يكاد لا يخلو ملتقى طرقي في الدارالبيضاء دون وجود عدد من المتشردين أو المختلين عقليا. الأمر الذي أصبح يثير قلق عدد من المواطنين والسائقين على وجه الخصوص. بروز هذه الظاهرة على السطح في الآونة الأخيرة يثير الكثير من علامات الاستفهام.وقفتْ أمام إشارة المرور في ملتقى مرس السلطان في مدينة الدارالبيضاء، تقدم نحوها شاب في مقتبل العمر، في محاولة منه لإقناعها لشراء مناديل ورقية، بدا على محياها تردد كبير، ونظرت في وجهه مليا قبل أن تقرر في الأخير مد يدها إلى جيبها، إذ منحته مبلغ عشرين درهما لاستخلاص ثمن أوراق المنديل، ومباشرة بعد حصولها على الباقي من الثمن، حركت عجلة سيارتها بسرعة البرق، خوفا من حدوث أي مكروه. هذا المشهد لا ينحصر فقط في ملتقى مرس السلطان، بل تكاد مجمل الملتقيات والشوارع الكبرى في الدارالبيضاء تعج بالمشردين و المختلين عقليا، وأصبح هذا الأمر يثير الكثير من القلق بالنسبة إلى عدد من سائقي السيارات، الذين أصبحوا في الكثير من الأحيان يغلقون زجاج النوافذ، خوفا من الاحتكاك مع أي مشرد أو متسول. ألف حكاية وحكاية وإذا كان القدر أنصف هذه السيدة، فهناك العشرات من حكايات النساء والرجال، الذين كانوا ضحية منحرفين في صورة بائعي المناديل الورقية، إذ أكد أحد سكان مقاطعة المعاريف أن هذا المنظر أصبح يطرح الكثير من علامات الاستفهام، إذ في لحظة يتحول هذا المنحرف إلى لص، ينهب حقيبة السائق أو السائقة، وقال في هذا السياق "لم يعد يخلو أي ملتقى طرقي وسط مدينة الدارالبيضاء من وجود هذه الفئة من المواطنين الذين يستغلون هذه الفضاءات لبيع سلعهم، لكن للأسف أن هناك من يظهر في صورة بائع منديل، ويسرق السائق أو السائقة". ويوجد في الدارالبيضاء أفواج كبيرة من المختليين عقليا والمشردين. وتؤكد الإحصائيات الرسمية أنه يوجد بالمغرب حوالي 300 ألف مريض مصاب بانفصام الشخصية، من بينهم 60 ألفا يوجدون في حالة صحية خطيرة، ولا يتوفر المغرب سوى على 80 ألف معالج نفسي، و300 طبيب نفساني، وحوالي 13 مركزا صحيا تعاني نقصا مهولا، ولا تتوفر المستشفيات على عدد من الأدوية الفعالة التي تساعد على علاج المرضى. ورغم وجود إحصائيات رسمية حول عدد المصابين بالأمراض النفسية، فإن المؤشرات تؤكد أن عددهم يزداد بشكل كبير، وهذا ماجعل السلطات العمومية تفكر في إحداث بعض الوحدات الصحية، إلا أنها لم تر النور بعد، وكان من الممكن أن تخفف هذه المراكز من حدة الأزمة، التي توجد حاليا. من يرعي المختلين؟ وأضافت هذه الجهات أن الدولة لا تقوم بواجبها بخصوص رعاية المختلين عقليا، وأن الأسر وحدها هي التي تتحمل تبعات ذلك، مؤكدين أن عددا من إدارة المركزين الصحيين الجامعيين بالرازي بمدينة سلا وجناح 36 بالدارالبيضاء ترفض استقبال عدد من المرضى، بدعوى أن الطاقة الاستيعابية لا تكفي، ما يجعل هذه الأسر تتكلف بكل مصاريف العلاج، إضافة إلى المتابعة الصحية بالنسبة إلى مريضها، وهو الأمر نفسه، الذي تزكيه نجاة غالم، التي أكدت قائلة "لقد حاولت في الكثير من المرات رفقة زوجي إيداع شقيق المختل عقليا في مستشفى الأمراض النفسية، لكن دون جدوى، إذ كلما توجهنا إلى المستشفى نتلقى جوابا واحدا، وهو عدم توفر الأسرة الكافية، وهذا أمر غير مقبول". ويثير منظر المختلين، وهم يتجولون في المدينة، غضب عدد من المواطنين، الذين يؤكدون أن ذلك دليل قاطع على "استقالة" السلطات العمومية، في توفير الخدمات الصحية للمواطنين، دون أن تتحرك السلطات لبناء وحدات صحية لإيواء هؤلاء المختلين، ويعيش عدد من المواطنين ذكريات كثيرة مع مجانين تسببوا في تكسير الزجاج الأمامي لسياراتهم. دور وزارة الصحة وسبق أن أكد عدد من المهتمين بالمجال الصحي في الدارالبيضاء في لقاءات كثيرة، أن وزارة الصحة والمجالس المنتخبة (البلدية والجهة والعمالة) قدمت استقالتها منذ سنوات في هذا الملف، ولم تعد تهتم بصحة المواطنين المغاربة، وهذا لا يتعلق فقط بالمرضى المختلين، ولكن بباقي الأمراض الأخرى، فوزارة الصحة لا تتوفر على أي استراتيجية لتطوير الخدمات الصحية بهذه المراكز، ولا تفكر في زيادة عددها، وكأن المواطنين المغاربة ملقحون ضد الإصابة بالأمراض النفسية، علما أن معدل المرضى النفسنيين تضاعف بشكل كبير، خلال السنوات الماضية.