في لقاء نظمته الخميس الماضي كل من مؤسسة الفقيه التطواني للعلم والأدب والمركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، ترأسته عائشة بلعربي السفيرة السابقة بالإتحاد الأوروبي حول "رهانات الدبلوماسية الثقافية في خدمة القضية الوطنية" . جانب من التظاهرة والذي حضرته نخبة من المثقفين والأكاديميين وفعاليات المجتمع السياسي والمدني، قدمت فيه بلعربي تعريفا دقيقا للدبلوماسية الثقافية والأدوار التي يمكن أن يضطلع بها المثقف، في تحليل معمق للجوانب المفاهيمية المرتبطة بالموضوع. في حين وجه الأستاذ أبو بكر التطواني رئيس "مؤسسة الفقيه التطواني للعلم والأدب"، في هذا اللقاء نداء قويا للمثقفين الجزائريين دعاهم فيه للخروج من واقع الانعزال والنظر إلى ما يخدم وحدة الشعوب المغاربية، مؤكدا على أن معاكسة الجزائر للحقوق التاريخية للمغرب، لا يخدم مصلحة المنطقة ككل، وأن دور المثقف كان على الدوام إنارة الطريق ومد الجسور والتشجيع على قيم الإخاء والتعاون. وأوضح التطواني، أن هذا اللقاء يركز على دور الدبلوماسية الثقافية لتلعب دورا أساسيا إلى جانب الدبلوماسية الرسمية في تبليغ رسالة المغرب الحقيقية المبنية على أسس علمية وتاريخية حول قضية وحدته الترابية. وأضاف أن اللقاء يهدف أيضا إلى إبلاغ رسالة إلى كل المتنورين من المفكرين بالدول المتوسطية لحثهم على القيام بأدوار تنويرية من أجل تصحيح الأفكار المغلوطة لدى بعض المؤسسات الإعلامية بالجزائر وإسبانيا حول قضية وحدتنا الترابية. مشيرا، في هذا السياق، إلى أن المنطقة المغاربية في حاجة إلى مثقفين متنورين قادرين على التأثير على صانعي القرار من أجل إقامة روح للتعايش والتساكن بين شعوب المنطقة. وكشف ابوبكر التطواني في هذا اللقاء على خطة مؤسسة الفقيه التطواني للعلم والأدب لعقد لقاءات متواصلة مع فعاليات مدينة سلا وشبابها للتعريف بقضية الصحراء وحيثياتها مساهمة منها في التعبئة الوطنية حول القضايا الوطنية وتحديدا قضية الوحدة الترابية للملكة. وفي مداخلته أكد الدكتورعبد الفتاح البلعمشي مدير "المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات" على أن الدبلوماسية الثقافية لابد أن تتأسس على بعدين أساسيين البعد الأول يتعلق بإستراتيجية الإشعاع والترويج لثقافة البلد وحضارته، وهو البعد الذي يمكن أن تضطلع به المراكز الثقافية والحضور القوي في منتديات الفكر المختلفة، وهذا النوع من الدبلوماسية الثقافية يمكن بلورته في كافة أنحاء العالم بمشاركة المثقفين والنخب الأكاديمية والفنانين وغيرهم سواء المتواجدين بالمغرب أو مغاربة العالم، والبعد الثاني يأخذ منهجية تعزيز نفوذ البلاد في محيطها وهو ما أسماه البلعمشي بإستراتيجية العمق لحفاظ المغرب على موقعه وارتباطاته كقطب إشعاع بالمنطقة، وهذا النوع يجب أن يركز على دول الجوار في شمال إفريقيا ودول جنوب الصحراء وذلك باستثمار ودعم القيم والعادات الموجودة بأقاليمنا الجنوبية بما فيها اللباس والفن والأدب لما لها من تشابه كبير مع مجتمع "البيظان" المتواجد في جنوبالجزائر وموريتانيا والسنغال وحتى شمال مالي وصولا إلى بوركينا فاصو. هذه الأبعاد الثقافية يضيف المتدخل قد تساهم في استثمار نوع من القدرة الذكية والناعمة المتوفرة للنخب الفكرية في خدمة المصالح والقضايا الوطنية..خصوصا أن المغرب يمثل نقطة التقاء حضارية بين العالمين الغربي والعربي –الأمازيغي و الإسلامي وأيضا الإفريقي، مشيرا إلى أهمية استثمار التنوع الثقافي الذي يتمتع به المغرب ومكانته الاستثنائية في التعايش بين الحضارات والثقافات. مبرزا أن حملة مشعل معاكسة الحقوق الوطنية ببساطة هم الجزائرواسبانياوجنوب إفريقيا، وهم يستثمرون هذا النوع من الدبلوماسية خصوصا في اسبانياوجنوب إفريقيا، الأولى تؤثر في عمقها الثقافي وامتدادها الإعلامي في أمريكا اللاتينية وفي مواقع أخرى لها ارتباط بالثقافة الإسبانية، والثانية تؤثر في الدول الأنكلوسكسونية التي تشكل امتدادا لها داخل إفريقيا، مشيرا إلى مواجهة الجزائر مفروض أن تتم بدعم دبلوماسية ثقافية تعزز العمق الثقافي للمغرب بالمنطقة، ومواجهة الأطراف الأخرى يفترض أن يعتمد على دبلوماسية الإشعاع الثقافي. كما ذكر البلعمشي بمطلب المركز المغربي للدبلوماسية الموازية في دجنبر 2009 المتعلق بإنشاء مؤسسة جامعة لكل أطياف وروافد الدبلوماسية الموازية بشراكة حقيقية مع الدولة لخلق جبهة وطنية متناسقة ومؤسسة على أبعاد معرفية ترتكن في جزء منها على البحث العلمي في مواجهة إكراهات تدبير القضية الوطنية، واعتبر أن هذا المطلب الملح لازال يحتفظ بأهميته وراهنيته. من جهته قال محمد عامر وزير الجالية المغربية المقيمة بالخارج، أنه علينا أن نستفيق ونعتبر أن قضيتنا الوطنية تحتاج إلى تعبئة جديدة، لأننا كقوى سياسية وقوى اجتماعية مقصرين، معتبرا أن اللقاء حول "رهانات الدبلوماسية الثقافية في خدمة القضية الوطنية" يفهم منه إشارة وترجمة للرسالة التي بعثها الشعب المغربي في مسيرة الدارالبيضاء الوطنية. واعتبر عامر في عرضه حول "التنمية الثقافية وإشكالية الهوية والاندماج لمغاربة العالم" أن الأغلبية من الطلبة المغاربة بالخارج وغيرهم من طليعة مغاربة العالم يدافعون عن القضية الوطنية لكنهم بالمقابل يجهلون عددا من خباياها، مبرزا أن الرهان اليوم هو المزاوجة بين اندماج مغاربة العالم داخل البلدان التي يقيمون بها، والحفاظ في نفس الآن على تقوية ارتباطهم مع الوطن. مؤكدا أن هذه المعادلة ليست متناقضة ولكن معادلة متكاملة. والوزارة تعمل على صياغتها وفق بلورة سياسة ثقافية جديدة ومتجددة. مؤكدا على أن البرنامج الطموح الذي يباشره في هذا الاتجاه ينبني على نقطتين أساسيتين تلعب فيهما الثقافة دورا مؤثرا: *الأولى هي كيف نساعد الأجيال الجديدة لتنجح في الاندماج، بالنظر إلى المكون الثقافي كعنصر يبعث على الثقة والاطمئنان، وهو عنصر اندماج بامتياز. وفي هذا السياق تحدث عن رؤيته لتقريب المغرب من المغاربة في الخارج، مبرزا المفهوم الجديد الذي تعتمده الدولة في إنشاء المراكز الثقافية وفق مبدأ الشراكة مع دول الاستقبال في إنشاء هذه المراكز في الدول التي تتعامل مع هذا المبدأ، وفي غياب ذلك تتعاطى الوزارة مع هذا البرنامج بشكل منفرد، محذرا من أن الشباب الذي يعيش صعوبة في الاندماج هو من يشعر بنفسه دون جذور. *والثانية تعتمد على المبادرات التي تهم الجالية والتي تقام داخل المغرب مذكرا على سبيل المثال بزيارة 1500 شاب من أصل مغربي تحت ضيافة بلدهم، وهو ما شكل نوعا من التواصل المرغوب، وخطوة في تعزيز الحوار، حيث أبانت شهادات المشاركات والمشاركين عن تحقيق المراد من هذه الإستراتيجية الجديدة. كما شكل عرض عبد الحفيظ ولعلو حول "الدبلوماسية الموازية ودور المجتمع المدني في الدفاع عن القضية الوطنية" شهادة مقنعة حول ما يتعرض له الفاعل في مجال الدبلوماسية الموازية، مؤكدا على ضرورة دعم الهيئات المعنية بهذا المجال ومنتقدا الأداء الذي تتعاطى به بعض المؤسسات مع المبادرات المختلفة.