قال هنري غينو، المستشار الخاص للرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، إن من يعتقد أن الأوضاع قد تعود إلى ما كانت عليه قبل الأزمة خاطئ، طالما لم تنته المضاربات، ولم يجر تنظيم الأسواق المالية وفق معايير دولية محددة، إذ "سيكون علينا مواجهة أزمات أخطر، لأن الدول لن تكون لها الإمكانيات الكافية للتدخل". هنري غينو المستشار الخاص للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وأشار المستشار، الذي يزور المغرب للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي، إلى أنه، رغم الصعوبات، فيمكن القول إنه أمكن تفادي الأسوء، لأن الدول والبنوك المركزية تعاملت بشكل أفضل مما يتوقع مع الأزمة، مضيفا أن مثل هذه الملتقيات تساهم بشكل كبير في تطوير الأفكار والنقاش من أجل مبادرات تنموية، يشارك فيها كل الفاعلين الاقتصاديين والثقافيين والسياسيين. - انتقلتم إلى المغرب، خصيصا، للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي. ما هو تقييمكم لموضوع هذا الحدث، سواء في ما يتعلق بمضمونه أو مجرياته؟ - إنه حدث مهم، لأن أغلبية الفاعلين، المهتمين بتنمية الحوض المتوسطي، يشاركون في هذا المنتدى. فهذا النوع من الملتقيات ضروري، لأن بعد أزمة 2008-2009، يجب إعادة النظر في الكثير من الأمور، التي لا يمكن تحريكها دون تحريك الأفكار أو العقليات. لهذا، من الأساسي أن تلتقي أفكار كل الفاعلين هنا، حتى يمكننا أن نتقدم. إنها فرصة، أيضا، للفاعلين في مجال السياسة والثقافة والاقتصاد، لمناقشة مشاريع ملموسة، وربط علاقات عمل، وهذا شيء ضروري إذا أردنا مضاعفة المشاريع واستعادة وتيرة النمو. - كانت هناك لقاءات وقمم قبل اندلاع الأزمة. ألم تجدوا أن الخبراء لم يتمكنوا من توقع أي شيء، وبالتالي قد نواجه المشكل نفسه في المستقبل؟ - صحيح أنه كانت الكثير من اللقاءات قبل الأزمة، التي لم تتوقع شيئا، أكثر مما برهنت عن وضوح رؤية مشتركة حول الوضع الحالي للاقتصاد العالمي، والنظام المالي والنقدي. لقد عشنا معا، وعلى الصعيد العالمي، وهما قاداتا إلى الكارثة. غير أنه كان هناك خبراء أنذروا بالاختلالات الاقتصادية والانحرافات المالية، لكن لم يجدوا منابر يصغى إليهم منها، إذ كان هناك تفكير موحد ومصالح لا أحد يريد التضحية بها، ما كان يخنق كل هذه الأصوات المنتقدة. فالأزمة وضعت حدا لكل هذا. والآن، نحن نعلم أنه لا يمكن أن نستمر على هذه الحال، وألا مخرج لاقتصاد يقوم على المال السهل والمضاربات والإيجار. لا يجب علينا أن ننخدع ونقول إن هناك، أزمة اقتصادية، من جهة، أزمة مالية وأزمة اجتماعية وأزمة بيئية، من جهة أخرى، إنها أزمات مرتبطة ببعضها البعض، وإذا لم ننتبه إليها، ستتسبب في أزمات سياسية خطيرة. فهل استقينا الدروس من الأزمة؟ هل اتخذنا التدابير اللازمة؟ ليس بعد. غير أن وجود مجموعة 20 واجتماعها، فهذا يشكل ثورة في حد ذاته. كما أن انطلاق الحديث عن تنظيم الاقتصاد العالمي، وتنظيم المالية والنظام النقدي، يعد تقدما كبيرا، لأنها كانت مواضيع يستحيل طرحها، قبل الأزمة، في المحافل الدولية. فلننظر إلى تطور المناقشات في الملتقيات الدولية، مثل دافوس. أو لنأخذ مثال العملات، التي كان موضوعها، قبل أشهر، بلا أهمية، بالنسبة إلى عدد من الملاحظين، الذين سرقهم العمل اليومي، وأدركتهم حمى الأسواق، وأهوسهم المدى القصير. ثم بعدها وقفنا على احتمال وقوع حرب نقدية، سرعان ما أصبح معها مشكل النظام النقدي العالمي في صلب المناقشات. إن فرنسا التي ستترأس مجموعة 20، ومجموعة الثماني، لمدة سنة، ابتداء من شهر دجنبر، ستضع هذه المواضيع على رأس جدول أعمالها، وهذا ما يشكل في حد ذاته حدثا. فالعقليات والعادات لا تتغير بين عشية وضحاها. صحيح أن الأزمة لم يكن لها آثار كارثية، مثل ما كان سيصبح عليه الحال لو لم يكن رد فعل البنوك المركزية والدول أكثر نشاطا وحيوية. لكن أن نتفادى الأسوأ، والإحساس بأن النمو سينطلق مرة أخرى، فهذا يساهم في إطلاق مجهودات إصلاح أكبر. بيد أنه إذا لم نعد النظر في الكثير من الأمور، ولم نغير في العمق معاييرنا وتنظيمنا وقواعدنا، بشكل جماعي، فإننا سنكون أمام التأثيرات نفسها. فكل من يعتقد أن بالإمكان عودة الأمور إلى ما كانت عليه في السابق، ليس خاطئا فحسب، بل يتحمل مسؤولية ثقيلة جدا أمام التاريخ. فلا شيء سيعود لحاله، طالما ستلعب المضاربات الدور نفسه، كما في السنوات الماضية، وطالما لم تكن هناك قواعد قانونية، وطالما ظلت الأسواق تعمل بشكل جامح، ولم تكن هناك شفافية، إذ سيكون علينا مواجهة أزمات أخطر، لأن الدول لن تكون لها الإمكانيات الكافية للتدخل. فحين تغيب الثقة في زمن الأزمة، نحتاج أن تتدخل البنوك المركزية، والدول، لتفادي الانهيار، وإنقاذ البنوك والمؤسسات المالية، مقابل أن تحترم البنوك والمؤسسات المالية الشروط. من الواضح أنه ما زال هناك الكثير مما يجب القيام به، من أجل تقنين النظام المالي، وتنظيم البنوك، والأسواق، ومن أجل استقرار أسعار المواد الأولية... إنها الإشكالية الدائمة، أن نترك المضاربات هي التي تحدد سعر المواد الأولية، والتغذية، والطاقة والمعادن، وصرف العملات، وقيم المقاولات. - بالنسبة إلى تأثيرات الأزمة، كان هناك أثر تراجع بعض الاقتصاديات. مثلا، في فرنسا، كان لذلك تأثير على مراكز النداء، ما أثار قضية اللاتمركز. برأيكم، هل هي مبادرات منتجة؟ - أعتبر أن الحمائية فكرة خاطئة. لكن الشركات واقتصاديات الدول النامية لا يمكنها تحمل أن ترى كل شيء قد انتهى. إنها شركات في أزمة عميقة. وعلينا أخذ ذلك بالاعتبار. فهذه الأزمة تقتضي طلبا كبيرا للحمائية. وإذا لم يلق الطلب جوابا مناسبا، ستلجأ الشعوب إلى طلبات غير معقولة. ولكي نتفادى الحمائية، وانغلاق عدد من الدول النامية على نفسها، يجب أن تكون هناك قواعد متبادلة، وأن تكون هناك منافسة شريفة. يجب أن يشعر كل واحد بأن لديه ما يربحه من الانفتاح ومن العولمة. وموضوع مراكز النداء يحيلنا على قضية جوهرية، إذ أن إعادة توزيع الأوراق في الاقتصاد العالمي، أمر لا يمكن تفاديه مع ظهور منافسين جدد. لكن هناك شكلين للعولمة، الأول، هو ما نعيشه منذ 30 سنة، إذ تحاول عدد من الدول أن تتطور على حساب دول أخرى، وهذا بالاستحواذ على مناصب شغلها، وعلى حصتها في السوق، وتكنولوجيتها، وباستعمال الإغراق النقدي والاجتماعي والضرائبي، وأيضا البيئي. هذا النوع من العولمة لا يمكن أن يكون مستداما. والنوع الثاني، ظهر في عدة محطات من التاريخ، خلال "30 المجيدة" مثلا، حيث الشركات انفتحت، وقبلت بحرية المبادلات، والمنافسة الشريفة، وحيث ساهم كل واحد، من خلال تطوره، في تنمية الآخرين. هذا يفترض أن عددا من الدول لا ترى أن الهدف الأكبر هو مراكمة الفائض، بل تحسين جودة الحياة، والقدرة الشرائية، والحماية الاجتماعية، وتنمية السوق الداخلية، تصبح معه، مزودة ومستهلكة، في الوقت نفسه. إنه نوع العولمة الدائم، إذ لا ينبغي مواجهة التعاون بمحاولة الحمائية. لذا نريد أن نبدأ بتنظيم الفضاء الأورو متوسطي، لنجعل منه المختبر الكبير للاستثمار المشترك، والتنمية المشتركة، لأن، بالتعاون والمسؤولية المشتركة، يمكننا التعبير أفضل عن مصيرنا المشترك. وبصرف النظر عما نقوم به على المستوى الثنائي، الذي يبقى مهما، نحن بحاجة إلى إطار متعدد أكثر توسعا. علينا مناقشة، معا، الغذاء، والفلاحة، والإنتاج الصناعي... وعلينا التفكير، معا، في توزيع تسلسل القيمة، بين أوروبا ودول البحر المتوسط، والتفكير في إطار تنظيمي وقانوني حول الاستثمار. فمثلا، بالنسبة إلى المخطط الشمسي المتوسطي، الذي يهم المغرب، بشكل خاص، أنشأنا تجمعين لكبريات المقاولات، الأول، لإنتاج الطاقة، سمي "ديزيرتيك"، والثاني، لتأسيس التجهيزات الأساسية للنقل الكهربائي بين الضفتين، سمي "ترانسغرين". وهكذا، يمكن لكمية من الكهرباء الشمسية المنتجة بالجنوب، أن تصدر نحو أوروبا، التي تحتاج إليها لبلوغ أهدافها، في مجال الطاقة النظيفة. ومن ثمة، يمكن جعل المشاريع ذات مردودية. إنه المنطق والروح، التي يجب أن نعمل في إطارها. وهذا هو نوع المشاريع، التي يجب أن نعدها سويا، إذ الكل رابح ومستفيد منها. وهكذا يمكننا بناء الاتحاد من أجل المتوسط. - غير هذا المشروع، يبدو لنا أن الاتحاد من أجل المتوسط من الآمال المرغوب فيها بقوة.. vœux pieu - أكيد. أنه لا يمكننا بناء وحدة المتوسط المفقودة، في يوم وليلة. فحلم الوحدة يصطدم بمآس وكوارث تمزق منذ قرون العالم المتوسطي. لكن أوروبا المنقسمة، هي الأخرى، منذ زمن، بحروب عديدة لم تتوحد بين عشية ضحاها. فالمسيرة نحو الوحدة لا يمكن إلا أن تكون مسلسلا طويلا. لكن منذ سنتين، نحن في تقدم بهدف أن يصبح، شيئا فشيئا، التضامن المتطور بين الضفتين، مسلسلا لا محيد عنه. ومن هذا المنطلق، رغم الصعوبات، ورغم النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وكل النزاعات الأخرى، التي تمزق دول المتوسط، فإننا نتقدم مع ذلك. لقد اجتازت المنطقة، منذ سنتين، أزمات رئيسية. ومع ذلك، لم تفكر أي دولة عضوة من مغادرة الاتحاد من أجل المتوسط. - لكن، يبدو من الصعب الحفاظ على هذا الاتحاد، في ظل هذه الأزمات؟ - نعم صعب جدا، هناك النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، قضية الصحراء، قبرص... دون إغفال الأزمة الاقتصادية، والأزمة الغذائية، التي قد تسفر، مستقبلا، عن مواجهات ضد الجوع، في بعض الدول، إذا ما ارتفعت أسعار المواد الأولية، فجأة، بسبب الخصاص والمضاربات... فلهذا السبب، بالضبط، يجب بذل المزيد من الجهود لمحاولة بناء الاتحاد من أجل المتوسط. إننا لم نتوقف، في أي لحظة، عن العمل على الأولويات الكبرى، المحددة لقمة 13 يوليوز 2008. صحيح أن المخطط الشمسي، هو الأكثر تقدما، لكن تطهير الحوض المتوسطي من التلوث، هو الآخر يتقدم، وكذا التعاون الجامعي، أو في مجال الحماية المدنية أو سياسة الماء. عملنا، أيضا، من أجل تعبئة رؤوس الأموال، إذ أسسنا صناديق. ووضعنا أساس "أنفرا ميد" لتمويل البنيات التحتية، في الحوض المتوسطي، مع صناديق الإيداع والتدبير الفرنسي والإسباني والمغربي، ومؤسسات مالية مصرية، وعدد آخر من الشركاء سيلتحقون بالمشروع. ونأمل أن نصل إلى مليار أورو، من التمويل الخاص، في مرحلة أولى. ومع إمكانية الاقتراض، سنصل إلى مليارين من القدرة الاستثمارية. ويمكنني أن أشير، أيضا، إلى مساهمة "كاربون المتوسطي"، أو أيضا، إلى الرفع من انخراطات البنك العالمي. فمنذ البداية، نعتقد أن الاتحاد من أجل المتوسط مكن من تعبئة ما يقارب 8 ملايير أورو إضافية، من أجل المتوسط. إنها البداية. - بعد تأجيل قمة رؤساء الاتحاد من أجل المتوسط، أين أنتم اليوم من هذه القمة، وهل جرى تحديد أجل آخر؟ - تقررت القمة مبدئيا، في يونيو 2010، بعد سنتين من انعقاد القمة الأولى، في 13 يوليوز 2008، بباريس، التي أطلقت الاتحاد. فقررنا باتفاق مشترك تأجيله. لأن الظروف السياسية لم تكن متوفرة. ورغم أن الاتحاد من أجل المتوسط لم يوجد، في الأصل، لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، فإنه لا يمكن تجاهله. فهذا النزاع هو في قلب العلاقات ما بين الدول المتوسطية. لذا حددنا تاريخا آخر، هو 21 نوفمبر، ببرشلونة. صحيح أننا نجد أنفسنا، مرة أخرى، في ظرفية صعبة ومسدودة في قضية الشرق الأوسط، لكن من المهم جدا أن تنعقد هذه القمة. لقد اقترحت فرنسا أن تستند إلى مبادرة للسلام، واقترحت إشراك كل الدول، التي تعتبر نفسها معنية، ومنخرطة في مسلسل السلام، مثل روسيا والولايات المتحدة. فسويا، يمكننا إيجاد وسيلة للخروج من حالة الانحصار، التي نعيشها اليوم. وستكون المرة الأولى، التي ستحضر فيها كل الدول المعنية، بما فيها دول الجنوب. إنها فرصة سانحة من أجل الدفع بقضية السلام إلى الأمام. كما ستكون، أيضا، مناسبة لتسوية المشاكل المؤسساتية للاتحاد من أجل المتوسط. إننا أقمنا الأمانة العامة للاتحاد، ولأول مرة نجد في منظمة، مثل هذه، أمينا عاما مساعدا فلسطينيا، وآخر إسرائيليا، يعملان معا. الآن، يجب حل مشكل التمويل لهذه الأمانة. كما يجب حل مشكل الرئاسة المشتركة، وتعيين الرؤساء الجدد، بالنسبة إلى السنتين المقبلتين. سنقترح أيضا، توسيع النقاش ليشمل قضايا، مثل الغذاء، الذي نعتبره أساسيا أو قضية الهجرة، أو أيضا، قضايا مثل التنمية الحضرية، ومشروع إنشاء بنك متوسطي، ومركز متوسطي للبحث العلمي. - هل لديكم ضمانات على أن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، سيستجيبان لدعوتكم؟ - حتى الآن لم تطلب أي دولة، عضوة في الاتحاد، تأجيل القمة.