اختارت الودادية الحسنية للقضاة مدينة مراكش، عاصمة النخيل، خلال سنة 2009، لاحتضان أشغال المؤتمر 52 للاتحاد الدولي للقضاة، خلال شهر أكتوبر المنصرم، تدارس، من خلالها، قضاة العالم مواضيع عامة تهم القضاة، واستقلالية القضاء، وإعطاء القاضي المكانة، التي يستحقها في المجتمعمع إبراز دوره في العدل والمساواة، والدفاع عن حقوق الإنسان، والبحث عن المعايير الموضوعية والشخصية المرتبطة باستقلال القضاة، باعتباره من ضمن الشروط الأساسية لضمان محاكمة عادلة. وترجمت تدخلات المشاركين في المؤتمر المنعقد لأول مرة في المغرب تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، اهتمام وتطلعات قضاة العالم وآمالهم، التي يعقدونها على استقلال القضاء، خصوصا أن الدول الأوروبية المتقدمة، من ضمنها فرنسا، تعاني مشكل استقلال القضاء، في الوقت الذي شهدت دول جنوب أوروبا خاصة اسبانيا والبرتغال، تقدما في هذا المجال. وشكل الخطاب الملكي السامي ليوم 20 غشت 2009 بمناسبة الاحتفال بالذكرى 56 لثورة الملك والشعب، محطة مهمة في تاريخ القضاء المغربي، بعد رسمه خريطة الطريق المثلى للإصلاح القضائي باعتباره عاملا أساسيا في التنمية وحماية الديمقراطية، وترسيخ دعائم دولة الحق والقانون، وقادرا على مسايرة التطورات الاقتصادية والتكنولوجية، التي فرضتها العولمة، وهو ما دفع الودادية الحسنية للقضاة إلى الإعلان عن التعبئة الشاملة، والانخراط الكلي لجميع القضاة في ترسيخ وتكريس الإصلاح الشامل، وتكوين لجنة مكلفة بمواكبة الإصلاح، وعقد لقاءات مع مختلف الفعاليات المهتمة بالعدالة، من خلال تعميق النقاش حول التوجهات العامة، التي وردت في الخطاب الملكي، الذي ضبط بوصلة إصلاح القضاء حول المحاور الأساسية للإصلاح المنشود. وتوجت هذه اللقاءات بتنظيم ندوة وطنية، نهاية الأسبوع الماضي، بمدينة مراكش، حول الخطاب الملكي ومدونة القيم القضائية بحضور عبد الواحد الراضي، وزير العدل، أكد خلالها المشاركون، من ضمنهم قضاة ووكلاء الملك ونوابهم بمختلف المحاكم المغربية، أن تحديث المنظومة القانونية والرفع من النجاعة القضائية رهين بدعم ضمانات استقلال القضاء، وإصلاح الهياكل الإدارية والقضائية، وتأهيل الموارد البشرية، وأجمعوا على أن الأهداف المنشودة من مشروع الإصلاح تتمثل في توطيد الثقة والمصداقية في قضاء فعال ومنصف، باعتباره حصنا منيعا لدولة الحق والقانون وعماد الأمن القضائي والحكامة الجيدة ومحفز للتنمية. وشددوا على ضرورة تمتيع المجلس الأعلى للقضاء بالاستقلال المالي والإداري، وإعادة هيكلته لجعله سلطة تقريرية في مشروع الإصلاح المنشود، وتوفير الحصانة اللازمة والضمانات القانونية للقاضي أثناء مزاولة مهامه، والرفع من مستوى التأطير القضائي والانفتاح على المهن المرتبطة بالقضاء، وإعادة النظر في الخريطة القضائية، وإحداث لجنة للعمل على تمتين أواصر الترابط والانسجام بين القضاة في النزاعات البسيطة، وجددوا دعوتهم إلى خلق لجنة لحماية مدونة القيم القضائية، التي تجسد النضج المشهود للقضاة ووعيهم المتقدم بسمو رسالتهم وأهمية دورهم في المجتمع، وتفعيلها عن طريق نمط التأطير في المحاكم المغربية بواسطة المسؤولين القضائيين، والعمل على إلحاقها بالنظام الأساسي لرجال القضاء. وأهم ما ميز الندوة الوطنية، التي تعتبر خلاصة لعدد من اللقاءات المنظمة من طرف الودادية الحسنية للقضاة بمختلف جهات المملكة بخصوص مشروع إصلاح القضاء، تكريم القاضيين عبد المنعم المجبود، الوكيل العام للملك بالمجلس الأعلى سابقا، وعبد اللطيف بركاش، الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف التجارية بالدارالبيضاء سابقا، اعترافا لهما بالجهود التي بذلاها في المساهمة في تطوير القضاء المغربي، من خلال تسليمهما هدايا رمزية ودرع الودادية الحسنية للقضاة. وشكل موضوع "القضاء المغربي ومستلزمات الإصلاح الشامل" محور أشغال الندوة الوطنية، التي نظمت نهاية الأسبوع ماقبل الماضي، بالمدينة الحمراء بالمركب الإصطيافي للعدل، من طرف المجلة المغربية للسياسات العامة بشراكة مع النقابة الديمقراطية للعدل، أكد، من خلالها عدد من الباحثين والفاعلين والحقوقيين المشاركين في الندوة على ضرورة تعديل دستوري يعطي الشرعية والديمقراطية للمؤسسة القضائية لتكريس المبدأ الحقيقي لفصل السلط، واستبعاد وزير العدل من تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، وتوسيع صلاحياته ليصبح سلطة تقريرية للقضاء، من خلال ضمان استقلال مالي وإداري للمجلس، مبرزين أن تحقيق الديمقراطية والتنمية المنشودة رهين بمدى قوة ومناعة الجهاز القضائي، وأن تحديث القضاء وتطويره ومواكبته للمستجدات يعتبر الضامن الأساسي لجلب المزيد من الاستثمارات وضمان الحريات والاستقرار.