تشهد العلاقات الفرنسية الجزائرية تقلبات جديدة بعد تأجيل غير متوقع لزيارة رئيس الوزراء جان كاستكس إلى الجزائر، ما يعقّد التقارب الهش الذي بدأه الرئيس إيمانويل ماكرون. وأرجئت مساء الخميس 8 أبريل الجاري الزيارة التي كانت مقررة يوم الأحد إلى أجل غير مسمى، بناء على طلب جزائري فاجأ الجميع، بعد ساعات قليلة من إعلانها المتأخر. وبرر مكتب جان كاستكس التأجيل ب"السياق الصحي" المرتبط بفيروس كورونا والذي لم يسمح بتنظيم الاجتماع المهم لللجنة الوزارية المشتركة بين الحكوميتين بطريقة "مرضية". ولم يصدر أي تعليق من الجزائر حول الموضوع. لكن في الكواليس، تحدثت مصادر مختلفة عن انزعاج الجزائر من تقليص عدد الوفد الفرنسي إلى أربعة وزراء ثم وزيرين، مقابل نحو عشرة في العادة لمثل هذا النوع من الزيارات. مع ذلك، يوجد العديد من علامات الاستفهام حول الأسباب الحقيقية للتأجيل، إذ أوضح مصدر حكومي فرنسي أنه "مضى وقت طويل منذ أن تم استبعاد صيغة ثمانية وزراء (التي كان مخططا لها في البداية)". إضافة إلى رئيس الحكومة، كان الوفد الفرنسي يشمل في البداية أربعة وزراء هم جان إيف لودريان (الشؤون الخارجية) وبرونو لومير (الاقتصاد) وجان ميشيل بلانكير (التعليم) وجيرالد دارمانين (الداخلية). وأضاف المصدر الحكومي أنه "مرت عدة أيام منذ أن تم الإعلان أن بلانكير، ثم دارمانين، لن يتمكنا من الحضور لتكليفهما بملفات صحية". – "استراتيجية التوتر" – يرى عديد من المراقبين أن "إعادة الدفء" إلى العلاقات التي بدأها إيمانويل ماكرون ونظيره عبد المجيد تبون، وترجمت في سلسلة بوادر حول "الذاكرة" اتخذتها القوّة الاستعمارية السابقة (1830-1962)، لا تحظى بالضرورة بإجماع في الجزائر. ويقول حسني عبيدي مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي ودول المتوسط في جنيف، إنه "داخل السلطة الجزائرية هناك اتجاهات أخرى غير متحمسة، تقول إنه لا توجد ثقة سائدة بين باريسوالجزائر". أما جان بيار فيليو الأستاذ في معهد العلوم السياسة في باريس، فيعتبر أن رجل الجزائر القوي ليس الرئيس عبد المجيد تبون الذي انتخب في خضم اضطرابات في دجنبر 2019، بل رئيس أركان الجيش الفريق السعيد شنقريحة ومن ورائه "+أصحاب القرار+ العسكريين الذي يحتكرون السلطة منذ عقود بشكل آو بآخر". وأضاف الباحث في منشور على مدونته الشخصية أن هؤلاء الجنرالات هم ورثة الحراك العسكري الذي قاد إلى استقلال الجزائر عام 1962، وهم لا يوافقون على "مصالحة الذاكرة" لأنها "من شأنها أن تشكك في الدعاية الرسمية (المناهضة لفرنسا) الأساسية في اكتسابهم الشرعية" في ظلّ العلاقات المضطربة بين البلدين. وفي إشارة على استمرار تقلّب مناخ العلاقات وارتكازه على العاطفة بعد ما يقرب من 60 عاما على انتهاء حرب الاستقلال، قال وزير العمل الجزائري الهاشمي جعبوب الخميس إن فرنسا "عدوتنا التقليدية و الدائمة"، تزامنا مع إعلان إلغاء الزيارة. واعتبر خبير في شؤون المنطقة، طلب عدم ذكر اسمه، أن القادة الجزائريين الذين تلقى عدد مهم منهم تدريبهم وفق المدرسة السوفياتية، لا يعترفون سوى ب"ميزان القوى". ويضيف أنهم يقومون من خلال هذا التوتر الجديد بتطبيق "استراتيجية التوتر لدفع الفرنسيين إلى الأقصى وجعلهم يتنازلون" لا سيما في ما يتعلق باشتراطهم تقديم الاعتذار عن الاستعمار. – الصحراء المغربية – رغم ذلك، كثّف الرئيس الفرنسي من البوادر الرمزية تجاه الجزائر. في يونيو 2020، سلمت فرنسا رفات 24 من المقاتلين الوطنيين الذين قتلوا في بداية الفترة الاستعمارية. وفي مارس، أقر إيمانويل ماكرون بمسؤولية الجيش الفرنسي عن مقتل القيادي الوطني الجزائري علي بومنجل عام 1957. لكن تقرير المؤرخ بنيامين ستورا الذي يعتمده الرئيس الفرنسي أساسا لسياسته حول الذاكرة، لا ينصّ على تقديم اعتذارات أو إعلان التوبة، وقد اُنتقد بشدة في الجزائر. ويفيد مصدر في باريس أنه بعد نشر التقرير "لم يتجاوب الجزائريون ولم يقوموا بأي بادرة". ويرى حسني عبيدي أن السبب الحقيقي لغضب الجزائريين قد يكون ملف الصحراء المغربية. وأعلن حزب الرئيس الفرنسي "الجمهورية إلى الأمام" الخميس 8 أبريل الجاري افتتاح فرعين في المغرب في مدينتي أكادير والداخلة في الصحراء المغربية وذلك بمناسبة الذكرى الخامسة لتأسيس الحزب ، وتعتبر الجزائر الداعمة لحركة بوليساريو أن ذلك خطّ أحمر. من جهة أخرى، أفاد مصدر أمني من بوليساريو بمقتل القائد العسكري للجبهة الثلاثاء الماضي في ضربة غير مسبوقة نفذتها طائرة مسيّرة مغربية، ما زاد استياء الجزائر في ظل دعم باريس لمقترح المغرب منح الصحراء المغربية حكما ذاتيا ضمن سيادته. ويقدّر حسني عبيدي أن "الحدثين أفسدا التقارب الفرنسي الجزائري".