المغرب 24 : محي الدين أمهاوش رغم المتغيرات الوطنية العديدة والمجهودات التي ما فتئت المملكة المغربية تبذلها وكل الأوراش والمشاريع الكبرى التي دشنتها أو أنجزتها، من تنزيل وتفعيل لمضامين دستور2011 وإرساء دولة الحق والقانون إلى سعيها الدائم لتحسين صورتها في جميع المناحي مرورا بالمشروع الحلم، الجهوية الموسعة، وبجهودها المبذولة لتعزيز مكانتها إقليميا وعربيا، قاريا ودوليا، علاوة على الإشارات والتوجيهات المستمرة، في كل المناسبات، للملك محمد السادس في خطاباته، لا سيما للمؤسسسات والإدارات والمسؤولين، وتحديدا ما يتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة، يقول جلالته في إحدى خطبه المرجعية: “إن من حق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والبرلمان والولاة والعمال، والسفراء والقناصلة، إذا كانوا هم في واد، والشعب وهمومه في واد آخر؟” ويضيف: “لكل هؤلاء أقول : كفى، واتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة ، وإما أن تنسحبوا فالمغرب له نساؤه ورجاله الصادقون، ولكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، لأن الأمر يتعلق بمصالح الوطن والمواطنين. وأنا أزن كلامي، وأعرف ما أقول..” نعم، رغم هذا وذاك، ما زلنا نصطدم بوقائع وأحداث، سلوكات وأفعال وعقليات، تأبى إلا أن تشاكس وتعاكس إرادة البلاد والعباد والملك، في تحد سافر وغريب، تجسده الإشكالات المحورية ببلادنا، سؤال “الأمن” الصحي للمواطنين، الذي تحيط به اختلالات واعتلالات، قضايا مختلفة ومتشابكة. فحديثنا مثلا عن ملف الممرضين المتعاقدين مع مصحات الضمان الاجتماعي، البالغ عددهم ما يقارب 349، وعانوا لأكثر من 14عاما، يحيلنا على مصحات الضمان الاجتماعي13، الحال والمآل، ومنه إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلى فروع أسئلة من قبيل الإقصاء والتهميش، سوء التسيير والتدبير، التجاوزات والإخلال بالواجب والمسؤولية والشطط في استعمال السلطة… تذكر الصحة أمام المواطن المغربي على طول وعرض المملكة، فتنتابه مشاعر الخوف والقلق، الاستياء والسخط والإحباط.. وقد يسرد عليك من الأمثلة والقصص بالعشرات، ما سمع عنه في محيطه وما عاشه وعاينه عن كثب هو وأهله وأقاربه وأصدقاؤه، سرد غالبا ما يرافقه الإحساس بالغضب والرفض، وتصب في كثير من الأحيان نقاشاته في عقد مقارنات بين شأننا الصحي بغيره في الدول الغربية لنكتشف الفوارق الشاسعة فنتحسر في أسى.. فانطلاقا من تأملات بسيطة للخدمات الصحية المقدمة في المستشفيات العمومية والخاصة ومصحات الضمان الاجتماعي، يلاحظ، وبدليل الواقع اليومي الذي يعيشه المواطن محليا، جهويا ووطنيا، من معاناة وتجاوزات يتعرض لها، تمسه في حقوقه وصميم أمنه الصحي.. تموضعه ما بين مطرقة الأولى وسندان الثانية واختيار”الحل” الوسط مصحات الضمان الاجتماعي التي يلجأ إليها المواطنون هروبا منهما، نظرا لما توفره لهم من خدمات في احترام لقانون التسعيرة الوطنية وكذلك عدم المطالبة بشيك الضمانة الذي يعتبر غير قانوني، الجاري به العمل في معظم المصحات الخاصة ببلادنا.. وعلى المستوى المحلي، يشكل قسم الإنعاش الذي تتوفر مصحة طنجة عليه وبقدرة استيعابية تصل إلى أربع أسرة، أهم مكسب لساكنة المدينة عموما، باعتبار أن هذه الخدمات لا يوفرها إلا المستشفى الإقليمي محمد الخامس، وعند لجوء المواطنين إليه غالبا ما يصطدمون بادعاء كونه ممتلئا عن آخره، أو مصحة خاصة معروفة بالمدينة بأثمنة مبالغ فيها لا تناسب المواطن، شيك ضمانة إجباري قبل تقديم أي خدمة يناهز 20 ألف درهم، وفاتورة يومية تتجاوز أحيايا 5 آلاف درهم دون احتساب قيمة الأدوية المستعملة والتحليلات الطبية والأشعة، ليكتشف المعني بالامر في النهاية بأن الفاتورة اليومية الحقيقية أكثر من ذلك بكثير. بينما نفس الخدمات بقسم الإنعاش في مصحة الضمان الاجتماعي تقدم بشروط مناسبة لعموم المواطنين، دون شيك ضمانة وبأثمنة في المتناول تقدر ب 1500 درهم مفاتورة شاملة. وتعتبر سنة 1979 بداية إنجاز مصحات الضمان الاجتماعي الثلاث عشرة المتعددة التخصصات وبمختلف ربوع المملكة. وسنة 1984 تاريخ ميلاد مصحته بطنجة. ومع مرور الوقت وخصوصا بعد صدور قانون التغطية الصحية الإجبارية، وتحديدا الفصل 44 الذي بمقتضاه تمنع أي مؤسسة عمومية من مزاوجة تسيير التغطية الصحية الإجبارية وتقديم خدمات صحية. وضمنيا فإن استمرار تبعية هذه المصحات للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي صار إشكالا قانونيا لم يحسم فيه إلى الآن، لتنتج عنه وتتراكم، مع مرور الوقت مشاكل أخرى مرافقة. وابتداء من سنة 2016 تم تخرج أول فوج للمجازين في التمريض من “المعهد العالي لمهن التمريض وتقنيات الصحة”،الصيغة الجديدة “لمعهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي”، التابع لوزارة الصحة. والمعهد الأول كان قبل التخرج، خلال موسمي 2014 و2015 ما يزال يحمل الاسم القديم. وقد شكلت هذه الازدواجية في التسمية مشاكل واضطرابات في أوساط شغيلة التمريض بقطاع الصحة بالمغرب، للتفاوت ما بين العاملين بالدبلومين المختلفين في التسمية فقط، وما بين السلمين الإداريين التاسع والعاشر. ليشكل الممرضون المدمجون في السلم التاسع بعد مسيرات احتجاجات وإضرابات تنسيقية للدفاع عن حقوقهم في تسوية وضعيتهم: السلم والأجر. وقد تدخلت الوزارة الوصية وسوت وضعية ما يقارب 12 ألف حالة، باستصدار قانون المعادلة المنشور بالجريدة الرسمية تحت عدد:6616 وبمرسوم: 535.17.05، وهومرسوم مشترك بين الوزارات باستثناء ممرضين مجازين من طرف الدولة وبدبلومات “معهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي” المندمجين في قطاع صندوق الضمان الاجتماعي، ما يقارب 20 شخصا على المستوى الوطني، محرومين من مباراة التوظيف بمصحات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، راكموا سنوات من التجربة، ولم يتم تسوية وضعيتهم، مما يطرح أسئلة حول هذا الإقصاء والازدواجية في التعامل مع موظفين بنفس المؤهلات والمهام، ولما يظل وضعهم في السلم الثامن، أقل شأنا من زملائهم بوزارة الصحة المندرجين في السلم العاشر، رغم كون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مؤسسة عمومية والمرجع هو المرسوم المشترك بين الوزارات.. ومما زاد الأمر تعقيدا وخلق نوعا من الاضطراب والقلق، مباراة التوظيف الأخيرة وأجواؤها، الإعلان عن نتائجها والشروع في إدماج 60 ممرضا جديدا سوق العمل حاصلين على دبلوم “المعهد العالي لمهن التمريض وتقنيات الصحة”. وللإشارة، فإن دراسة استراتيجية حول المصحات 13 للضمان الاجتماعي، جاءت كتوصية من رئيس الحكومة للمجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سنة 2012، تم إنجازها من قبل مكتب دراسات ما بين 2013و2016، وتقديم تقريرها النهائي في ماي 2017 لرئيس الحكومة، ومن أهم ما جاء فيها اقتراح ثلاث سيناريوهات، تبنى المجلس الإداري إثنيين منها: تعديل الفصل 44 من قانون التغطية الصحية، وبقاء المصحات ملكا للصندوق، ثم ما سمي بشراكة عام/خاص مع فتح الباب أمام المستثمرين المغاربة والأجانب. وحسب إحصائيات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فإن رقم المعاملات كان سنة 2002 ما بين190 و200 مليون درهم، وبلغ خلال سنة 2017 ما يقارب 500 مليون درهم، وبالتالي فالعجز المادي لهذه المصحات انتقل من 500 إلى 200مليون درهم فقط، حسب ذات الإحصائيات. ومؤخرا، توصل سعد الدين العثماني رئيس الحكومة بقرير مفصل عن ملف مصحات الضمان الاجتماعي بالمغرب، بعد خلاصات التدقيق، حول وضعيتها المالية وتدبيرها. ويترقب اتخاذه قرارا بشأنها في الأسابيع القادمة، خصوصا مسألة وضعية التنافي في قانون 65.00 الذي يمنع بموجب مادته 44 الجمع بين التدبير وتقديم الخدمة في مجال التشخيص أو العلاج أو الاستشفاء. إضافة إلى منح الترخيص للصندوق في استمرار تدبيره للمصحات لأنه السيناريو الأسهل والأسرع من الناحية التطبيقية ولا يتطلب إلا تعديلا قانونيا. وفي ذات السياق، بادر الممرضون المتعاقدون مع مصحات الضمان الاجتماعي من مثل مجموعات مدن طنجة، وجدة والدار البيضاء بالتوجه إلى المؤسسة الدستورية، وسيط المملكة لوضع ملفات شكاياتهم لدى مندوبياتها. وهم أيضا يترقبون ما ستسفر عنه الأسابيع القادمة من خلاصات بعدما توصلت الإدارة المركزية للمؤسسة بملفاتهم ومراسلتها واتصالاتها بالجهات المعنية والوزارة الوصية، بغرض تسريع تسوية وضيتهم المتأزمة وإنصافهم.