المسرح الوطني يعتمد برمجة تتميز بالتوازن والتكامل والجدة والجودة والتنوع لتلبية الأذواق المختلفة للجمهور المتعدد والتواق لأشكال مختلفة من الفرجات يعد مسرح محمد الخامس إحدى المؤسسات الوطنية الثقافية الكبيرة في بلادنا، فهي ليست فقط قاعة لعرض الأعمال الفنية على اختلاف أنواعها من مسرح، سينما، موسيقى ...مهرجانات وتظاهرات.. بل هي مدرسة للإبداع ومكتبة للموروث المسرحي المغربي وواجهة تعكس التنوع الثقافي، بل هي إحدى بوابات الانفتاح الثقافي للمغرب على مختلف ثقافات العالم. في هذا الحوار الذي أجرته بيان اليوم مع المدير بالنيابة للمسرح الوطني محمد الخامس محمد بنحساين، يبرز هذا الأخير الدور الطلائعي الذي تضطلع به هذه المؤسسة الثقافية في المشهد الثقافي المغربي والدينامية الجديدة التي باتت تطبع عملها، وحصيلة العمل على مدى سنة ماضية وبعض الإكراهات التي تحيط بنشاطها والطموحات التي يأمل العاملون بها وأطرها إلى تحقيقها. وأوضح بنحساين أن هذه الدينامية الجديدة للمسرح الوطني محمد الخامس، الذي يعمل تحت وصاية وزارة الثقافة، وبتنسيق مع الجماعات المحلية والجهات والهيئات العامة وهيئات القطاع الخاص والمؤسسات الوطنية والدولية، تدفع به إلى تنمية وتطوير العمل المسرحي والمحافظة على التراث الفني المغربي وتشجيع الإبداع والبحث الفني والانفتاح على الإنتاجات الفنية العالمية. وفيما يلي نص الحوار: * مع انتهاء سنة 2010 ما هي حصيلة العمل بالنسبة لمسرح محمد الخامس باعتباره مؤسسة ثقافية وطنية؟ - اعتبارا لكون المسرح الوطني محمد الخامس ملتقى للثقافة والفن والتواصل، ولإعطائه دينامية جديدة وتفعيل الدور المنوط بالمؤسسة كمعلمة وطنية لها مكانتها المرموقة بين مثيلاتها في الدول الشقيقة والصديقة، ولجعلها كذلك مركز إشعاع رائد في مسيرة النماء والرقي والسلام التي ينهجها المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس، عمدت مديرية المسرح إلى اتباع إستراتيجية شاملة خلال الموسم الفني لسنة 2010 . وقد تجسدت حصيلة هذه السنة في قيام مؤسسة مسرح محمد الخامس بملامسة جميع أنواع الفنون من موسيقى بمختلف أنواعها وسينما... وعدم الاقتصار على تقديم العروض المسرحية فقط، بل حاولت المؤسسة أن تكون بنية ثقافية فاعلة.. وقد دخلت منذ سنتين مجال الإنتاج المسرحي خاصة بعد حصولها على ميزانية يصل غلافها المالي إلى 4 مليون درهم برسم سنة 2009. ويمكن القول إن هذه التجربة كانت ناجحة بامتياز والدليل على ذلك أن مجموع العروض التي توجت في مهرجان المسرح الاحترافي بمكناس هي من إنتاج مشترك بين المسرح الوطني محمد الخامس وفرق مسرحية وطنية. * تحدثتم عن دينامية جديدة، ما هي الخصائص أو العناصر التي اعتمدتموها في إطلاق هذه الدينامية الجديدة؟ - اعتمدنا على التدبير الجيد، كما اعتمدنا على مجموعة من التوصيات التي تضمنها تقرير المجلس الأعلى للحسابات. وفي هذا الصدد، وسعيا لتحقيق الأهداف المتوخاة، بلورت المؤسسة خطة عمل انسجاما مع مقتضيات الظهير الشريف المؤسس لها وتمت مراعاة في هذا التوجه توصيات تقرير المجلس الأعلى للحسابات، وذلك انطلاقا من رصد إمكانياتها المادية والبشرية وحسن استغلالها وكيفية استثمارها بحكامة جيدة تضمن التدبير المحكم والتطبيق العملي لتوصيات المجلس الإداري للمؤسسة؛ وكذا للرفع من مستوى أدائها وتحسين خدماتها للجمهور والفنانين على السواء. هذه الدينامية تمت ترجمتها على مستوى مختلف مصالح المسرح الوطني محمد الخامس خاصة مصلحة التواصل والعلاقات العامة التي تم تغيير آليات اشتغالها بحيث تحولت من الطريقة التقليدية إلى استعمال التقنيات الجديدة، كاستعمال الانترنت واستغلال تكنولوجيا الاتصال الحديثة وإحداث روابط مع جمعيات ومجموعة من الفرق، وكذا على مستوى العروض المسرحية، وأيضا البرمجة التي حافظت خطتها على روح الديناميكية التي طبعت أداء المؤسسة خلال الثلاث سنوات الأخيرة، بناء على مكتسبات النهج السابق للانفتاح على المحيط الخارجي الذي مهد لهذه المرحلة، حيث تم توسيع نطاق مخطط البرمجة ليشمل طلبات الحجز الواردة على المديرية من مختلف الهيئات الثقافية والفعاليات الوطنية وغيرها من المؤسسات الفنية والثقافية. بالإضافة إلى ذلك لقد تمت مراعاة مبدأ التحكم إلى حد كبير في البرمجة بوضع مخطط مكثف استباقي، وقد تميز هذا البرنامج بالتوازن والتكامل والجدة والجودة والتنوع وذلك انسجاما مع الإستراتيجية العامة وتلبية للأذواق المختلفة للجمهور المتعدد والتواق لأشكال مختلفة من الفرجات. وقد تم خلال سنة 2010 تقديم 312 عرضا فنيا، أكثر من 70 في المائة منها تم نقل عرضها إلى عدد من المدن والقرى الموزعة على التراب الوطني، حيث تم بذلك مراعاة البعد الوطني والجغرافي في برمجة العروض الفنية في العديد من الفضاءات دون الاقتصار على قاعة المسرح الوطني؛ حيث أن المؤسسة اقتنت عروضا مسرحية وقدمتها بمجموعة من مدن المغرب، ونذكر على الخصوص مدن الدارالبيضاء، فاس، مكناس، مراكش، الجديدة، قصبة تادلة، المحمدية، إفران، القنيطرة، الزمامرة، تيفلت، الخميسات وغيرها من المدن الصغيرة، وذلك سعيا من المؤسسة إلى الانفتاح على الهامش الذي يظل دوما بعيدا عن الأنشطة الهامة التي تدور في المركز. * لكن يلاحظ أن جولات الفرق المسرحية وتقديم عروضها لايغطي كل جهات المملكة؟ - هذا الأمر يرجع إلى وجود بعض المعيقات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر غياب جهات داعمة عدا الإمكانيات المتاحة للمؤسسة، وعدم توفر بنيات ملائمة لاستقبال مثل هده الأعمال. ومع ذلك فالإدارة لم تذخر جهدا وتمكنت من تقديم كل أشكال الدعم لكل المبادرات التي كانت في خدمة الحركة الثقافية والممارسة المسرحية داخل المغرب. * هل يمكن اعتبار انفتاح مؤسسة مسرح محمد الخامس على عدد من الجهات والمناطق بمثابة محاولة من المؤسسة لاستباق الزمن ومواجهة تحديات مستقبلية تتمثل في احتضان العاصمة للمسرح الوطني الكبير المقرر إحداثه قريبا؟ - لا أعتقد أن الأمر بهذا الشكل، فالمسرح المرتقب إنشاؤه سيكون إضافة للعاصمة الرباط بل وإضافة للمغرب، ومسرح محمد الخامس يوجد تحت ضغط طلبات الحجز الواردة من مختلف الهيئات الثقافية والفعاليات الوطنية وغيرها من المؤسسات الفنية والثقافية، وذلك لكونه البنية الثقافية الوحيدة التي تتوفر فيها مجموعة من الشروط لإقامة حفلات أو تقديم العروض. وأعتقد جازما أن المسرح الجديد سيكون إضافة مهمة للبنيات الثقافية الوطنية وسيخفف من حدة الضغط الحاصل على المسرح الوطني محمد الخامس، ويجب التذكير أن جل عواصم العالم والمدن العالمية الكبيرة تتوفر على ما يناهز خمسة إلى ستة مسارح. * بخصوص إحدى الإشكاليات التي ذكرتموها المتمثلة في ضغط طلبات الحجز الواردة على المسرح، هل هذا الأمر يخلق لكم أحيانا بعض الإحراج مع بعض الفاعلين على مستوى البرمجة؟ - إرضاء الكل أمر صعب في جميع مسارح العالم حيث البرمجة لا تفوق معدل 15 عرضا في الشهر ونحن نتجاوز هذا المعدل. ومسألة الضغط التي ذكرت ترجع بالأساس لعدم وجود مؤسسات في نفس مستوى مسرح محمد الخامس الذي يتوفر على شروط جيدة لاستقبال العروض الفنية، والذي بالإضافة إلى ذلك يوجد بالعاصمة الرباط حيث لا يقتصر الأمر على برمجة وتقديم عروض مغربية محضة فحسب، بل هناك طلبات من القنصليات والسفارات والأسابيع الثقافية لبعض الدول التي تجعل من مسرح محمد الخامس المؤسسة الوحيدة المؤهلة لاحتضان هذه العروض، هذا فضلا عن المهرجانات الدولية الكبرى التي تنظمها بلادنا كمهرجان سينما المؤلف ومهرجان موازين وعروض الفرقة الفيلارمونية المغربية. وتقييما لكل هذه المعطيات وتأكيدا لتفعيل الدور الرئيسي للمسرح الوطني محمد الخامس، ارتأت المؤسسة وضع مقاربة جديدة وتصور متكامل ومنسجم لمخطط برمجي يستجيب لحاجيات المؤسسة، ولمتطلبات المحيط الخارجي لها من جهة، وتماشيا مع السياسة العامة للوزارة من جهة أخرى عبر إعداد برمجة تأخذ بعين الاعتبار مسألة تقاطر طلبات الحجز بكثرة. * هل أنتم راضون على حصيلة العمل التي حققتها مسرح محمد الخامس كمؤسسة وطنية فاعلة في المشهد الثقافي المغربي؟ - يمكن أن نقول أننا راضون على ما تم تحقيقه من دون الإفراط في الرضى عن الذات، لأننا نطمح إلى تحقيق أكثر من ذلك، فكما هو معلوم فإن الحركة المسرحية ببلادنا عرفت تعثرا خلال السنوات الأخيرة، فرغم سياسة الدعم التي تم نهجها من قبل وزارة الثقافية الجهة الوصية على المسرح، فإن العروض المسرحية لا يتسمر تقديمها سنة أو سنتين كما هو الأمر في الدول ذات التقاليد المسرحية حيث يستمر تقديم العروض لسنوات. ومسرح محمد الخامس، من خلال التجربة التي يخوضها حاليا في مجال الإنتاج والإنتاج المشترك، يطمح أن يكون للعروض صدى أكبر بانتقالها إلى تغطية أكبر مجموعة من أقاليم المملكة لتتمكن مجموعة من شرائح المجتمع من مشاهدة المنتوج المسرحي المغربي، بالإضافة إلى ذلك، نعمل على أن يستمر عرضها لمدة طويلة. * ما هو الطابع الذي يغلب على الإنتاجات التي ساهم فيها المسرح الوطني محمد الخامس؟ - المسرح الوطني حاول أن تكون إنتاجاته إعادة إحياء الذاكرة المسرحية المغربية، كمسرحية «الهواوي قايد النساء» التي تم إنتاجها مؤخرا، وهي عمل مسرحي للكاتب أحمد الطيب لعلج الذي يعد هرما من أهرامات المسرح المغربي، ومسرحية «الحراز» التي تشكل إحدى الجواهر في تاريخ المسرح المغربي والتي تبرز بشكل جلي من خلال القراءة الدراماتورجية للمبدع الكبير الطيب الصديقي. وقد حاول المسرح الوطني ما أمكن من خلال الإنتاجات المشتركة إحياء النصوص المغربية التي كان لها وقع في تاريخ المسرح الوطني وأطلقنا على العملية «إعادة إنتاج الريبرتوار المغربي»، وأتحنا عبره للشباب رؤية هذه الأعمال المسرحية الرائدة. وأعتقد دون مغالاة أننا نجحنا في ذلك باعتبار أن الأعمال المسرحية التي تم إنتاجها تعتبر حاليا، من قبل الصحافة المغربية، من أنجح أعمال الموسم. * هل حددتم آفاق العمل للمؤسسة خلال الموسم الفني لسنة 2011؟ - بالفعل سطرنا مجموعة من التوجهات بخصوص آفاق العمل المستقبلية، وهي توجهات تهم عدة مستويات، منها المستوى التنظيمي، وعلى مستوى المؤسسة، وكذا الإنتاجات الوطنية والحفاظ على الذاكرة عن طريق رد الاعتبار لأرشيف المسرح المغربي وأرشيف المسرح الوطني محمد الخامس، حيث دخلنا حاليا في وضع أسس جديدة من أجل تنظيم الأرشيف وإعداده بشكل متميز لمساعدة الباحثين والمهتمين بالمسرح على القيام بأبحاثهم في أفضل الظروف، وذلك سعيا من المؤسسة إلى المساهمة في خلق مكتبة كبيرة خاصة بأب الفنون. بالإضافة إلى وضع مشاريع تطوير وخلق فضاءات جديدة بالمسرح الوطني محمد الخامس كالمقهى الأدبي. كما سيستمر المسرح في مسار إعادة إحياء ريبرتوار المسرح المغربي عبر إعادة إنتاج الأعمال المسرحية الهامة لأعلام المسرح المغربي، تماشيا مع الخط الذي رسمته توصيات المجالس الإدارية المتواترة وتوصيات المجلس الأعلى للحسابات الذي عاب على المؤسسة عدم العمل على القيام بالمهام المسطرة لها طبقا للظهير فيما يخص الإنتاج. هذا فضلا عن تقديم حفلات تيماتيكية تعنى برد الاعتبار لبعض أشكال الموسيقى والغناء التراثي، وعروض من الموسيقى الكلاسيكية الغربية أو الفرق الفنية المغربية، وتمكين شركاء المسرح محمد الخامس كمؤسسة مغرب الثقافات من تقديم عروضها في إطار مهرجان موازين إيقاعات العالم، ومهرجان الضفتين مع المعهد الدولي للمسرح المتوسطي الذي احتضن المسرح الوطني دورتيه الأولى والثالثة، ووزارة الثقافة كشريك رئيسي للمؤسسة حيث يستقبل المسرح كل موسم فرقا فنية من العديد من دول العالم في إطار علاقات التبادل الثقافي التي تربط المغرب بباقي دول العالم. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه أصبحت هناك فقرات قارة خلال كل موسم لها جمهورها الوفي كعروض الأوركسترا الفيلارمونية ورمضانيات الرباط والأوركسترا السامفونية الملكية، وتقديم عروض الفن السابع عبر مناسبتين قارتين خلال كل موسم أولها أسابيع السينما الأوروبية التي تنظمها مندوبية الاتحاد الأوربي بالمغرب بشراكة مع المسرح، ومهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف. بالإضافة إلى ذلك دخل المسرح في شراكات مع معاهد التكوين المهني خاصة في الشعب التقنية كالإضاءة والصوت من أجل تعميق تكوين تقنيي المؤسسة الذين برع المختصون منهم في مجال الديكور حيث أصبحت 70 في المائة من الفرق المسرحية تنتج ديكوراتها وإكسسواراتها الضرورية بورشات المسرح الوطني محمد الخامس. * بما أنكم مؤسسة مستقلة فكيف هي علاقتكم مع وزارة الثقافة الجهة الوصية على قطاع الثقافة؟ - كانت دائما علاقة وطيدة، والمسرح الوطني محمد الخامس رغم أنه مؤسسة مستقلة فهو يشتغل تحت وصاية وزارة الثقافة خاصة وأن وزير الثقافة هو رئيس مجلسها الإداري . * هل الوزارة تتحكم في البرمجة داخل المسرح الوطني محمد الخامس؟ - المجلس الإداري هو الذي يصادق على الخطوط العريضة للبرمجة، والمهم بالنسبة لنا هو وضع مخطط عمل وإذا حققنا منه نسبة 70 في المائة يمكن أن نقول آنذاك أننا نجحنا.