبراير بالدارالبيضاء، ويومي 23 و24 فبراير بمراكش. وتحكي مسرحية "الهواوي قايد النسا"، عن شخصية "القايد زغنون"، المعروف بشططه في المدينة واستغلاله للسلطة، وشغفه الكبير بالنساء، إذ بلغ به هذا الشغف حد القيام بتطليق العديد من النساء من أزواجهن حتى يتزوجهن هو. لكن الحسناء "عبلة" زوجة الأحدب "فرزوز"، التي يصادفها مع زوجها في إحدى جولاته بالمدينة، تقلب له الموازين، وترفضه، فيحاول مغازلتها في وجود زوجها، لكن "عبلة" وزوجها يردان على استفزاز القايد بحزم وصرامة، فيقرر هذا الأخير، بمعية مساعديه "الغالي" و"مصباح"، أن يبدلوا كل ما في وسعهم لكي يقنعوا "فرزوز" بتطليق زوجته، لكي يتزوجها هو، مستخدمين في ذلك شتى أنواع الترهيب والترغيب، بدءا بإغرائه بالمال، أو أن يكون خليفة القايد أو مغنيه الخاص، لكنه يرفض. وبعد العديد من المحاولات اليائسة في إقناع "فرزوز" بتطليق زوجته، يقرر القايد إرسال "العريفة" لكي تقنع الزوجة، لكن هذه الأخيرة ترفض بدورها، مما يدفع القايد في الأخير إلى استدعاء الفقيه "نوح" لكي يقوم بإصدار فتوى تبيح تطليق "عبلة" من "فرزوز"، لكن هذا الأخير يرفض الامتثال لأوامر القايد، فيدخله السجن آملا في أن يلين موقفه. لكن الفقيه "نوح" يتشبث بموقفه ويقبل المكوث في السجن، ساعتها يرسل القايد "عيروض"، لكي يقاسمه الزنزانة ويقوم بتعنيفه، لكن مع ذلك تفشل الخطة ويستمر الفقيه "نوح" في إصراره على تحدي القايد... بهذا الشكل، تطرح المسرحية موضوعا قديما / جديدا، يتعلق باستبداد السلطة وغطرسة المتمكنين من دواليبها، الذين يستغلون نفوذهم من أجل تحقيق ما يرغبون فيه، حتى ولو كانت إشباع رغباتهم الجنسية المحمومة، وهو الموضوع الذي راق الجمهور، الذي عرضت عليه المسرحية لحد الساعة، حسب تصريحات عبد القادر بوزيد، مدير إنتاج فرقة "طقوس 4"، الذي صرح، ل"المغربية"، أن العرض لقي استحسانا كبيرا من طرف الجمهور، وأن هذا الأخير يسألهم باستمرار عن النص المسرحي، الذي يسود اعتقاد أنه ألف في الظرف الحالي، بالنظر إلى الظروف التي تعرفها بعض البلدان العربية، جراء الشطط في استعمال السلطة، وهو ما ينفيه بوزيد، ما دامت الفرقة قد اشتغلت على المسرحية منذ فترة، أي قبل أن تندلع تلك الأحداث، إذ قدم العرض الأول من المسرحية يوم 9 نونبر الماضي، والثاني يوم 25 دجنبر الماضي، أيضا. وأضاف بوزيد أن تقديمه لهذا العرض ينبع من رغبة الفرقة، التي يديرها، في تقديم منتوج كوميدي يستقطب جمهورا واسعا، وهو ما جعله يطلب من الكاتب المسرحي الطيب لعلج مده بنص مسرحي مناسب، فوقع اختياره على "الهواي قايد النسا"، وما جعله، أيضا، إضافة إلى المشرفين معه على الفرقة، على اختيار المخرج، والممثلين المناسبين. وأشار بوزيد إلى أنه اشتغل مع مجموعة من المخرجين المغاربة، لكن طريقة اشتغال المخرج مسعود بوحسين، متميزة ومختلفة، لأنه يفكك المسرحية ويستعين بالارتجال، وبطاقات الممثل لكي يعيد صياغة المواقف المناسبة في النص، كل ذلك في إطار عمل جماعي تجري الاستعانة فيه حتى بمؤلف النص الطيب لعلج. وأضاف بوزيد، الذي يشخص دورا، أيضا، في المسرحية، أنه اكتشف أشياء جديدة هو الممثلين الآخرين مع المخرج مسعود بوحسين، الذي يركز على قوة النص الحمالة للرسائل الإنسانية والاجتماعية، وعلى تشخيص الممثلين العفوي والقوي. وعن الرؤية الإخراجية لهذا العمل، ذكر المخرج مسعود بوحسين أن المسرحية "تتوفر على بنية حكائية مستمدة من التراث الشعبي تتميز بالبساطة والسلاسة، وعلى لغة دارجة جميلة مليئة بالأقوال المأثورة، والحكم، والمواقف الكوميدية، الشيء الذي يجعلها قابلة لأن تتحول على الخشبة إلى صور ركحية مؤسلبة، سواء على مستوى الأداء أو المؤثرات السينوغرافية". وأوضح أن البنية دينامكية للعرض يتجاور فيها الدرامي والملحمي من خلال اعتماد تقنيات التباعد، إذ تستند على تتابع اللوحات وفق إيقاع متغير يسايره في ذلك تغير إطاره الدلالي والجمالي، الحامل للكثير من العلامات البصرية والسمعية المغربية. وأشار المخرج إلى أن تعامله مع هذه المسرحية لم ينطلق من كونها كوميديا خالصة، بل ركز، أيضا، على نواة مواقفها الدرامية من أجل خلق فرجة يقترن فيها الضحك بالتأمل، والفرجة بالسؤال. مسرحية "الهواوي قايد النسا" ليست مجرد حكاية عابرة ومسلية لقائد مهووس جنسيا، لكنها مسرحية عميقة تسائل غطرسة السلطة، إذ تظهر الرغبة المحمومة في الإشباع الجنسي بأية وسيلة كانت، مجرد رمز لكون الاستبداد بإمكانه أن يبيح أي شيء يتماشى ومزاج المستبد ونزواته، حتى ولو تعلق الأمر بتحطيم أكثر العلاقات حميمية كالتي تجمع بين الزوج وزوجته. المسرحية من تأليف أحمد الطيب العلج، ومن إخراج مسعود بوحسين، وسينوغرافيا إدريس السنوسي، وتشخيص: عزيز العلوي، وبنعيسى الجراري، وحسنة طمطوي، وسعيد آيت باجا، وعبد القادر بوزيد، وسكينة الفضايلي، وجليلة التلمسي، وعبد النبي البنيوي، ومحمد الحوضي، والموسيقى والألحان لمحمد الدرهم. تجدر الإشارة إلى أن مسرحية 'الهواوي قايد النسا" هي ثاني عمل مسرحي يجمع بين الكاتب أحمد الطيب العلج والمخرج مسعود بوحسين، بعد مسرحية "النشبة" التي قدمت في مواسم سابقة.