تستمر أزمة الجفاف الحاد التي تشهدها بلادنا للسنة السابعة على التوالي، إذ أصبحت التساقطات المطرية في البلاد تتناقص عاما بعد اخر، وهو ما خلف تداعيات وخيمة على الاقتصاد المغربي، إذ يعتبر الجفاف من أكبر التحديات التي يواجهها. ومع توالى سنوات الجفاف، التي أضحت تؤثر بشكل كبيرعلى العديد من القطاعات الحيوية، خاصة القطاع الفلاحي الذي يعد أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد الوطني. هذا الوضع يثير العديد من التساؤلات حول قدرة الاقتصاد المغربي على الصمود أمام هذه الظروف المناخية القاسية لفترة أطول، وما إذا كانت السياسات المتبعة كافية لضمان استدامة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ظل هذه الأزمة. تأثير الجفاف على الاقتصاد وفقا لتقرير البنك الدولي الصادر عام 2023، كان للقطاع الفلاحي دور كبير في الناتج المحلي الإجمالي، حيث كان يشكل نحو 13% منه، إلا أن استمرار الجفاف أدى إلى تراجع هذه النسبة إلى أقل من 10% في العام الجاري. ووفقا لوزارة الفلاحة، انخفض إنتاج الحبوب بنسبة 60% مقارنة بالسنوات العادية، مما كان له أثر مباشر على ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية. وأشارت المندوبية السامية للتخطيط إلى أن مؤشر الأسعار الاستهلاكية ارتفع بنسبة 8.3%. لم يتوقف تأثير الجفاف عند القطاع الفلاحي، بل امتد إلى مجالات أخرى مثل السياحة والصناعة، حيث أصبحت الموارد المائية شحيحة، مما شكل عائقاً أمام الاستثمارات في هذه القطاعات. كما أن النقص في الطاقة الكهرومائية، التي تعد مصدرا أساسيا للطاقة الكهربائية، دفع إلى زيادة استيراد الوقود الأحفوري، مما أثر سلبا على الميزان التجاري للبلاد. السياسات المتبعة للتكيف والصمود في مواجهة هذه التحديات، أطلقت الحكومة المغربية عدة سياسات تهدف إلى التخفيف من تأثيرات الجفاف. من أبرز هذه السياسات برنامج تعبئة الموارد المائية، الذي خصصت له الحكومة 115 مليار درهم بين عامي 2020 و2027. كما أطلقت بعض المشاريع لتحلية مياه البحر، خاصة في مناطق مثل سوس ماسة، لتلبية احتياجات الفلاحين والصناعيين. ورغم أهمية هذه المبادرات، إلا أن تأثيرها ما زال محدودا بالنظر إلى تسارع وتيرة الجفاف والزيادة في الطلب على المياه. إلى جانب ذلك، تم تنفيذ استراتيجيات للتنويع الاقتصادي مثل مخطط التسريع الصناعي الذي أسهم في زيادة صادرات السيارات والفوسفاط. ولكن يبقى الاعتماد الكبير على بعض القطاعات الاقتصادية نقطة ضعف، خصوصا في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية. جدوى السياسات الحالية على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة، فإن السياسات المائية والفلاحية لا تزال تعاني من نقص في التنسيق والفعالية، حسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لعام 2023، أشار إلى أن حوالي 40% من المياه المستهلكة تضيع بسبب سوء إدارة الموارد وضعف البنية التحتية. كما أن دعم بعض الزراعات الموجهة للتصدير، مثل الأفوكادو والبطيخ، يثير جدلا واسعا بسبب استهلاكها الكبير للمياه في مناطق تعاني أصلا من شح الموارد. وعلى الصعيد الاجتماعي، يعاني الفلاحون الصغار من نقص في الدعم الكافي، مما يزيد من هشاشة المناطق القروية التي تعد موطن نحو 35% من سكان البلاد. وقد دفعت هذه الظروف العديد من الأسر القروية إلى النزوح نحو المدن بحثا عن فرص عمل ومصادر مياه. رؤية مستقبلية من أجل ضمان صمود الاقتصاد المغربي في مواجهة هذه التحديات، لا بد من اتباع مقاربة شاملة تعزز من إدارة الموارد الطبيعية وتوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة. يتطلب الأمر مراجعة السياسات الفلاحية لضمان أولوية الأمن الغذائي الوطني وتخفيض الاعتماد على الزراعات التصديرية التي تستهلك كميات كبيرة من المياه. من الضروري أيضا تعزيز الاستثمار في البحث العلمي لتطوير تقنيات الري الحديثة وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة لتقليل الضغط على الموارد المائية في توليد الكهرباء. كما ينبغي تعزيز آليات المراقبة لضمان توزيع عادل للموارد المائية بين القطاعات المختلفة. ورغم التحديات الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد الوطني، إلا أن هناك فرصا كبيرة لتحويل هذه الأزمة إلى فرصة لتعزيز التحول نحو اقتصاد أكثر استدامة ومرونة. ولكن لتحقيق هذا الهدف، يحتاج المغرب إلى رؤية استراتيجية واضحة وإرادة سياسية قوية تضع الإنسان والبيئة في صلب السياسات العامة.