تعيش عاملات تصبير السمك في آسفي معاناة يومية، ينتظرن في ساعات مبكرة قدوم شاحنة مهترئة لتقلهن إلى معامل التصبير، بطريقة يصفها العاملات ب"لا إنسانية"..عاملات السيمسيفي إحدى الوقفات الاحتجاجية وكأنهن رؤوس أغنام في طريقهن إلى السوق الأسبوعي أو المجزرة... يشتغلن أكثر من الوقت القانوني، لكنهن لا يجنين أرباحا، فأجرهن يبقى هزيلا، لا يتجاوز1200 درهم شهريا. بعض العاملات، اللواتي التقتهن "المغربية"، أكدن أنهن محرومات من تعويضات الأبناء، علما أن القانون الوطني الخاص بالقطاعات الموسمية المرتبطة بالفلاحة يسمح باستفادة العاملات الموسميات من هذا التعويض... وأخريات ينتظرن حكم المحكمة بالتعويض، منذ 1998، إذ بين عشية وضحاها انقلبت أحوال أزيد من 2800 عامل وعاملة كانوا يشتغلون في التعاونية المغربية للتصبير بآسفي، بعد أن تفاجأوا بقرار طردهم من الشركة وإغلاقها. وجوه شاحبة مرسومة عليها تجاعيد الشيخوخة المبكرة، وعيون حائرة وأياد أذابتها مياه وزيت السمك الساخنة، وظهور تقوست من كثرة الانحناء.. هذه ليست لوحة للفنان التشكيلي "بيكاسو"، وإنما لوحة حقيقية تعكس معاناة يومية لنساء يشتغلن في معامل تصبير السمك بآسفي. نساء في ربيع العمر، وأخريات في خريفه، والبعض الآخر قاصرات، ينتظرن في ساعات مبكرة قدوم شاحنة مهترئة لتقلهن إلى معامل التصبير مكدسات كأنهن رؤوس أغنام في طريقهن إلى السوق الأسبوعي أو المجزرة، فرغم المعاناة اليومية، تحاول تلك النساء رسم ابتسامة مصطنعة، وترديد بعض الفقرات الغنائية من فن العيطة، ومنهن من يرددن عبارات من قبيل "واهيا البنات واهيا.. العيالات كونوا صبّارات"، "راه نمشيو نخدمو أو نروحو بالليل بخير"، "الله معانا، نخدمو أو نجيبو لوليداتنا ما ياكلو"، بعدها تعلو أصوات الزغاريد. لكن رغم حالة المرح التي تحاول هؤلاء العاملات رسمها على وجوههن، إلا أن عيونهن الدامعة تكشف حجم المعاناة والمأساة. هؤلاء العاملات يتركن أطفالهن في سن مبكر مقابل راتب يومي يتراوح ما بين 6 و 8 دراهم للساعة، وأحيانا يتقاضين الأجر، بناء على عملية "الطوناج" أو "البراكة" أو بعدد صناديق السمك، ذلك أن مردودية الشاحنة هي التي تتحكم في عملية دفع الأجر. وجه أصفر وأياد متورمة وأسنان تلاشت بفعل قساوة الزمان... تسير بخطى مسرعة وهي تحمل حقيبة بلاستيكية بداخلها خبز حاف وبرتقالة، من أجل إسكات جوع يوم بكامله... مشيتها تسابق عقارب الساعة لتلتحق بالركب. إنها (فوزية. ب) تشتغل مياومة بمعمل لتصبير السمك بآسفي، تحرص يوميا لتكون في الصفوف الأمامية للشاحنة، التي تقل العاملات إلى المصنع. رغم المشاكل الاجتماعية التي تعانيها فوزية، إلا أنها دائما مبتسمة.. كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف صباحا، حين امتطت رفقة عشرات العاملات تلك الشاحنة المهترئة... تدافع وازدحام من أجل الظفر بمكان في الشاحنة وضمان عمل يومي في تلك الأيام التي التهبت فيها أسعار الخضر... إنهن يشتغلن أكثر من الوقت القانوني، لكنهن لا يجنين أرباحا، فأجرهن يبقى هزيلا لا يتجازو 1200 درهم شهريا.