في سبعينيات القرن الماضي، اشترك الدكتور جاري ميلر، المبشر الكندي النشيط، وأستاذ الرياضيات والمنطق في جامعة تورنتو، في مناظرة شهيرة عن الإسلام والمسيحية مع الداعية الإسلامي أحمد ديداتممثلا للجانب المسيحي، وكان منطقه قويا وحجته حاضرة وغلب بحثه عن الحقيقة على تعصبه لدينه، حتى أن عددا من العلماء المسلمين، الذين حضروا المناظرة، تمنوا لو أسلم هذا الرجل. بعد سنة من المناظرة، وتحديدا سنة 1978، أشهر ميلر إسلامه وغير اسمه إلى عبد الأحد عمر، وعمل لسنوات في جامعة البترول والمعادن بالسعودية، قبل أن يتفرغ تماما للدعوة للإسلام وتقديم البرامج التليفزيونية والإذاعية والمحاضرات العامة، التي تعرض الإسلام عقيدة وشريعة. فكيف أسلم هذا المبشر الكندي النشيط ؟ في عام 1977، قرر الدكتور جاري ميلر أن يقدم خدمة جليلة للمسيحية، بالكشف عن الأخطاء العلمية والتاريخية في القرآن الكريم، بما يفيده وزملاؤه المبشرين عند دعوة المسلمين للمسيحية، ولكن الرجل، الذي دخل بمنطق تصيد الأخطاء وفضحها، غلب عليه الإنصاف وخرجت دراسته وتعليقاته أفضل مما يمكن أن يكتبه معظم المسلمين دعاية للكتاب الحكيم. كان أول ما أذهله في القرآن الكريم صيغة التحدي، التي برزت في مواضع كثيرة، مثل "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا"، "فأتوا بسوره من مثله"، أو 10 آيات أو آية واحدة، دخل الرجل الحلبة متحديا وخرج منها منبهرا بما وجده. كان يتوقع أن يجد القرآن الكريم، الذي كتب منذ 14 قرنا، يتكلم عن الصحراء، خصوصا أن العربي في تلك الأيام كانت جل كتاباته عن بيئته مثل الصحاري والخيول، ومدح نفسه وقبيلته وانتصاراته، لكنه ذهل عندما اكتشف أن هذا الكتاب يحوي أشياء لا توجد في أي كتاب آخر في هذا العالم . توقع، أيضا، أن يجد بعض الأحداث العصيبة، التي مرت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم مثل وفاة زوجته خديجة، رضي الله عنها، أو وفاة بناته وأولاده، لكنه لم يجد شيئا من ذلك. ومن الآيات، التي وقف الدكتور ملير عندها طويلا، الآية 30 من سورة الأنبياء "أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شي حي أفلا يؤمنون"، يقول ميلر في كتابه "القرآن المذهل"، "إن هذه الآية هي موضوع البحث العلمي، الذي حصل على جائزة نوبل في عام 1973، وكان عن نظرية الانفجار الكبير، وهي تنص على أن الكون الموجود هو نتيجة انفجار ضخم حدث منه الكون، بما فيه من سماوات وكواكب، فالرتق هو الشيء المتماسك، في حين أن الفتق هو الشيء المتفكك. ويؤكد ميلر أنه "لا يوجد مؤلف في العالم يمتلك الجرأة ويؤلف كتابا ثم يقول هذا الكتاب خال من الأخطاء، ولكن القرآن على العكس تماماً يقول لك لا يوجد أخطاء بل يتحداك أن تجد فيه خطأ واحدا، ولن تجد". ولا يستعرض القرآن أيضا، حسب ميلر، من الأحداث العصيبة، التي مرت بالنبي، صلى الله عليه وسلم، مثل وفاة زوجته خديجة أو وفاة بناته وأولاده. بل الأغرب أن الآيات، التي نزلت تعقيبا على بعض النكسات في طريق الدعوة، كانت تبشر بالنصر، وتلك التي نزلت تعقيبا على الانتصارات كانت تدعو إلى عدم الاغترار والمزيد من التضحيات والعطاء. لو كان أحد يؤرخ لسيرته لعظم من شأن الانتصارات، وبرر الهزائم، ولكن القرآن فعل العكس تماما، لأنه لا يؤرخ لفترة تاريخية بقدر ما يضع القواعد العامة للعلاقة مع الله والآخرين. ويتوقف ميلر عند قوله تعالى "قل إني أعظكم أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا"، مشيرا إلى التجربة التي أجراها أحد الباحثين في جامعة تورنتو عن "فعالية المناقشة الجماعية"، وفيها جمع أعدادا مختلفة من المناقشات، وقارن النتائج، فاكتشف أن أقصى فعالية للنقاش تكون عندما يكون عدد المتحاورين اثنين، وأن الفعالية تقل إذا زاد هذا العدد. يرى ميلر أن هناك سورة كاملة في القرآن تسمى سورة مريم، وفيها تشريف لمريم عليها السلام، بما لا مثيل له في الكتاب المقدس، بينما لا توجد سورة باسم عائشة أو فاطمة. وكذلك فإن عيسى عليه السلام ذكر بالاسم 25 مرة في القرآن، في حين أن النبي محمد لم يذكر إلا 5 مرات فقط، ويشير إلى أن المنكرين للوحي والرسالة، يقولون إن الشياطين هي التي كانت تملي على الرسول ما جاء به، والقرآن يتحدى "وما تنزلت به الشياطين، وما ينبغي لهم وما يستطيعون". فهل تؤلف الشياطين كتابا ثم تقول لا أستطيع أن أؤلفه، بل تقول إذا قرأت هذا الكتاب فتعوذ مني؟ لو كان أحدهم في موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وهما محاصران في الغار، بحيث لو نظر أحد المشركين تحت قدميه لرآهما. ألن يكون الرد الطبيعي هو "دعنا نبحث عن باب خلفي"، أو "أصمت تماما كي لا يسمعك أحد"، ولكن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال بهدوء تام "لا تحزن إن الله معنا، الله معنا ولن يضيعنا. هل هذه عقلية كذاب أو مخادع، أم عقلية نبي ورسول يثق بعناية الله له؟ نزلت سورة "المسد" قبل وفاة أبي لهب بعشر سنوات، وكان أمامه 365 × 10 = 3650 فرصة لإثبات أن هذا الكتاب وهم، ولكن ما هذا التحدي؟ لم يسلم أبو لهب ولو بالتظاهر، وظلت الآيات تتلى حتى اليوم. كيف يكون الرسول واثقا، خلال عشر سنوات، أن ما لديه حق، لو لم يكن يعلم أنه وحي من الله؟ وتعليقا على قوله تعالى "ما كنت تعلمها أنت ولا قومك"، تعقيبا على بعض القصص القرآنية، يقول ميلر لا يوجد كتاب من الكتب الدينية المقدسة يتكلم بهذا الأسلوب، إنه يمد القارئ بالمعلومة ثم يقول له هذه معلومة جديدة!! هذا تحد لا مثيل له؟ ماذا لو كذبه أهل مكة، ولو بالادعاء، فقالوا: كذبت كنا نعرف هذا من قبل. ماذا لو كذبه أحد من الباحثين بعد ذلك، مدعيا أن هذه المعلومات كانت معروفة من قبل؟ ولكن كل ذلك لم يحدث.