أفادت بائعات شربة الحلزون بشاطئ سيدي عبد الرحمان بالدارالبيضاء، أن هذا النشاط وفر لهن استقرارا ماديا ونفسيا، خاصة بعد دعمهن من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وذكرت مصادر جمعوية أن عدد المستفيدات من الدعم والتأطير سيترتفع من 29 بائعة إلى حوالي 50 بائعة، إذ أنه من المنتظر أن تستفيد أزيد من 18 بائعة بدعم من المبادرة، وتتسلم عربة تحمل مواصفات العرض والبيع. "المغربية" زارت الشاطئ، السبت الماضي، واستقت تصريحات البائعات حول ظروف تحضير الشربة وبيعها، ونوع الزبناء الذين يقبلون على تناولها. عبرت مجموعة من بائعات شربة الحلزون (البابّوش) في دردشتهن مع "المغربية" عن مخاوفهن من مستقبل نشاطهن، بسبب الزحف المعماري والتجاري على المنطقة، التي يزاولن بها نشاطهن، ما خلق لديهن تخوفات من إمكانية ترحيلهن بعيدا، خاصة أن مزاولة النشاط بالمكان، رهين بإقامتهن بالدواوير المجاورة له. وأجمعت البائعات في تصريحاتهن على ضرورة توفرهن على رخصة للبيع، والتراجع عن الالتزام، الذي يفيد بضرورة التخلي عن المكان، في حالة انتقالهن من العيش بالدور الصفيحية. البائعات يتحدرن من دواري "عريان الراس" و"ولد الجمل"، القريبين من شاطئ سيدي عبد الرحمان، أغلبهن ربات بيوت، وأميات، لجأن إلى بيع شربة الحلزون لمساعدة أزواجهن على مواجهة غلاء المعيشة. ربيعة، بائعة حلزون، في الأربعينات من عمرها، ترتدي وزرة بيضاء، وتستقبل زبناءها بوجه بشوش، ذو لون أسمر. كانت تجلس قرب عربة، تُدفع باليد، تتوسطها طنجرة كبيرة وصحون طينية صغيرة "زلافات"، ورغم انهماكها في العمل، اعتذرت لزبنائها، لتعرب ل"المغربية" عن همومها، وعن أتعاب المهنة. قالت ربيعة إن ضيق حال أسرتها هو الذي وجهها للمهنة، التي أصبحت مصدرا مهما لمساعدة زوجها. ذكرت ربيعة أن النشاط جرى تأطيره من طرف "جمعية عماد" و"المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، التي بفضلها استقر وضع البائعات بشارع سيدي عبد الرحمان. تنوب عن ربيعة في عمليات البيع، ابنتها نورا، التي كانت بجانبها. نورا، فتاة في العشرينات من عمرها، خفيفة الظل والحركة، توفر عناية خاصة لضيوفها، وتركز على توفير حسن الاستقبال، لأنه، حسب قولها، إلى جانب جودة ولذة الشربة، يلعبان دورا أساسيا في استقطاب الزبناء، بل وفي الحفاظ على زياراتهم. كانت الشمس بدأت تميل إلى المغيب بشاطئ سيدي عبد الرحمان، حين أخذ عدد الباعة يرتفع بالمكان، حيث اصطفت مجموعة من العربات البيضاء تدفعها نساء ارتدين وزرا من اللون نفسه، تراصت العربات البيضاء تحت مظلات شمسية من اللون نفسه، على طول رصيف شارع سيدي عبد الرحمان، ليزداد المنظر جمالا مع انعكاس الخيوط الذهبية، التي تسدلها الشمس عند المغيب. ما يوازي 16 سنة لكل بائعة "بابّوش" زبناء مواظبون على احتساء الشربة التي تقدمها، يقول بوشعيب، صاحب العربة رقم 2 "لا يمكن لأي بائع أن يتطاول على زبناء جاره أو جارته". اتخذ بوشعيب من بيع شربة الحلزون مع زوجته موردا للعيش، منذ 16 سنة، في غياب مهنة توفر له دخلا قارا. يرتفع عدد زبناء شربة الحلزون في فصل الشتاء، لانخفاض درجة الحرارة، وللاعتقاد العام بأن للحساء دورا في مقاومة البرد، ومحاربة الزكام، ويواجه الأمراض الصدرية، والإمساك، والكوليسترول، لخلوه من الدهون ولطهي بمزيج من الأعشاب الطبيعية. أغلبية مرتادي هذا الفضاء من الطبقة المتوسطة، أسر، تقصد الشاطئ في نهاية كل أسبوع للفسحة، وبعد مغيب الشمس، تذهب لتناول شربة الحلزون، قبل عودتها إلى وسط المدينة. يوضح بوشعيب أن هناك أشخاص شبه "مدمنين" على تناول "البابّوش" طيلة السنة، مضيفا أن فصل الصيف يتميز بإقبال المغاربة المهاجرين على تناولها، لعلاقتها ببعض الأكلات التقليدية. بينما كان بوشعيب يتحدث ل"المغربية" توقفت قرب عربته سيارة رباعية الدفع، وطلب الزبون صحنا من الحلزون، فيما طلبت زوجته وابنته الحساء فقط، وبينما كان بوشعيب يلبي باقي الطلبات، كان الزبون يتلذذ في استخراج الحلزون من قوقعته بعود رقيق من الخشب، يأكل لحمه ويمتص ما بداخل القوقعة، قبل أن يطلب المزيد. أغلب السيارات التي ارتادت الفضاء، إلى غاية الثامنة ليلا، كانت تقل عائلات بها أطفال ونساء، لتتولى، بعد ذلك تأتي سيارات تحمل زبناء من نوع آخر، من شباب وفتيات. المثير في هذا الفضاء وجود أطفال يتحدرون من الدواوير المجاورة، يعرضون مناديل "الكيلنيكس" للبيع في وقت متأخر من الليل. قالت فاطمة، بائعة حلزون، ل"المغربية" إن هؤلاء الأطفال يعترضون طريق الزبناء، ويعرضون المناديل الورقية، ومن بينهم من يتسول، لجمع قدر من المال، يعود به كل ليلة إلى والدته، مضيفة أن سهرهم إلى غاية الواحدة من الصباح أحيانا، يؤثر على تحصيلهم الدراسي، واستنادا إلى شهادات مدرسيهم، هناك من يدخل حجرة الدرس متعبا لينام، وبالتالي تغيب عنه إمكانية الاستفادة من الدرس. وأوضحت فاطمة أن وضعية الباعة استقرت بالفضاء، منذ تأطيرهم من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فيما ظلت بعض المشاكل تواجه استمرار مزاولة النشاط بالمكان، خاصة غياب رخصة البيع، وغياب مراقبة لجنة الصحة، لأن تحضير هذه الوجبة يجب أن يخضع لمعايير معينة ويستجيب لشروط الاستهلاك، بل يستلزم الحضور الشخصي لصاحبة البضاعة نفسها. وتحدثت فاطمة عن وجود بائعات لا يتابعن ظروف التحضير، إذ توكل على تنظيف "البابوش" وطهيه لشريكتها أو مساعدتها. قالت فاطمة، التي كانت تتحدث باسم البائعات، إن المشروع محاط ببعض الخروقات، ولتفادي بعض المشاكل، يجب خلق جمعية أو تعاونية، تتكفل باكتراء محل للتحضير الوجبة الاستهلاكية وتوزيعها إلى حصص على المنخرطات. وستمكن هذه العملية الحصول على رخصة لمزاولة المهنة. يقتني الباعة الحلزون من أحد الموزعين، الذي يشتريه بدوره من سوق "اجميعة"، أو يكتري أطفال يلتقطونه من بعض الضيعات، حسب فاطمة. أكدت فاطمة في دردشتها ضرورة تحسين ظروف العرض، بترتيب أماكن البيع، حسب الأقدمية، لأن البائعات يتنافسن على احتلال الأماكن الموجودة في بداية الشارع، لاستقبال أكبر عدد ممكن من الزبناء، إذ تطالب كل بائعة بالمكان التي زاولت به النشاط، لتحافظ على زبنائها. كان البرد قارسا، ليلة السبت الماضي، والبائعات يرتدين معاطف صوفية فوقها وزرة البيضاء، وبعد العاشرة من الليل، بدأ نوع آخر من الزبناء يرتاد المكان، شباب وفتيات، بسيارات وموسيقى صاخبة، يطلبون صحون الحلزون، وإضافة صحون الشربة، فيما كانت روائح الأعشاب الزكية تنبعث من حين لآخر من طنجرة الحلزون. تأطير البائعات قال جمال داودي، رئيس جمعية عماد، ل"المغربية" إن مراحل تأطير البائعات في المشروع لم تنته بعد، لأنه من المقترح أن يجري تجهيز مطبخ جماعي، حيث تحضر إجراءات تنظيف الحلزون وطهيه، قبل طرحه للبيع، ويسهل هذا الإجراء عمليات مراقبة الجودة وصلاحية الاستهلاك. وأضاف داودي أن الجمعية تبنت المشروع في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في سنة 2008، واستفاد من الميزانية المخصصة للأحياء المستهدفة، منها سكان كاريان المسعودي والدواوير المجاورة له، مشيرا إلى أن 29 بائعا استفادوا من دعم المبادرة، (3 رجال و26 امرأة)، وسيرتفع عدد الباعة بزيادة 18 بائعة. وأضاف أن المشروع مازال في حاجة للدعم، لتطويره وجعله يستجيب لمعايير خاصة تمكن مزاولي النشاط من الحصول على رخص البيع، ومع توفير شروط النظافة، في فضاء البيع، وبالتالي المساهمة في المحافظة على البيئة، لأن بقايا الحلزون يجب أن تحظى باهتمام العاملين بالنظافة، تمنع من تراكم الأزبال وتسرب الروائح الكريهة.