بدأت الحركة تدب تدريجيا أمام محلات بيع الأسماك المقلية، في درب غلف، بالدارالبيضاء، بعد 30 يوما من الركود، أقفلت خلالها تلك المحلات أبوابها أو غيرت نشاطها، ليتكيف مع شهر رمضان الماضي.سيارات الزبناء مركونة بطريقة عشوائية أمام محلات بيع السمك المقلي (خاص) بعودة الزبناء من أصحاب السيارات إلى مطاعمهم المفضلة، المختصة في قلي جميع أنواع السمك، عادت منبهات العربات وضجيج محركاتها ليقض مضجع سكان وتجار شارع الداي ولد سيدي بابا، المعروف بشارع "واطو"، إذ توجد على طول هذا الشارع أشهر محلات قلي السمك بالعاصمة الاقتصادية، من بينها سناك "بحيليسة"، وسناك "أمين"، وسناك "السعادة"، بالإضافة إلى محلات صغرى، منتشرة هنا وهناك، لها زبائنها أيضا. في غياب مواقف للسيارات، تحدث الفوضى في الشارع المذكور، إذ تتحول الرغبة في التلذذ بوجبة سمك متنوعة إلى نقمة يتقاسمها السكان والسائقون على السواء. تبدأ مشكلة سكان الحي حوالي الساعة الثانية عشرة ظهرا، ولا تنتهي إلا بحلول المساء، ويزداد الأمر صعوبة خلال نهاية الأسبوع، إذ يكثر إقبال الزبائن على هذه المحلات، وترتفع بذلك نسبة الإزعاج بين القاطنين قرب المحلات السالفة الذكر، خاصة أن الباعة المتجولين يستغلون، بدورهم، تهافت الناس على تلك المطاعم، ليعرضون بعض الأشياء للبيع، مثل الأواني، والساعات اليدوية، والنظارات الشمسية، فتحدث "فوضى ما وراءها فوضى"، حسب تعبير المتضررين، إضافة إلى رائحة قلي السمك، التي تصيب السكان بالغثيان.. وتظهر إلى الوجود كل يوم محلات جديدة تنضاف إلى القديمة، حيث لا يخلق وجودها أي عائق لأن لها أيضا زبائنها ومميزاتها وخصوصيتها، وكما يقول سكان الحي في درب غلف "بين سناك وسناك تلقى سناك". عادة ما تكون محلات بيع السمك قريبة من المنبع أي بمحاذاة الميناء، لكن الجدير بالذكر أن هذه المحلات المتخصصة في بيع السمك، توجد بعيدا عن ميناء الدارالبيضاء وفي حي شعبي صغير، لكن هذا لم يمنعها من استقطاب الزبائن من مختلف سكان البيضاء، بحيث يحج إليها الزائرون من مختلف المدن المغربية وحتى من خارج ارض الوطن، ومن مختلف الشرائح الاجتماعية غنيها وفقيرها، ويتلخص هدفهم جميعا في شيء واحد، ألا وهو الاستمتاع بوجبة سمك مقلي شهي وصلصة مميزة بنكهة خاصة، ترضي احتياجاتهم ورغباتهم. حكاية حوت درب غلف تبدأ قصة السمك في درب غلف تحديدا بشارع واطو"، منذ أكثر من خمسين سنة، إذ ظهرت أولى معالمها مع محمد نجم الدين، الملقب ب "بحيليسة" والمزداد سنة 1934، و لُقب بهذا الاسم بسبب قصة مضحكة، عندما كان عمره لا يتجاوز الثانية عشر. يحكي "بحيليسة"، الذي فتح أول محل لبيع السمك سنة 1954، قصته مع هذا اللقب، الذي يحمله مطعمه، بالقول: "دخلت في عراك مع أحد الملاكمين المحترفين بالحي، والنتيجة المفترضة كانت هي أن ينتصر علي خصمي، لأنه كان ملاكما قويا ومتمرسا، لكنني خلقت المفاجأة وسددت له ضربة مباغتة وقاضية طرحته أرضا، فقد إثرها وعيه، واجتمع المارة حولنا، وبالصدفة كان يوجد بالقرب من مكان العراك شرطي، أمسكني وأراد أن يقودني إلى "الكوميسيرية"، فتحججت بأنني يتيم، وأنني دافعت فقط عن نفسي من بطش ذلك الملاكم، فضحك الشرطي، وقال لي "وراك بحيليس مع راسك"، ومن هنا أتى هذا اللقب، الذي بقي ملازما لي طيلة سنوات عمري، حتى بات الناس لا ينادوني إلا به". زبائن "بحيليسة" من مختلف الشرائح، ومن مختلف الجنسيات، فصيته تعدى درب غلف، كالعاصمة الاقتصادية، ليصل إلى العالمية، أما نكهة صلتصه فوصلت إلى ديار المهجر، وحتى إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، كما تحكي زوجته، إذ يقوم العاملون في محله بقلي ما بين 300 إلى 500 كيلوغرام من السمك في اليوم، ويرتفع هذا العدد مع نهاية الأسبوع. نجاح "بحيليسة" أدى إلى انتشار مزيد من محلات قلي السمك بدرب غلف، حتى أصبح عددها يفوق 15، ثلاثة منها في زنقة واحدة، تحمل جميعا اسم "سناك أمين"، المتخصص في قلي جميع أنواع فواكه البحر، مثل "القمرون"، و"الكلامار" و"الميرنا" و"الصول"، وشوربة السمك، بالإضافة إلى "البايلا" (أكلة إسبانية الأصل). إلى جانب هذين المطعمين، اللذين فاق صيتهما حدود الدارالبيضاء والمغرب عموما، هناك سناك آخر، لا يقل شهرة عنهما، وهو "سناك السعادة".