طرح المغرب مبادرة الحكم الذاتي للتفاوض، وقع النظر إليها من قبل المجتمع الدولي باعتبارها المبادرة الأكثر جدية ومرونة، لتجاوز الطريق المسدود، الذي انتهت إليه خطة الأممالمتحدة حول استفتاء تقرير المصير في الصحراء.وتبين للجميع أن المغرب وضع على عاتقه البحث المبدع في الطرق الكفيلة بنزع فتيل هذا النزاع، بما لا يتنافى مع قرارات الشرعية الدولية، واحترام السيادة الوطنية، وتحقيق طموحات أبناء الصحراء المغربية. وفي رسالة وزير الخارجية والتعاون المغربي إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أخيرا، جرى دق ناقوس الخطر، كما حصلت دعوة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته كاملة في وضع حد لكل عمل استفزازي، يستهدف إقبار فكرة وقرار الحل السياسي التوافقي، الذي جاءت مبادرة المغرب، حول الحكم الذاتي، لتفعيل المفاوضات بين الأطراف المتنازعة، على قاعدة أرضية مرنة، يمكن للتعاطي معها، بنزاهة، من قبل الجميع، أن يؤدي إلى تحقيق التوافق المنشود. غير أن هذه الأرضية التفاوضية، المفتوحة على ما هو بناء من التعديلات والمقترحات الواقعية والمعقولة، ووجهت، من قبل البوليساريو وحاميتها الجزائر، بالمناورات المتتالية، لوأدها في المهد، استنادا إلى ذرائع واهية الأسس، ولا تصمد أمام معطيات الواقع، التي تدل على استعداد المغرب، وعمله، من أجل إخراج المفاوضات من عنق الزجاجة، التي تزجها فيها السياسات الجزائرية، القائمة على الحملات الدعائية المغرضة ضد المغرب، والمانعة لبروز أي توجه عقلاني داخل قيادة الانفصاليين. ولعل السؤال الملح في هذا المستوى، هو ما مدى استعداد، أو قدرة الأمين العام، ومجلس الأمن الدولي، على الدفاع عن الحل السياسي التوافقي، الذي يمر عبر التفاوض، حول المبادرة المغربية، ما دام الجميع أدرك أن شعار تقرير المصير، الذي ترفعه الجزائر، ويجد له صداه لدى قيادة الانفصاليين، أسلم الروح إلى بارئها، أساسا، بسبب مناورات البوليساريو، وتلاعب شيوخها بصدد تحديد هوية من يحق لهم المشاركة في استفتاء تقرير المصير. وركزت الرسالة المغربية إلى الأمين العام للأمم المتحدة على إبراز أن كل المناورات، التي تلجأ إليها الجزائر وجبهة البوليساريو، ترمي إلى الالتفاف على أسلوب المفاوضات الجادة، ومحاولة إعادة عقارب الساعة إلى ماض ولى، كان فيه لرفع شعار تقرير المصير بعض البريق، على اعتبار أنه كان يعني، إما إقرار وحدة المغرب، أو الانفصال، قبل أن تنكشف مناورات الخصوم، الذين حاولوا فرض نتيجة الانفصال بكل الوسائل . ويبدو أن قيادة البوليساريو تحاول خلق واقع نفسي وسياسي جديد، حول كل مفاوضات مقبلة، يوحي لمن ليس لهم إلمام بالقضية وتطوراتها أن المغرب هو المسؤول عن التعثر، الذي تشهده المفاوضات. وهذا ما هو واضح من الدعايات المغرضة، التي يجري ترويجها حول أوضاع حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية، في حين، أن المغرب لم يقم إلا بتفعيل القوانين الجاري بها العمل في مختلف الأقاليم المغربية، دون استثناء، كما هو شأن كل دول العالم. وفي سياق هذه الدعاية، أشارت وكالة الأنباء الجزائرية إلى أن اللقاء، الذي عقد بين رئيس جبهة البوليساريو والأمين العام للأمم المتحدة، على هامش مؤتمر الاتحاد الإفريقي، في أديس أبابا، ركز على ما زعمت أنه انتهاكات المغرب لحقوق الإنسان في الصحراء. ولعله من المفيد أن يعمل المغرب على التعرف على ما جرى في هذا اللقاء، خاصة حول ما إذا أبلغ الأمين العام مخاطبه الانفصالي بحقيقة الموقف في الصحراء، وفي مخيمات تندوف، التي يعيش فيها المغاربة المحتجزون، ضمن شروط مادية ومعنوية مزرية، منذ عشرات السنين، دون أن تستجيب جبهة البوليساريو لمختلف الأصوات الإنسانية، والسياسية الدولية، الرامية إلى وضع حد لمأساة هؤلاء المواطنين، الذين وجدوا أنفسهم تحت رحمة أناس لا علاقة لهم بقيم الإنسانية، ولا يجيدون غير المتاجرة بالمبادئ، علنا، وبالمحرمات المختلفة، من راء الستار.