أصدرت نزهة الوافي، نائبة برلمانية مغربية في إيطاليا، أخيرا، كتابا في إيطاليا، حول إشكالات تطبيق مدونة الأسرة من طرف الجالية المقيمة في إيطالياوتناول المؤلف رصد وتحليل ومناقشة الإشكالات القانونية التي برزت، خلال التطبيق العملي لمدونة الأسرة. ومن هذه الإشكاليات، ما يتعلق بإجراءات الزواج وآثاره، وثانيها ما يتعلق بانحلال العلاقة الزوجية والآثار المترتبة عليها. أوردت نزهة الوافي في كتابها، الذي صدر بدعم من "لجنة تكافؤ الفرص بجهة "البييمونتي" في إيطاليا، توصلت "المغربية" بملخص له باللغة العربية، أن دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ، لاح بالعديد من الإشكاليات المرتبطة بتطبيق نصوص المدونة وكيفية تعامل الأجهزة القضائية معها، ومدى تفاعل المتقاضي واقترابه من فهم المساطر القضائية، ولذلك لم تكن الجالية المغربية بمنأى عنها. وتحدثت نزهة الوافي عن أن لمدونة الأسرة الصادرة 2003، تعتبر مكسبا تشريعيا وطنيا، شكلت الأسرة العمود الفقري لفلسفتها وروحها، اعتبارا لكون صلاح المجتمع يمر بالضرورة عبر صلاح الأسرة. ونظرا لتزايد عدد المغاربة بالخارج، وتوسع وتنوع حاجياتهم، حرصت مدونة الأسرة على مقاربة هذه الاحتياجات نسبيا ومحاولة معالجتها، تقعيدا عبر النصوص التي تضمنتها المدونة، إلا أن التقرير أورد وجود نوع آخر من العمل، الذي يهم تنزيل هذه المدونة بالنسبة إلى هذه الفئة من المواطنين. وترى الكاتبة أن تصحيح الإشكال يتأتى عبر تطوير وتوسيع عمل القضاة والعدول الملحقين بقنصليات وسفارات المملكة بالخارج، وتسهيل الإجراءات بالسفارات والقنصليات لتطبيق مقتضيات مدونة الأسرة على أفراد الجالية المغربية المقيمين بالخارج، تطبيقا سليما وملائما لظروفهم واحتياجاتهم، وتوحيد مناهج العمل بمختلف السفارات والقنصليات. إشكاليات التطبيق تضمن الكتاب أنه "مهما بلغت قواعد ونصوص مدونة الأسرة من ريادة وضمانات حمائية للأسرة، فإن ذلك كله "سيبقى رهينا بوجود قضاء قوي فعال قادر، أثناء الممارسة العملية على الرقي بمقتضيات وأحكام المدونة في نصها وروحها الى مقاصد المشرع". وجرى الحديث في الكتاب عن أن "مسؤولية قضاة الأسرة، من رئاسة ونيابة وإدارة قضائية، في توفير شروط العدل والإنصاف، مع السرعة في البت في القضايا والتعجيل بتنفيذها، وفق الآجال التي تضمنتها الإجراءات والقواعد المنصوص عليها في المدونة، مسؤولية كبيرة تتطلب تطوير الذهنية القضائية والاجتهاد القضائي وخلق الإطار الكفء والمناسب المؤهل لتفعيل ثقافة العدالة التصالحية، وإيجاد الحلول المناسبة، وفق معادلة ثلاثية البناء". وركزت مضامين الكتاب على "الدور المهم للقضاء لقضاء الأسرة، باعتباره يندرج ضمن القضاء الاجتماعي، الذي يستوجب مرونة كبيرة لانعكاس آثاره على أهم بنيات وركائز المجتمع، إذ أن إصلاح المجتمع يمر أساسا بصلاح الأسرة". ومن الملاحظات الواردة في الكتاب حول الباب الثاني من مدونة الأسرة المتعلق بالزواج، أن المشرع "أفرد للمغاربة المقيمين بالخارج بعض النصوص المتعلقة بإبرام عقود الزواج، أهمها المادتان 14-15، التي تجيز للمغاربة المقيمين بالخارج إبرام عقود الزواج وفق قانون بلد الإقامة، مما يعني أن الجالية المغربية بالخارج مخيرة بين إبرام عقد الزواج، وفق قانون بلد الإقامة أو وفق الإجراءات المنصوص عليها في مدونة الأسرة، أي القانون المغربي. قانون بلد الإقامة سمحت مدونة الأسرة في المادة 14 من المدونة للمغاربة المقيمين في الخارج بإبرام عقود زواجهم، وفا للإجراءات الإدارية المحلية لبلد إقامتهم، أي إبرام عقود مدنية. ومن الإشكالات بخصوص هذا العقد، أنها تكون غير مثمرة وغير منتجة لآثارها القانونية ولا تتوفر على الحجية في المغرب، فيتعرض المغربي المقيم بالخارج للعديد من الصعوبات، من أهمها عدم قدرته على الاحتجاج بالعقد المدني في المغرب، كما أنه لا يستطيع تسجيل أبنائه بسجلات الحالة المدنيطلب تجاوز الأمر، الاطلاع على الشروط الواجب تضمينها في العقد المدني، ليصبح متوافقا مع القانون المغربي، ومن هذه الشروط، الإيجاب والقبول والأهلية والولي عند الاقتضاء وانتفاء موانع الزواج وعدم النص على إسقاط الصداق (المهر)، وبالأخص حضور شاهدين مسلمين. وباعتبار عقود الزواج في الدول الأجنبية عقودا مدنية، يمكن تضمينها شروط طرف العقد، فيجب على المغاربة الذين يفضلون إبرام عقود زواج وفق قانون بلد الإقامة الطلب من السلطات التنصيص على ذلك في عقد الزواج على الشروط المذكورة، فتصبح هذه العقود غير مخالفة للقانون المغربي وغير مخالفة للنظام العام ولأحكام الشريعة الإسلامية. ولتسهيل الإجراءات، حسب ما جاء في الكتاب، "يمكن لكل مغربي يريد إبرام عقد زواج مدني، وفق قانون بلد إقامته، أن يتوجه إلى أقرب قنصلية ويربط الاتصال بالقاضي الملحق بالسفارة والمكلف بمهام التوثيق وقاضي الأسرة أو من يقوم مقامه أو بالعدول أو بالقنصل المغربي، وسيحال على سلك الإجراءات المطلوبة ليكون لعقد زواجه المدني حجيته في المغرب". وتطرح إشكالية في حالة عدم تضمين عقد الزواج المدني الشروط المذكورة في المادة 14 من المدونة. في هذه الحالة، يحق لكل مغربي مقيم بالخارج إبرام عقد الزواج، وفق ما يتطلبه القانون المغربي، فيحرر له إشهادا يتضمن التنصيص على الزواج المدني. وتجري الإشارة إلى حضور الشاهدين والصداق والولي عند الاقتضاء، فيكون الإشهاد بمثابة ملحق لعقد الزواج المدني ويضفي عليه بالتالي صفة الحجية وموافقته لقانون الأسرة المغربي. وتتمثل الإشكالية الأخرى التي تطرح بخصوص عقد الزواج المدني، وتتعلق بمقتضيات المادة 15 من مدونة الأسرة، التي تنص على وجوب إيداع عقد الزواج المدني، المبرم وفق قانون بلد الإقامة بالمصالح القنصلية المغربية التابعة لها محل إبرام العقد داخل أجل 3 أشهر من تاريخ إبرامه، وفي حالة عدم وجود هذه المصالح ترسل نسخة من العقد داخل الأجل نفسه إلى الوزارة المكلف بالشؤون الخارجية، التي تتولى بدورها إرسال النسخة إلى ضابط الحالة المدنية وإلى قسم قضاء الأسرة لمحل ولادة كل من الزوجين. ومن الملاحظات بخصوص هذه النقطة، هو أجل ثلاثة أشهر لإيداع عقد الزواج المدني لدى المصالح القنصلية، وهذا الإجراء له أهمية بالغة لكونه يحدد الحالة المدنية لطرفيه إزاء القانون المغربي، لكن مدونة الأسرة لم تحدد أي جزاء أو أثر قانوني على عدم احترام الأجل المذكورة، مما يجعل من هذا الإجراء، رغم أهميته، إجراء إداريا، وبالتالي يمكن تداركه ولو خارج الأجل المذكور، إذ تقول إنه لا تأثير لغياب هذا الإجراء على صحة عقد الزواج المدني المتضمن لأركانه وشروطه المنصوص عليها في المادة 14 من مدونة الأسرة.