أرجأت الغرفة الجنحية التلبسية بالمحكمة الابتدائية القطب الجنحي بالدارالبيضاء، مساء الجمعة الماضي، النطق بالأحكام في ملف مجموعة "التامك ومن معه"، الذي يتابع فيه 7 من انفصاليي الداخل، إلى 28 من الشهر الجاري. وبعد جلسة ماراتونية، دامت أزيد من 12 ساعة (من الثانية والنصف بعد ظهر الجمعة إلى الثانية والربع من صباح السبت الماضي)، استمعت خلالها هيئة الحكم، برئاسة المستشار حسن جابر، إلى تصريحات المتهمين، ومرافعات الدفاع والنيابة العامة، ودفاع المطالبين بالحق المدني، والكلمة الأخيرة للمتهمين، حجزت القضية للمداولة والنطق بالحكم بعد أسبوعين. ويتابع المتهمون السبعة (ثلاثة في حالة اعتقال، وأربعة في حالة سراح، تخلفوا للمرة الثانية عن الحضور)، من أجل "المس بالسلامة الداخلية للدولة، بتسلم هبات من جماعة أجنبية لتمويل نشاط ودعاية، من شأنها المس بوحدة المملكة وسيادتها، وزعزعة ولاء المواطنين للدولة المغربية ولمؤسسات الشعب المغربي، وفق ما ينص عليه الفصلان 206 و207 من القانون الجنائي". وخلال الجلسة، طالب ممثل النيابة العامة بإنزال "أقصى العقوبات في حق المتابعين، من أجل قطع دابر كل من حاول المس بكيان الدولة المغربية، ولطمأنة المواطن المغربي"، مضيفا أن جميع التشريعات في الدول تحمي ثوابتها، والتمس تفعيل الفصل 209، الذي يقضي بحماية المواطنين من خطر مستقبلي، داعيا إلى أخذ تصريحات المتهمين في مختلف محطاتها بعين الاعتبار، لأن "الجرائم، التي يتابعون من أجلها خطيرة جدا". واعتبر ممثل الحق العام، في مرافعته، التي دامت أزيد من 45 دقيقة، سرد خلالها ما جاء في محاضر الضابطة القضائية بخصوص متابعة المتهمين، أن "الدولة منحت هؤلاء فضاء حقوقيا لممارسة قناعاتهم، لكنهم خالفوا ذلك، وكان لهم خيار آخر، هو التعاون مع جهات خارجية، بل مساندة مرتزقة البوليساريو الانتهازيين، الذين يملأون جيوبهم بالمال، وليس من المنطق أن يتقاضى مناضل هبات من الأجانب". واستغرب ممثل الحق العام من المتهمين، الذين يسافرون بصفتهم مغاربة وبجوازات سفر مغربية، ويخرجون إلى الخارج، خاصة الجزائر، ويتنقلون في طائرات عسكرية، ويحضرون مهرجانات خطابية وندوات صحفية، بحضور الصحافة الجزائرية وبعض الصحافة الإسبانية، المساندة لأعداء الوحدة الوطنية، ويدلون بتصريحات تساند بوليساريو، وبعلانية، مضيفا أنهم لا يعترفون بمغربيتهم، رغم أن بعضهم كان موظفا في الإدارة العمومية، وكان يتقاضى أجرا من خزينة الدولة المغربية، ثم أصبح ضد المغرب. وأكد ممثل الحق العام أن المتهمين يجهلون تاريخ المغرب، ويجهلون ما فعله المناضلون الحقيقيون في الصحراء المغربية، وذكر المتهمين بتاريخ المغرب، الذي تمتد جذوره إلى الصحراء منذ أزيد من 12 قرنا، مشيرا إلى أن المتهمين تجاوزوا الخطوط الحمراء، عندما سافروا إلى الجزائر ومخيمات تندوف، وشرعوا في المس بالوحدة الترابية للمملكة، وأنهم سافروا خارج المغرب أكثر من مرة، ولم يكونوا موضوع مساءلة من أي أحد، لكن، عندما يتعلق الأمر بالسيادة المغربية ووحدة المغرب الترابية، فإن الدولة المغربية لا يمكنها أن تسكت عن ذلك. واعتبر ممثل النيابة العامة أن للجمعيات حق الانتصاب في هذه القضية كطرف مطالب بالحق المدني، فضلا عن توفر كل شروط المحاكمة العادلة في هذه القضية، مضيفا أن الأسباب، التي أدلى بها محامو الدفاع، في ما يخص المتهمين الأربعة المتخلفين، الموجودين في حالة سراح، واهية، وأصر على ضرورة احترام هيئة المحكمة من طرف جميع المتهمين. أما دفاع المطالبين بالحق المدني، فطالب بعضهم بدرهم رمزي، كما طالب آخرون بمبلغ 1975 درهما، لما لهذا التاريخ من رمزية لدى المغاربة، وهو تاريخ تنظيم المسيرة الخضراء. وطالب آخرون بمبلغ 350 ألف درهم، وهو عدد المغاربة، الذين شاركوا في المسيرة الخضراء، على اعتبار درهم رمزي لكل واحد منهم، في الدعوى المدنية، والتماس إدانة جميع المتهمين في الدعوى العمومية. واعتبر دفاع المطالبين بالحق المدني، أن الأظناء يتعاملون مع الاستخبارات الجزائرية، وهو ما يمس بالأمن الداخلي للمغرب، وأن هذا الحق، عندما يمس، فمن حق جميع المغاربة الانتصاب أمام المحكمة كطرف مدني، وأن المتهمين تنطبق عليهم مقولة "يأكلون الغلة ويسبون الملة"، بتبجحهم بمعاداة المغرب، الذي منحهم الهوية. وأوضح الدفاع أنهم "مغاربة ومغرر بهم، وليسوا خونة، لأنهم يحملون جوازات سفر مغربية"، مضيفا أنهم "لا يمثلون الشعب الصحراوي برمته، لأن الصحراويين مغاربة، والمتهمين مغاربة، وإن قالوا غير ذلك، فعليهم أن يسلموا الوثائق الإدارية المغربية، ويغادروا هذا البلد، وألا يرددوا أقاويل شرذمة، تنتابها الغيرة من نمو المغرب وازدهاره". كما عرج الدفاع على مسألة المراقبين الدوليين، مؤكدا أن "الدفاع ليس ضدهم، بل ضد تزييف الحقائق، ورحب بهم، شرط أن ينقلوا الحقيقة"، مشيرا إلى أن الأظناء تمتعوا في هذا الملف بمحاكمة عادلة. من جهته، أكد دفاع المتهمين على براءة موكليه من التهم الموجهة إليهم، مشيرا إلى "هزالة المحجوزات"، التي تمثلت في مبالغ مالية (300 دولار و100 أورو و530 دينار جزائري)، مشددا على "حسن نية الأظناء وسلامة سريرتهم"، معتبرا أن "الجمعيات لا أحقية لها في الانتصاب في هذا الملف كمطالب بالحق المدني". وعزا الدفاع غياب المتهمين الأربعة المتابعين في حالة سراح إلى "غياب شروط المحاكمة العادلة، وعدم توفير الأمن لهم". وعند انطلاق الجلسة الخامسة للنظر في هذا الملف، دخل المتهمون الثلاثة، وشرع المتهم علي سالم التامك في ترديد شعارات مناوئة للوحدة الترابية، ما جعل رئيس الجلسة ينبهه إلى ضرورة احترام المحكمة، وعدم قول هذه الشعارات، وأنه لن يكرر ذلك على مسامعه. وخلال الاستماع إلى المتهمين الثلاثة، تهرب كل من التامك، وإبراهيم دحان، وأحمد الناصري، مرات عديدة من الإجابة بشكل واضح ومباشر عن أسئلة رئيس الجلسة بخصوص مكان الازدياد، وكيفية حصولهم على جواز السفر، وحول مصدر المبالغ المالية، التي ضبطت بحوزتهم، أو من تكلف بتغطية مصاريف سفرهم وإقامتهم بالجزائر، وزيارتهم لمخيمات تندوف، وحول صفة وهوية الأشخاص، الذين قابلوهم هناك، بالادعاء أن هذه الأسئلة سياسية، في حين، ذكرهم القاضي أن المحاكمة ليست سياسية، والمحكمة ليست فضاء للخطابات السياسية، بل فضاء يسود فيه القانون ويحكم. واعترف المتهمون الثلاثة أنهم لم يتعرضوا للتعذيب أو المعاملة السيئة خلال اعتقالهم أو استنطاقهم، في حين، أنكروا ما جاء في محاضر الضابطة القضائية، ولم يذكروا أين كانوا يقيمون خلال زيارتهم إلى الجزائر ومخيمات تندوف، التي اعتبروها تأتي في إطار تبادل الزيارات، التي تشرف عليها المنظمة الأممية لغوث اللاجئين. وقبل بداية مناقشة القضية، عقبت هيئة الحكم على الملتمسات والدفوعات الشكلية لدفاع المتهمين والمطالبين بالحق المدني، إذ رفضت الهيئة البعض منها، المتعلق بتحويل المحاكمة إلى قاعة جلسات أخرى، وبطلان الاستدعاء. وقالت إن المحكمة، بعد اطلاعها على الاستدعاءات الموجهة للمتهمين الأربعة، تبين لها أنها صحيحة، وجاءت منسجمة مع مقتضيات الفصل 308 من قانون المسطرة الجنائية، وأن الغاية تحققت بحضور محاميهم، وأن الدفع غير قائم على أساس. أما دفع الانتصاب كطرف مدني بالنسبة للجمعيات، فارتأت هيئة الحكم أن هذا المطلب يدخل في إطار الدعوى المدنية، وأن البت فيه سابق لأوانه، لأن الأصل هو البت في الدعوى العمومية، ثم البت في الدعوى المدنية، وأجلت البت في هذا الملتمس، المتعلق بصفة الادعاء المدني، إلى حين البت في الموضوع. وبخصوص دفع الاختصاص النوعي، الذي تنص عليه المادة 323 من قانون المسطرة الجنائية، أجلت المحكمة النظر فيه، معتبرة أن قرارها هذا ابتدائي ونهائي، وستسلم نسخة منه إلى وكيل الملك. تعليق الصور (مشواري) جانب من الحضور والإجراءات الأمنية خلال المحاكمة بابتدائية عين السبع