وتغيب الشمس غاربة في أفق أحد أحياء واشنطن، فينهي أهل الحي المجتمعون في المسجد صيامهم بتناول تمرات قليلة ثم يقيمون صلاة المغرب. وفي شقة في شمال ولاية فرجينيا يتجمع الأصدقاء لتناول طعام الإفطار معا. وفي المطاعم ومساكن الطلاب في الجامعات وفي البيوت في المنطقة الكبرى للمدينة يتجمع الصائمون لإنهاء صيام يومهم من أيام رمضان. فأهلا برمضان في واشنطن حيث الجالية المسلمة منتشرة وناشطة تتأكد أن هناك الكثير من الوسائل التي يحتفلون بها ويحتفون بأقدس أيام السنة. تقول منال بخش التي عاشت كل حياتها في واشنطن "إن هناك الكثير مما يجري في واشنطن كل ليلة. فلا حاجة للذهاب إلى المسجد. يمكن الذهاب إلى بيت صديق، ويمكن الذهاب إلى مطعم." بدأ شهر الصوم بإطلال هلال رمضان في 11 غشت على 1.5 بليون مسلم في أنحاء العالم. يؤمن المسلمون بأن رمضان هو الشهر الذي أنزلت فيه آيات القرآن وأوحيت للنبي محمد(ص) قبل أكثر من 1,400 سنة، وهم يفيدون من الشهر كفترة للتأمل الروحاني وتجديد الإرادة والانضباط الشخصي. صيام كل يوم من أيام الشهر الفضيل ليس سهلا لا سيما وأن رمضان هذه السنة صادف شهر غشت بطول أيامه وحرّها. إذ يطول النهار نحو 14 ساعة من طلوع الشمس إلى مغربها ويأتي الشهر بأحر أيام السنة وأعلاها نسبة في الرطوبة في محيط واشنطن. وعلى أية حال، يؤكد المسلمون أن ما يعنيه رمضان أكثر من مجرد الصيام. فهو للكثيرين وقت للعطاء ورد الجميل. وأما الذين لا طاقة لهم على الصيام – بسبب تقدم السن أو المرض أو الحمل أو غيرها من الأسباب الصحية – فيلتزمون بإطعام مسكين طوال الشهر. وبالمناسبة أقامت عدة جماعات مسلمة في الأسبوعين الماضيين مآدب إفطار لجمع الأموال لمساعدة ضحايا كارثة الفيضانات المدمرة في باكستان. قالت سارة أبو لغد المولودة في السعودية ونشأت في ولاية ويسكونسن وتقيم الآن في واشنطن، الصيام "يأتي نوعا ما مع الواقع. فعندما يدرك الناس أن الصيام ليس مجرد الامتناع عن الطعام والماء وأنه تجربة في ضبط النفس والتركيز، يصبح أقل أهمية من حيث الجوع والشهية. ولكن بغض النظر فإنه يكون مؤلما عندما يخرج أحد زملاء العمل كيسا من الفشار" حبوب الذرة المشوية." وعلى الرغم من العيش والعمل بين أناس لا يصومون، يجد معظم الناس أن طبيعة التعدد الثقافي في واشنطن يجعلها مكانا جذابا لقضاء رمضان. بشرى زرتشت التي كانت تعيش في النرويج من قبل تقول "أشعر في واشنطن – باعتباري أرتدي الحجاب وكوني مسلمة– أن الناس أكثر انفتاحا. لقد فوجئت تماما عندما وجدت التمر (الطعام التقليدي للإفطار وإنهاء الصيام) في محال (السوبرماركت) العادية." ومع أن رمضان هو في العادة وقت لتجمع الأسرة فإن في منطقة واشنطن عددا كبيرا من الشباب الذين يعيش كثيرون منهم بعيدين عن بيوتهم وأقربائهم فهم يتأكدون من أن لا يبقى أحد دون أن يشمل ويؤخذ في الحسبان. وتوضح أبو لغد التي تسكن منطقة واشنطن منذ ثلاث سنوات قائلة "يوجد هنا كثير من الناس بغير عائلاتهم، ولذا فإن اللقاء على الإفطار يتمخض عن اجتماع كثير من الشباب وقلة من الأطفال الذين يركضون بين أرجلهم، وهو أمر يختلف كثيرا عن أي مجتمع عشت فيه. فالنشاط والحمية هنا في رمضان فريدان." يعني تنوع الجالية الإسلامية في منطقة واشنطن أيضا أنه بغض النظر عن التقاليد الخاصة، فهناك إفطار متوفر للجميع. وتشارك لندسي ستيفنسون وهي عالمة سابقة في برنامج فولبرايت عاشت في الكويت سنتي 2007 و2008 في إفطارين كل أسبوع تقيم كلا منهما جماعة مختلفة. ففي مساء الثلاثاء تحضر إفطارا للنساء فقط. وتحضر الأربعاء إفطارا مع فريق تعليمي مختلط يسمى حلقة واشنطن للقرآن التي تضم أشخاصا من جماعات عرقية وثقافية وطائفية ومهنية مختلفة. وتقول ستيفنسون " كلتا الجماعتين من الشباب الأميركيين المسلمين من الفئة العمرية بين 20 و30 سنة، وأعتقد أن الكثيرين منّا يشعرون كأن هذه بداية لنشوء مجتمع أميركي إسلامي محلي حقيقي يرى نفسه مستقلا بالفعل عن الإسلام الذي يأتي به المهاجرون الجدد ويجمع بين الدين والثقافة." أما تيدي غالاوي الذي اعتنق الإسلام في العام 2009 وأمضى أول رمضان له في سان دييغو بكاليفورنيا حيث كان يقوم بتدريب مشاة البحرية فقال إن الوضع كان صعبا. كان الجو حارا وكانت أيام عمله تطول 12 ساعة في حين كان وحده الصائم، ولكنه التزم. يقيم غالاوي حاليا في ولاية فرجينيا ويستضيف لقاء جماعيا لمجموعة أخرى من المسلمين تضم نحو 50 عضوا ويشجع أصدقاءه غير المسلمين على تجربة الصيام والاحتفال بتناول الإفطار معه. ويقول "أنا ليست لي عائلة أصوم معها، ولذا فإنني أدعو الناس للصيام معي." وقال غالاوي إنه لكونه عضوا مستجدا على الإسلام فإن نظرته إلى المجتمع الإسلامي تختلف عن نظرة الذين نشأوا مسلمين، لكن رمضان في نهاية المطاف هو الشعور بالمعيّة أو التجمع. ويضيف قائلا "ينتابني شعور طيب لكوني جزءا من شيء يلتقي عليه هذا العدد من الناس لأدائه معا بغض النظر عن اختلافاتهم.