صدر حديثا كتاب بعنوان "سؤال الهجرة في الإعلام والسينما"، ألفه ثلاثة باحثين هم: الحبيب الناصري، وعبد الرحمان مسحت، وصالح العروصييتناول بالتحليل والدراسة ظاهرة الهجرة السرية، خصوصا في مثلث الموت: خريبكة- الفقيه بن صالح- بني ملال من خلال الإعلام المغربي، وكظاهرة وطنية وعالمية، من خلال الإعلام الغربي والسينما. نقرأ في مقدمة هذا الكتاب، الذي يقع في حدود 150 صفحة من الحجم المتوسط، "يروم هذا الكتاب تتبع سؤال الهجرة، بمعنى موضوع الهجرة، كظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية، من خلال المحاور التالية: أولا، تتبعنا كيفية حضور هذه الظاهرة، لاسيما تلك المتعلقة بالهجرة السرية، وكيفية حضورها في الإعلام المغربي، وكنموذج، الصحافة المغربية المكتوبة. تتبعنا هنا مجموعة من النماذج، المرتبطة بمجموعة من المآسي الاجتماعية التي خلفتها الهجرة السرية "لحريك". ثانيا، تم تتبع كيفية تعامل الإعلام الأجنبي، وكنموذج، الصحافة المكتوبة باللغة الإنجليزية، مع هذه الظاهرة. هل هو تعامل المتفرج المنتشي بكونه هو من يبحث عنه المهاجر السري، من أجل لقمة عيش؟ أم أن هذه الصحافة الأجنبية المكتوبة، تجاوزت طبيعة هذه النظرة في أفق تتبع ظاهرة الهجرة السرية بعيون عميقة باحثة ومحللة لها؟ من أجل هذا، جرت ترجمة مجموعة من المقالات والدراسات، التي كتبت بأقلام أجنبية، من أجل أن نتأمل ونصغي لكيفية تفكير هذا الآخر في الموضوع؟ ثالثا، تتبعنا كيفية تتبع مكون من مكونات الفنون المغربية، أي السينما المغربية لهذا السؤال. بمعنى كيف تفاعل المخرج المغربي وكافة المشتغلين في السينما مع هذه الظاهرة، سواء تعلق الأمر بالأفلام، التي تناولت موضوع الهجرة القانونية أو السرية بشكل كلي أو جزئي؟". انطلاقا من هذه الأسئلة، حاول مؤلفو هذا الكتاب مقاربة موضوع الهجرة، إذ حددوا خريطة اشتغالهم وتعاملهم مع هذا السؤال/ الموضوع، الذي شغل وانشغل به العديد من الباحثين والمبدعين والإعلاميين، في زمن عولمة مرعبة ومخيفة مولدة العديد من الأسئلة الصعبة المخلخلة لإنسانية الإنسان. فإلى أي حد استطاع الكتاب، هنا، إثارة بعض الجوانب المتعلقة بهذا السؤال؟". كان هم السؤال هو القاسم المشترك بين المؤلفين، سؤال الهجرة، كسؤال ناهض على بعد اجتماعي وسياسي واقتصادي وثقافي وإبداعي... بل إن عمق هذا السؤال، ما كان ليوحدهم في الحقيقة لولا انتماؤهم إلى مدينة مغربية عرفت، وكما يظهر على امتداد محاور هذا الكتاب، بالهجرة بنوعيها القانوني والسري (لحريك)، مدينة، العديد من ملامحها ومظاهرها بدأت تتشكل في ضوء هذا المعطى، ما استوجب معه دق ناقوس الخطر، لاسيما أن العديد من الفئات العمرية، خصوصا فئة الأطفال والشباب والفتيات...، يكتوون بنيران هذه الهجرة " الغادرة "، خصوصا الشق المتعلق بالهجرة السرية، وما تولده من محن تربوية واجتماعية وأخلاقية في ظل عولمة مرعبة تربط كل شيء بمنطق الربح. إن الحلم ب "جنة الفقراء"، والمرتبطة بما وراء البحار، ذلك العالم الآخر، حلم أصبح مهزوزا ومخلخلا في ضوء رؤية سياسية غريبة، أصبحت تختار من عوالمنا العربية والإفريقية، ما تستفيد منه مباشرة، بل ما يدر عليها ربحا مفيدا لها، وحلا للعديد من مشاكلها المادية والاقتصادية والاجتماعية. لم يعد العالم الغربي، إذن، ذلك الحلم المنشود، بل اهتزت صورته، في ظل تصدعات اقتصادية ومالية وسياسية متعددة، ما جعل العديد من وسائل الإعلام بكل أنواعها، والفنون بكل مكوناتها، والسياسة بكل توجهاتها، والتربية بكافة إشكالياتها، يجد في سؤال الهجرة مادة قوية ودالة ومستقطبة، في أفق فضح كافة أشكال المآسي الناتجة عن هذه الهجرة لاسيما السرية، دون نفي لبعض النماذج الناجحة، ولكن هي الأخرى اكتوت بسؤال الهوية بكل تجلياته.