يمتد مستشفى بن الحسن للطب النفسي بفاس، على مساحة تفوق 20 ألف متر مربع، أسس سنة 1983، بحي عين قادوس، بطاقة استيعابية تقدر ب 68 سريراتصوير (منصف برادة) ويشتغل فيه 68 عنصرا بشريا، يتوزعون بين أطباء و إداريين وممرضين، ويضم المستشفى، حاليا، ما يقارب 74 مريضا، 14 منهم جرى استقدامهم من سجن عين قادوس. زيارة مستشفى بن الحسن للطب النفسي بفاس، أشبه بمغامرة، فمن الأفضل أن تضع نفسك مكان أحد المرضى، وتترك للطبيب المعالج مجالا كي يشرح لك حالات النزلاء، حتى لا يثير حضورك فضول المرضى. الدكتور تيسير بن خضراء، مدير المستشفى، يقول ل "المغربية" إن"وجود مستشفى واحد للطب النفسي بفاس، يشكل ضغطا على طاقته الاستيعابية، ما يجعل العمل مؤرقا في بعض الأحيان، خاصة أن هناك خصاصا في عدد الأطباء المختصين في العلاج النفسي، بالإضافة إلى ندرة المراكز المعنية بتأطير وإيواء بعض المرضى". عند الدخول للمستشفى، تلفت انتباهك فضاءات خضراء، خصص جزء منها لزينة المدخل، وبعض المساحات أنشأت خصيصا للمرضى، كمكان يتنفسون فيه خارج أسوار غرفهم الإسمنتية، التي تكون في الغالب، وحسب معايير العلاج، فارغة. مرضى سجناء بمستشفى بن الحسن، صادفنا حالتين لمريضين قدما للعلاج من السجن المحلي لفاس، عن طريق قرار من المحكمة، وهما رجل وامرأة، اقترفا جريمة قتل، تأكد بعدها أنهما مصابين بمرض عقلي، فكان لابد من إيداعهما بالمستشفى لمتابعة العلاج، بتهم انعدام المسؤولية، فالمرأة، وهي في الأربعينات من عمرها، تنحدر من دوار ولاد جامع، قامت بقتل زوجها في فترة الحمل، بعدما اشتدت حالتها النفسية، والرجل في الخمسينات من عمره، كان يشتغل في ميدان التدريس، وأقدم على قتل والدته بعد أن تهيأت له على شكل "جنية". وعن المرض النفسي والحالات الموجودة بالمستشفى، يقول الدكتور بن خضراء: "الأمراض النفسية تتخذ أشكالا عديدة، فهناك من تولد معه إعاقة ذهنية، أو تأخر عقلي، يتفرع إلى تخلف عقلي خفيف أو متوسط، وهناك من يعاني من مرض الانفصام في الشخصية، وهو جزء من مرض الزهانات، وهو ما يمكن أن نفسره بالتطور النقوصي، إذ يصاب المريض بتراجع قدراته العقلية ". يضم مستشفى بن الحسن جناحين للمرضى، مقسم بين جناح للنساء، ويأوي 24 امرأة، وجناح ثان، حيث يوجد ما يقرب 50 رجلا تحت العلاج، وبالإضافة إلى المرضى الذين قدموا عن طريق عائلاتهم، هناك فئة ثانية تأتي للمستشفى بقرار من المحكمة أو من السجن، بعد أن يكون أفرادها خضعوا للخبرة الطبية، وتأكدت حالتهم المرضية، وعددهم حاليا 14 نزيلا، من بينهم امرأة واحدة. جولة بين الأجنحة وفي جولة مع الدكتور بن خضراء، عبر أجنحة المستشفى، ألقينا نظرة على طبيعة عمل الطبيب النفساني، واستنتجنا أن العلاج النفسي، هو علاقة ودية تربط الطبيب بمريضه، أكثر من أن تكون وصفة دواء، الدكتور بن خضراء، الذي يشغل كذلك منصب مدير المستشفى، يتحدر من أصول سورية، خلال تجوله في زيارة تفقدية للمرضى، وبلكنته السورية الممزوجة بالدارجة المغربية، يحاول أن يتقرب من المرضى، ويسأل عن حالتهم الصحية، وكان باديا أن علاقة المرضى بالدكتور بن خضراء جد طيبة، حتى أنه يمكن أن تستشف الأمر من ردود فعل أشخاص، لا يضبطون تصرفاتهم، ورغم اضطراباتهم النفسية، يقبلونه على يديه، وعلى رأسه، ويبادلهم هو الآخر ابتسامة عفوية. الجناح المخصص للمرضى الرجال، عبارة عن ممر طويل، يضم غرفا على اليمين وعلى الشمال، وبين بعض الغرف توجد فضاءات، أبوابها قضبان، وليست محددة بأسوار، قال الدكتور بن خضراء عنها، أنها مخصصة للحالات الصعبة، وكان يقصد المرضى الذين غالبا ما تكون ردود أفعالهم عنيفة، وتشكل خطرا على المرضى الآخرين، أو حتى على الزوار، خاصة أقارب المرضى. مركز النور انتقلت "المغربية" لزيارة مركز "النور1"، للتأهيل والإدماج، وهو مركز مخصص لتكوين وتأهيل المرضى النفسانيين، سواء من استقرت حالتهم الصحية بعد أن خرجوا من الأزمة، أو الذين شملتهم الحملات الطبية، وأحيلوا على الجمعية. وأوضحت مديرة مركز النور، الأستاذة ربيعة مجط، أن المركز يدخل ضمن الأنشطة التي تقوم بها الجمعية الجهوية، المرافقة للمريض النفسي، في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وأضافت أن عدد المستفيدين من المركز فاق 1000 مستفيد، ويشمل العمل بمركز النور للرعاية الصحية والمراقبة الطبية، خلال أربعة أيام من الأسبوع، أطباء كانوا يعالجون المرضى في فترات سابقة. وبمركز "النور2" وهو مركز تابع لمركز "النور1"، والمعروف بخيرية كرواوة، ويوجد بحي سيدي بوجيدة، بالقرب من باب الفتوح، وسط تجمع سكني لمجموعة من الأحياء الشعبية، صادفنا حالات جد خطيرة ومعقدة لمرضى لا يعرفهم أحد، ولا يعرفون أنفسهم حتى، ويوجدون بالمركز بعد أن ألقي عليهم القبض من طرف رجال الأمن، بتهم التشرد أو لأنهم وجدوا تائهين دون بطاقة تثبت هويتهم، وغيرهم من الحالات التي يصعب على الممرضين والمؤطرين النفسانيين، التعامل معها. نزيلة مراهقة وتحكي "ذ.ب"، إحدى نزيلات المركز، وهي شابة مراهقة لم يتجاوز عمرها 18 سنة، وفي نظراتها اهتزازات، ويداها ترتعشان، وأحسنت وضع الكحل على عينيها، عن قصتها مع المرض، فتقول: "كان عمري 14 سنة، حين علمت أن أمي، التي كنت أظن أنها أمي، ليست كذلك، بل أني جئت لهذه الحياة نتيجة علاقة غير شرعية، صدمت، ولم أصدق الأمر، وأنا الآن على هذا الحال، و لم يأت أي أحد لزيارتي"، وحين سألناها عن سنها، أجابت بكل دقة عن اليوم والشهر والسنة التي ولدت فيها. وعندما سألناها من يضع لها مساحيق التجميل، ويمشط شعرها، أجابت، وكلها ثقة في النفس: "أضع الكحل و الكريم بنفسي، ولا أحتاج لشيء آخر، فأنا جميلة". نزيلات أخريات بمركز النور سيدي بوجيدة، أغلبهن، جئن للمركز من خارج مدينة فاس، قدمن من قرى ودواوير مجاورة، مثل تاونات، وقرية با محمد، ودوار أولاد داود، ومنهم من سبق وأن كان نزيلا بخيرية عبد السلام بناني، أو خيرية الزيات، وهي خيريات تنشط في الإطار نفسه، كما أن هناك حالات، بعد التحقيق في هويتها، تبين أن بعض أفرادها قدموا من مدن أخرى، مثل وجدة، والدار البيضاء، وسلا، وتازة، ومكناس، وغيرها من المدن، وبعد توصل المركز إلى معرفة وجود عائلات البعض منهم، قامت بإعادتهم إلى ذويهم. ويوضح مدير خيرية كرواوة ، الدويري اليازمي محمد، أن المركز قبل خمسة أشهر كان تابعا للخيرية الإسلامية، إلا أنه الآن أصبح تابعا لجمعية النور، وهو ما حسن من وضعيته، وأكد أن المركز، بعد أن تتبعته الجمعية، وأدرج ضمن برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أصبح يمتلك كل المعدات الأساسية للعلاج، بما في ذلك الأدوية والممرضين، حيث يحظى المركز بزيارات شهرية لأطباء متخصصين في العلاج النفسي. وضعية تتحسن يوجد بمركز "النور 2 " أو خيرية كرواوة، 150 مريضا، 84 رجالا، والبقية نساء، توفي منهم خلال الثلاثة أشهر المنصرمة 5 أشخاص. ويتوفر المركز على 16 ممرضا وممرضة، يقدمون الرعاية الصحية للمرضى، ويتعايشون معهم، كل حسب حالته، إذ يفسر عبد الرزاق، وهو الممرض الرئيسي بالمركز، أن عمله يزداد صعوبة، بصعوبة حالة المرضى. . يضم المركز ما يناهز 18 غرفة مخصصة لجناح الرجال، و25 غرفة لجناح النساء، وبالنسبة للفئات العمرية بالمركز، على عكس مستشفى الحسن الثاني، الذي يضم مرضى تتراوح أعمارهم بين 15 سنة و30 سنة، يأوي مركز كرواوة مختلف الفئات العمرية من أشخاص مسنين ليسوا بمرضى، لكن متخلى عنهم و أطفال ومراهقين، حتى أننا صادفنا طفلا برفقة إحدى المريضات الأمهات، لا يتجاوز عمره السنتين، بالإضافة إلى شباب وشيوخ... بين غرف المرضى، وبالضبط بجناح الرجال، مضينا نسير بين الغرف، وإذا بأحد المرضى اتجه نحونا عاريا تماما، وهو يصرخ بكلمات غير مفهومة، حاولت الدكتورة إدموهايدي حورية، وهي تعرفنا عن المركز والمرضى المتواجدين به، أن تقيم لنا حالة كل مريض فاجأتنا ردة فعله، وبينما نحن نتحدث مع أحدهم، وهو "ف.ع"، الذي يوجد بالمركز منذ ما يقارب 15 سنة، الذي سبق وكان جنديا، يقوم بقية المرضى بالممر، الذي يفصل الغرف عن بعضها، كل بتصرف ، فمنهم من يصرخ، ومنهم من يغني أو يلتفت وآخر يبتسم، وبعضهم اختار ركنا فيه شمس دافئة وانبطح أرضا في صمت وهدوء. خيرية كرواوة، أو مستشفى بن الحسن، مكانين لقصة واحدة، أبطالها مرضى، أو "مجانين"، حسب الاعتقاد السائد، أناس مختلون عقليا كل بقصته، منهم من يبدو عاديا تماما، ومنهم أناس عنيفون إلى حد الهيجان، حكاياتهم كانت عادية قبل تواجدهم بالمستشفى أو المركز، إلا أنه وحسب ما استنتجناه من الأطباء النفسانيين والمؤطرين، معظم هذه الحالات تكون ناتجة عن مشاكل أسرية، أو إدمان للمخدرات، أوصدمة نفسية قد تجعل من شخص عادي "مجنونا"، لا يضبط أقواله وتصرفاته.