تعيش الجزائر زوبعة واسعة، بعد الانفجار المدوي لعدد من فضائح الرشوة.وترددت أصداء هذه الزوبعة، منذ مطلع السنة الجارية، على صعيد وسائل الإعلام، المحلية والدولية. ولعل ما أثار الانتباه إلى ما يجري في الجزائر، أن الفضائح المنفجرة تتعلق بمواقع عالية في الهرمين السياسي والاقتصادي، و طالت قمة الاقتصاد الجزائري، ممثلة بالشركة الوطنية الجزائرية للمحروقات (سوناطراك)، التي تشغل 120 ألف أجير، وتؤمن 98 في المائة من صادرات البلاد، و تضخ في خزينتها 60 في المائة من المداخيل. و لم تقتصر فضيحة "سوناطراك" على أربعة من بين نواب الرئيس الخمسة، واثنين من المديرين المركزيين، بل شملت الرئيس المدير العام للمؤسسة المذكورة، المصنفة الأولى على الصعيد الإفريقي. لكن الزوبعة الجزائرية، التي يراد لها أن تحسن صورة البلاد في مرآة الرشوة والفساد، على الصعيد الدولي، تعرف إخراجا يثير الشفقة. وكتب صحافيون، مختصون في تلميع الصورة الرسمية للبلاد، في وسائل الإعلام الدولية، أن صدمة الرئيس الجزائري كانت قوية إثر صدور تقرير "ترانسبارنسي الدولية" لسنة 2009، الذي رتب بلاده في المرتبة 89. لكن الصورة السيئة للجزائر في تقارير المنظمة المذكورة كانت معروفة، وصادمة،على الدوام. و أضاف الصحافيون المذكورون أن الرئيس الجزائري "المصدوم" بادر بمطالبة وزيره الأول بتحديد "مواقع المسؤولية الحساسة، التي تكون احتمالات الرشوة فيها أكثر ارتفاعا". و يعتقد هؤلاء أنهم، بمثل هذا الكلام، يستطيعون الإيهام بأن الرئيس الجزائري، المحيط بكل شيء، والمتحكم في كل شيء، لم يكن يعرف ما يجري في مختلف دواليب الدولة. وما يفرض الكثير من التحفظ إزاء الزوبعة الجزائرية، التي تذكرنا بما سمي حملة التطهير، التي قادها عندنا الراحل ادريس البصري، في أواسط تسعينيات القرن الماضي، من أجل إحكام قبضته على الوضع المغربي، أن التحقيق فيها تباشره مديرية الاستخبارات والأمن، و هي خير خلف لسلفها، الأمن العسكري (S.M). ويعرف الجزائريون أن جهاز المخابرات ،الذي كانوا يتهكمون عليه بتسمية "رياضة و موسيقى"، من الحروف الأولى لاسم الجهاز بالفرنسية، أعد مئات التقارير حول الفساد والارتشاء، التي كانت تستخدم، فقط، في ابتزاز وتصفية المعارضين والمنافسين، أو يجري طمسها إلى الأبد. وما زال متتبعو الشأن الجزائري يذكرون ما عاناه عدد من أطر المؤسسات الاقتصادية العمومية في غياهب السجن لسنوات، خلال العقد الماضي، قبل أن تجري تبرئتهم. لذلك، ولغيره، تمتنع المعارضة الجزائرية، السيدة لويزة حنون، عن تزكية الزوبعة الجارية، و تعلن أنها "ترفض أن تعوي مع الذئاب!".