يعكس المجهود الجبار والعمل الدؤوب لمؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، الإرادة الملكية السامية في ضمان الكرامة الإنسانية لكافة فئات المجتمع وشرائحه، لا سيما منهم فئة السجناء، الذين شاءت الأقدار أن تقيد حريتهم. وتجسيدا لهذا الحرص المولوي السامي، مافتئت مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء تعمل، منذ إحداثها، على بلورة مبادرات ومشاريع رائدة قصد تمكين نزلاء المؤسسات السجنية، ومراكز حماية الطفولة، من تمضية عقوباتهم في ظل ظروف تحافظ على احترامهم لذواتهم، وتضاعف إحساسهم بالمسؤولية تجاه أنفسهم وأسرهم والمجتمع، وتصون كرامتهم، انسجاما مع الغايات التي ابتغاها المشرع. ويشكل العمل الرائد الذي تضطلع به المؤسسة، المحدثة سنة 2002، في مجال إعادة الإدماج الاجتماعي والمهني للسجناء، بمعية مختلف الشركاء والقطاعات المعنية، رسالة بليغة لتشجيع كافة مكونات المجتمع على اتباع هذا النهج وتعبئة الوسائل الضرورية لتحويل الفضاء السجني المغلق إلى مشتل لإعادة التأهيل والإدماج، من خلال وضع آليات وإمكانيات معرفية تمكن السجين، بعد الإفراج عنه، من الاندماج الفعال والسليم داخل المجتمع وفي عالم الشغل، وبالتالي الإسهام في تنمية البلاد. لذلك، فإن المتتبع لمنجزات هذه المؤسسة سيقف، بلا شك، على حجم المجهودات المبذولة لفائدة نزلاء المؤسسات السجنية على أكثر من واجهة، التي بدأت تعطي ثمارها، لا سيما في ميادين التربية والتكوين المهني، والصحة، والأنشطة الثقافية والرياضية، وكيف لا وقد وضعت المؤسسة نصب عينها أن العزل السجني لا يعني إطلاقا الإقصاء الاجتماعي. ولهذه الغاية، واسترشادا بالتوجيهات الملكية السامية سطرت المؤسسة، خلال الفترة من 2005 إلى 2010، برنامج عمل يستهدف نحو60 ألف شخص، ويتضمن مجموعة من المحاور تهم، على الخصوص، مجالات التنشيط السوسيو ثقافي والرياضي، بجميع المؤسسات السجنية، ومحاربة الأمية، وتوسيع دائرة التكوين الأساسي لفائدة السجناء، وإحداث ورشات للاستئناس في مجال الصناعة التقليدية، والمهن الصغيرة، وبناء وتهيئة سلسلة من مراكز التكوين المهني في عدة مؤسسات سجنية. وتشمل مسالك التكوين بهذه المراكز عدة مهن، منها نجارة الخشب، ونجارة الأبنوس، وكهرباء البناء، والترصيص الصحي، والصباغة، والحدادة، والتلحيم، والبستنة، وميكانيك السيارات، والمطالة، والخياطة، والمعلوميات، والحلاقة والتجميل ...الخ. ويتيح التكوين بهذه المراكز الحصول على شهادات يسلمها مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، مع إغفال الإشارة إلى السجن كفضاء للتكوين، وفي حالة الإفراج قبل نهاية مسار التكوين يوجه المتدرب نحو أقرب مركز مهني من سكناه لإكمال دراسته. وانطلاقا من الوعي بخطورة التخلي عن المفرج عنه، وبأهمية الرعاية اللاحقة في تيسير عملية إعادة الإدماج في نسيج المجتمع، بادرت المؤسسة إلى تأسيس "مراكز الرعاية اللاحقة"، التي أنيطت بها مهمة مساعدة المفرج عنهم عن طريق المصاحبة الاجتماعية والتتبع، من أجل تيسير إعادة إدماجهم في المجتمع كأشخاص أسوياء، شأنهم في ذلك شأن باقي أفراد المجتمع. ويتولى تسيير هذه المراكز، التي انطلق العمل بها في بعض المدن، وسيستكمل برنامج إحداثها بباقي جهات المملكة، مساعدون اجتماعيون، وخلية متخصصة في البحث عن الشغل، وحل المشاكل والتتبع الصحي. وبفضل المصاحبة الاجتماعية التي تؤمنها هذه المراكز، خصوصا عن طريق تمتين الروابط مع الأسر والمشغلين، والسلطات والجماعات المحلية، وبعض مكونات المجتمع المدني، وبفضل تثمين فترة الاعتقال، وبلورة المشروع الشخصي للنزلاء، فإن عملية إعادة الإدماج أصبحت تحقق للمفرج عنهم كل الظروف، التي تشعرهم بمواطنتهم الكاملة، وتيسر لهم سبل الاندماج والمساهمة في التنمية الشاملة للمغرب. وإلى جانب إحداث مراكز التكوين المهني ومراكز الرعاية المصاحبة واللاحقة للسجناء، تولي المؤسسة اهتماما خاصا للأنشطة الفنية والترفيهية والتربوية، من أجل إتاحة الفرصة لإبراز وصقل العديد من المواهب التي يحملها نزلاء السجون، التي يؤكدون من خلالها أنه بمقدورهم الانصهار مجددا في نسيج المجتمع. الواقع أن العمل النبيل والجاد الذي تقوم به مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء ماهو إلا لبنة من لبنات المجتمع الحداثي الديمقراطي، الذي يرسي جلالة الملك محمد السادس، دعائمه بعزم وإصرار أصيلين، والذي لا يستثني أي فرد أو فئة من فئات المجتمع بمن فيهم الأشخاص الذين سلبت حريتهم لارتكابهم خطأ في حق المجتمع، حتى لا يحول هذا الخطأ دون تمتعهم بحقهم في العيش الكريم، وبظروف ملائمة داخل المؤسسة السجنية وتأهيلهم للعودة السوية إلى رحاب المجتمع كأعضاء فاعلين.