حين سألت صديقي عبد الواحد عن الذكرى السابعة للأحداث الإجرامية الأليمة التي شهدتها الدارالبيضاء سنة 2003، كان رأيه هو أن ندخلها للنسيان، لأن الجرح بدأ يندمل، ولا ينبغي لنا أن ننكأه..جمال هاشم ت:محمد حيحي فالمغرب قرر أن يتوجه للمستقبل عبر مختلف الأوراش التي يباشرها صاحب الجلالة وحكومته، وعبر انخراط مختلف القوى الحية في المشروع المجتمعي الحداثي الذي أصبح اختياراً نهائياً لكافة المغاربة. لكن رغم هذا التبرير، لم أقتنع جداً، لأنني أميل إلى إحياء الذكرى وتذكر ملابساتها بدل نسيانها، وذلك لعدة اعتبارات أهمها أن المتطرفين الحاقدين يسعون عند اقتراب شهر ماي من كل سنة إلى اقتراف جرم أكبر، فقد دأبت الأجهزة الأمنية على تفكيك أخطر الخلايا الإرهابية أسابيع قليلة قبل حلول 16 ماي، ولعل بلاغ وزارة الداخلية الذي صدر خلال الأسبوع الأخير من شهر أبريل الماضي، خير دليل على ذلك، فالعمل الإستباقي الرائع لأجهزتنا الأمنية، مكن من تفكيك خلية إرهابية مكونة من 24 فرداً، كانوا يخططون لاقتراف جرائم يشعة في حق سياسيين وأمنيين مغاربة، وكانوا ينسقون مع تنظيم قاعدة الإرهاب العالمي، للتغرير بشبابنا وإرساله إلى مناطق التوتر كي يفجر نفسه قرباناً لمشاريع شيوخ الظلام، فهل يمكننا بعد هذا أن ننسى ما حدث؟ إن الذكرى تنفع المؤمنين، والمؤمنون هنا هم الحداثيون الذين آمنوا بمشروع المغرب المنفتح والمتعدد، في مواجهة أصحاب المشروع الماضوي الإرتكاسي بمختلف تلاوينهم، فكيف يمكن لعائلات الضحايا أن تنسى ما حدث؟ وكيف يمكن لشرفاء هذا الوطن أن ينسوا أن 16 ماي، لم تكن إلا نقطة انطلاق لمشروع خطير يتهدد مغربهم؟ إن الخطر يتربص بنا من كل جانب، والظلاميون اقتسموا الأدوار فيما بينهم، بين متطرف و "معتدل" وبين ملتح وأمرد، والأخطر من ذلك أن مشروعهم أخذ لبوساً حقوقية وإعلامية غير مباشرة فمحاربة السينما والفن مثلاً تتم باسم "الأخلاق" ومهاجمة رموز الحداثة تتم باسم "التخليق". ولعل الهجمة الظلامية التي تعرض لها السيد نور الدين الصايل خير مثال على ذلك، فباسم "التخليق" كانت محاربته لأن يرأس مؤسسة تدعم السينما المتنورة، فما كان من الظلاميين إلا أن قسموا الأدوار فيما بينهم، ووظفوا تقرير المجلس الأعلى للحسابات، واستغلها السينمائي الذي يمول جريدة لا تبشر إلا بمقدر الظلام في المساء، كي يوعز إلى تابعه الظلامي الأمرد كي يشن حملة شعواء على الصايل. إنها الحرب الشاملة التي يشنها الظلاميون على كل من يفضح مخططاتهم ويعارض مشروعهم الذي يهدد كل منجزاتنا ويهدد التعايش بين أبناء الوطن رغم اختلافاتهم العرقية والدينية والتقافية والجنسية، فهل بعد كل هذا يمكننا أن ننسى ما حدث؟ إن إحياء ذكرى 16 ماي، ليس مجرد مناسبة للعودة إلى تفاصيل ما جرى في ذلك اليوم الأسود، بل فرصة للإعتبار وتذكير المواطنين بالخطر الظلامي الذي يأخد عدة أوجه، والذي يتجول بين أزقة أحيائنا الشعبية وفي جامعاتنا، وعبر إعلامنا المكتوب، وأمام مساجدنا في شكل كتيبات وأقراص وهابية وفي ثانوياتنا عبر أنشطة يقال عنها أنها ثقافية.... والأخطر من ذلك أن جرائد من يسمون أنفسهم ب "المعتدلين" اختارت مجال الإفتاء كي تبث سمومها الظلامية كما فضح ذلك كل من الأستاذ السياسي والأستاذ سامر أبو القاسم. كما أن بعض الجمعيات الحقوقية المتطرفة، تبنت ملف الظلاميين إلى جانب ملف أعداء وحداتنا الترابية، وأصبح شغلها الشاغل هو خلط الأوراق، والتشكيك في أحكام القضاء، ومساندة وقفات عائلات الإرهابيين المخدومة، في محاولة للي ذراع الدولة المغربية، واعتبار القتلة وشيوخهم الدمويين، مجرد معتقلي "رأي" لأن القتل في نظرهم "رأي" والتخطيط لتفجير أماكن عامة وقتل شخصيات مجرد "تعبير عن موقف" والأسلحة وكل المحجوزات الخطيرة "أدوات للتعبير عن الرأي".... فهل بعد كل هذا يحق لنا أن ننسى؟ يمكننا أن ننسى تفاصيل 16 ماي، لكن لا ينبغي أن ننسى أن الإرهابيين لم يتخلوا عن مشروعهم، وأنهم يخططون في الخفاء، ويقسمون الأدوار فيما بينهم كي يشككوا الجميع في مغرب الغد، لكن هيهات، فمشروع مغرب الحداثة والديمقراطية، اختيار واضح، يقوده ملك يجسد كل القيم المغربية النبيلة، قصره هو كل ربوع المملكة، وأدواره متعددة من إمارة المؤمنين إلى القيادة السياسية والعسكرية والإقتصادية.... وجنوده هم الحداثيون الذين سيعملون على استئصال الإرهاب من جذوره مهما طال الزمن.