تزايد الأصوات المطالبة بضرورة تطهير المشهد السياسي من الفساد المستشري الذي طال العديد من المنتخبين والبرلمانيين في المغرب، في وقت تتوالى فيه فضائح الفساد المرتبطة ببعض الشخصيات السياسية التي استغلت المناصب لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المال العام. ومع تصاعد الحديث عن تورط العديد منهم في قضايا فساد، تقديم تقارير للمجلس الأعلى للحسابات ومفتشية الإدارة الترابية، يتزايد التساؤل: هل حان الوقت لأن تتبنى الأحزاب السياسية ميثاقًا أخلاقيًا يلتزم به جميع المنتمين إليها، لمكافحة الفساد والانتهازية في الساحة السياسية، ومنع أي شخص قد يكون متورطًا في قضايا فساد من المشاركة في الانتخابات المقبلة لعام 2026؟ في ظل هذه التساؤلات، فإن النقاش حول توقيع التزام أخلاقي بين الأحزاب يتزايد، خاصة في وقت تتسارع فيه التغيرات السياسية. بعض الأحزاب تبنت خطوات جزئية مثل إنشاء ميثاق أخلاقي داخلي، ولكن يبقى السؤال الأهم: هل ستكون هذه الخطوات كافية لتحقيق إصلاح حقيقي، أم أن الأحزاب قد تظل أسيرة المصالح الفردية والضغوط الانتخابية؟ إعلان الحرب على الفساد: شعار أم خطوة حقيقية؟ رغم تصريحات بعض السياسيين والقياديين في الأحزاب، الذين أعلنوا عن حرب على الفساد داخل مؤسساتهم، واتخاذ بعض الأحزاب خطوة تأسيس ميثاق أخلاقي داخلي، إلا أن السؤال الأهم يبقى: هل تملك الأحزاب السياسية الرغبة الحقيقية في توقيع التزام أخلاقي قبل الانتخابات المقبلة لعام 2026؟ وهل ستعمل على قطع الطريق أمام المتورطين في قضايا فساد، أو أصحاب السوابق في اختلاس المال العام وتبديده؟ من الجدير بالذكر أن بعض الأحزاب قد أسست ميثاقًا داخليًا على غرار مدونة الأخلاق في البرلمان، لكن هناك شكوك كبيرة حول الجدية في تطبيق هذه المبادرات على أرض الواقع. ففي الوقت الذي يبدو فيه أن هناك من يدعو إلى الإصلاح، تظل الآلية التنفيذية وحقيقة التزام الأحزاب محل تساؤل. الميثاق الأخلاقي: إقصاء أم إصلاح؟ الملاحظ أن بعض السياسيين والقيادات البارزة لا يبدون حماسًا تجاه توقيع ميثاق أخلاقي بين الأحزاب. هؤلاء السياسيون يعتبرون أن الميثاق الأخلاقي سيكون سيفًا ذا حدين، حيث قد يقطع الطريق أمام أحزاب معينة تُتهم باستخدام المال الانتخابي لضمان الفوز في الانتخابات، خاصة في المناطق الشعبية والقرى التي لا تزال تعاني من الاستغلال السياسي من قبل بعض المنتخبين الذين يلجؤون إلى شراء الأصوات أو استقطاب الأعضاء في المجالس باستخدام المال. ومن هنا يبرز التحدي الحقيقي الذي يواجه الأحزاب السياسية في توقيع ميثاق أخلاقي: هل يمكن لأحزاب ترغب في الحفاظ على نتائج انتخابية إيجابية أن تقبل بتطبيق هذا الميثاق الذي قد يقيد تحركاتها في الانتخابات؟ الشروط اللازمة لتطبيق الميثاق الأخلاقي إن الدعوة التي أطلقها السياسيون البارزون لتوقيع ميثاق أخلاقي بين الأحزاب تهدف إلى إقصاء كل من تحوم حوله شبهات فساد، وهو ما يعد خطوة نحو استرجاع ثقة المواطنين، خاصة فئة الشباب المقاطع للانتخابات. ومع ذلك، تبقى هذه الدعوة رهينة بتحقيق مجموعة من الشروط: 1. جدية الأحزاب السياسية: هل ستكون هذه الأحزاب مستعدة فعلاً لتطبيق هذا الميثاق على أرض الواقع؟ 2. آليات المراقبة والتطبيق: هل سيتوفر هناك آليات فعالة لرصد التزام الأحزاب بهذا الميثاق؟ 3. إشراك المجتمع المدني: يبقى المجتمع المدني اللاعب الأساسي في محاربة الفساد، ليس فقط في المجال السياسي، بل في جميع ميادين الحياة العامة. إذ بدون توعية وتعاون المجتمع المدني، فإن أي خطوة لمحاربة الفساد ستظل قاصرة على تحقيق نتائج ملموسة. هل يمكن للأحزاب أن تلتزم بالشفافية؟ إن الدعوة إلى توقيع ميثاق أخلاقي بين الأحزاب السياسية ليست مجرد رغبة في تحسين الوضع السياسي، بل هي خطوة ضرورية لتحقيق الشفافية والنزاهة في المجال السياسي. لكن هذا المطلب لا يمكن أن ينجح إلا إذا توفرت إرادة حقيقية من الأحزاب والقيادات السياسية في إصلاح المشهد السياسي، بالإضافة إلى وجود آليات رقابة تضمن تطبيق الميثاق.