سائق يقطن في مدينة طنجة، ارتكب مخالفة بمدينة الدارالبيضاء، وهو في طريقه إلى مراكش، لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، فتحولت رحلته، رفقة عائلته، إلى قطعة من جحيم. كيف؟ عند مغادرته لأحد المطاعم على كورنيش عين الدياب، حيث تناول وجبة الغداء وأخذ قسطا من الراحة بعد عناء، فوجئ بعدم وجود سيارته في مكانها. التفت في كل الاتجاهات، بحثا عنها، بينما جلست الزوجة على الرصيف وضمت طفليها المفزوعين، وهي تسأل زوجها بلهفة "ماذا حصل، هل سرقوا السيارة؟". الزوج لا يرد، في حين بدأ الناس يتحلقون حول العائلة المكلومة، بعض الأشخاص اقترحوا عليه الذهاب إلى أقرب مخفر للشرطة، للسؤال عما حل بسيارته. بعد نصف ساعة من البحث، سيعثر صاحب السيارة المختفية على مركز للأمن، حيث سينتظر إلى حين وصول رئيس القسم، الذي سيبشره بأن سيارته لم تتعرض للسرقة، وإنما هي محجوزة لدى الشرطة، لأنها وُجدت مركونة في مكان يُمنع فيه الوقوف والتوقف. تنفس السائق الصعداء، وقال لزوجته "لا بأس سنؤدي المخالفة، ونسترجع سيارتنا، لنتمم رحلتنا إلى مراكش". فسأل عن مكان المحجز البلدي، فأشار إليه رئيس القسم بأنه يوجد في الحي الحسني، وما عليه إلا أن يطلب سيارة أجرة صغيرة، للذهاب إلى هناك، لأن المكان بعيد جدا. الطاكسيات الحمراء لا تحمل أكثر من ثلاثة أشخاص، فكيف له أن يفعل ذلك وهم أربعة، هو وزوجته وطفليه؟ اقترح عليه أحد عناصر الشرطة أن يترك الزوجة وأبناءها في المخفر، ويذهب وحده إلى المحجز البلدي، لكن الزوج رفض الفكرة بلباقة، وطلب سيارتين للأجرة. عند وصوله إلى هناك، وجد سيارته رابضة وسط المئات من المركبات المتناثرة في كل اتجاه. حمد الله وشكره بعدما رأى أن سيارته لم تتعرض لسوء أو تخريب، فاتجه نحو المسؤول عن المحجز، وأبدى استعداده لأداء المخالفة واسترداد سيارته، لإتمام طريقه نحو مدينة مراكش. لكن المسؤول، بعدما أطلق ابتسامة غريبة، قال له، بنبرة لا تخلو من سخرية، "هل تسمعون في طنجة بالمثل القائل واش دخول الحمام بحال خروجو؟". اعتقد السائق أن المسؤول يتمازح معه، لكنه سرعان ما سقط مغشيا عليه لهول ما سيسمعه بعد ذلك. قال له المسؤول، بجدية غير قابلة للنقاش، "بموجب بنود مدونة السير الجديدة، لا يمكننا أن نُعيد إليك سيارتك إلا بعد مرور 24 ساعة، وقبل ذلك، يجب عليك الذهاب إلى القباضة لأداء الغرامة، التي يحددها القانون في 300 درهم، إضافة إلى 150 درهما ثمن سيارة الديباناج، و20 درهما لكل ليلة تقضيها سيارتك في المحجز". لم يقو السائق الطنجاوي على النهوض لهول الصدمة، فيما أجهشت زوجته بالبكاء وهي تضم طفليها بقوة. بدا الوقت يسير بسرعة نحو الليل، بينما بدأت عشرات الأسئلة تتزاحم في خلد الزوج، الذي بدا غير مصدق لما يحصل له ولعائلته تحت ظلام مدينة عملاقة ومخيفة، لا يملك فيها أقارب، مثل الدارالبيضاء، هل يقضي الليلة في السيارة داخل المحجز البلدي؟ أم يبيت في أحد الفنادق غير المصنفة، التي غالبا ما قرأ عنها في الجرائد أوصافا سيئة؟ وإذا فعل ذلك، من أين له بالمبلغ الذي سيؤدي به المخافة والديبّاناج ومبيت السيارة في المحجز، سيما أنه سيضطر إلى قضاء يومين في الفندق، زيادة عن مصاريف الأكل والتنقل، لأن "القبض" على سيارته كان يوم الجمعة، بينما السبت والأحد عطلة إدارية، ولا يمكنه استرجاعها إلا يوم الاثنين...