أديس أبابا: انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    مغرب الحضارة زيارة الرئيس الصيني للمغرب عندما يقتنع الكبار بمصداقية وطموح المغرب    انخفاض مفرغات الصيد البحري بميناء الناظور    موتسيبي "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    فتح بحث قضائي في شبهة تورط رجل أمن في إساءة استعمال لوازم وظيفية واستغلال النفوذ    إسبانيا...كيف إنتهت الحياة المزدوجة لرئيس قسم مكافحة غسل الأموال في الشرطة    كرة القدم النسوية... الناخب الوطني يوجه الدعوة ل27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    وزير الخارجية السابق لجمهورية البيرو يكتب: بنما تنضم إلى الرفض الدولي المتزايد ل"بوليساريو"    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    تيزنيت : انقلاب سيارة و اصابة ثلاثة مديري مؤسسات تعليمية في حادثة سير خطيرة    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    الدار البيضاء.. حفل تكريم لروح الفنان الراحل حسن ميكري    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    محامون يدعون لمراجعة مشروع قانون المسطرة المدنية وحذف الغرامات    كأس ديفيس لكرة المضرب.. هولندا تبلغ النهائي للمرة الأولى في تاريخها        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    النقيب الجامعي يكتب: على الرباط أن تسارع نحو الاعتراف بنظام روما لحماية المغرب من الإرهاب الصهيوني    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    فولكر تورك: المغرب نموذج يحتذى به في مجال مكافحة التطرف    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    سبوتنيك الروسية تكشف عن شروط المغرب لعودة العلاقات مع إيران    مرحلة استراتيجية جديدة في العلاقات المغربية-الصينية    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية        وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها        مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلطة الفقهاء وأثرها على الشعوب -10-


الفصل التاسع
ضعف الفقه السياسي


كما أشرنا سابقا، فإن الفقه الإسلامي، لم يولِ جانب السياسة الشرعية ما تستحقه، لسببين رئيسين: الأول، لأن إدراك أبعاد هذا الفقه يتطلب جمعا بين علمي الظاهر والباطن، في أعلى الدرجات، وهذا فوق طور الفقهاء؛ والثاني، لأن هذا الفقه لا يمكن أن يُعتنى به تحت الجبر والقهر؛ لأنه يشترِط حرية الرأي. ومبدأ الحرية بالمعنى الكفري، الذي يُتداعى إليه اليوم، لا يفي بالغرض؛ لأنه يعطي ما توصّل إليه الفكر السياسي العالمي من ديموقراطية بجميع نُسخها...؛ أما الدين، فهو نظام قائم على العبودية لله، التي قد تتحول إلى عبودية (ولو بمعنى جزئي) لبعض العِباد عند الإخلال بالشروط على أيدي الفقهاء؛ فيصير الدين لغير الله، بعد أن كان لله. نعني من هذا، أن العبودية لله الحق، هي الحرية المشروطة حقيقة؛ لكن هذه الحرية، لا توجد حيث الفقهاء في الغالب. والزمن الذي يمكن أن ينمو فيه الفقه السياسي الصحيح، هو زمن الخلافة الربانية؛ وهذه، زمانها متقطع غير متتابع على مدى عمر الأمة؛ اللهم إلا ما كان من السنوات الثلاثين التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتي هي مدة الخلافة الأولى. فقد جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم: «الْخِلافَةُ بَعْدِي ثَلاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا »[1]. ولقد التبس هذا المعنى على كثير من الناس، وظنوا أن الخلافة كلها ثلاثون سنة؛ وهو غلط فادح! وهذا قادهم إلى اعتقاد الخلفاء الخمسة الأُول وحدهم، وحصر الخلافة فيهم؛ وهو أيضا غلط!..
وحتى لو فرضنا وجود هذا الفرع من الفقه، فإنه سيصعب العمل به في الأزمنة التي تفترق فيها الخلافتان، ويكون الناس فيها تحت الملك، لا تحت الخلافة. وهذا أَدْعى أن لا يُعلم هذا العلم للعموم، ما دامت مدة الملك في الأمة أكبر من مدة الخلافة الجامعة بما لا يقارن. فها هي الأمة الآن قد تجاوزت الألف سنة وأربعمائة سنة، من عمرها؛ وعُمر زمن "الخلافة الجامعة" المتفرق على مدى عمر الأمة كله، لا يتجاوز المائة سنة. عَلِم الناس "بالنص" ثلثه، ويبقى الثلثان منه في دائرة الجهل. وهذا مما لم يتنبه إليه الفقهاء البتة.
وهذا قد يجعل المرء يتساءل: فهل يكون نظام الحكم الأصلي في الإسلام هو المُلك؟.. فنقول: لا، قطعا!.. إن نظام الحكم في الإسلام هو الخلافة؛ لكن الخلافة لها حكمان: الاجتماع، والافتراق. وهي في حال الافتراق، تُعرف بالملك؛ لكنها لا تشبه الملك عند غير هذه الأمة، بسبب كون الخليفة الباطن زمن المُلك، يكون من هذه الأمة أيضا. فبالنظر إلى الأمة، فإن الخلافة قائمة في كل زمان؛ وبالنظر إلى الحاكم، فتارة يكون خليفة (حال الاجتماع)، وتارة يكون مَلِكا (حال الافتراق). أما الأمم الأخرى، فلا تعرف إلا نظام المُلك الجزئي، في جميع الأحوال؛ بغض النظر عن الاختلاف النوعي عندهم، بين نظام الملك والنظام الرئاسي (الرئاسة مُلك بالمعنى الشرعي). فمن جهة الشرع، لا اختلاف بينهما، عندهم وعند من يقلّدهم منا، في زمن الدول القطرية. وقد أوضحنا هذا، في غير هذه السلسلة.
ثم إن الفقهاء من أهل السنة لم يحوزوا علم الخلافة، فهي عندهم الإمامة (=رئاسة الدولة)؛ وهي عامة، ينسبونها للنبي، وينسبونها لكل حاكم[2] (إمام)، جاء بعده صلى الله عليه وآله وسلم؛ سواء أكان خليفة أم ملكا؛ لأنهم لا يميّزون بين الملِك والخليفة على التحقيق. وحتى الخلافة الأولى، فإنهم ما ميّزوها إلا بالحديث الوارد فيها، والحاصر لها من حيث الزمن. ولعل من أسباب التنافر بين الشيعة وأهل السنة، استعمال مصطلح الإمامة، بمعنييْن مختلفيْن؛ وهذا قد أوجد تزاحما بينهم. بينما الأمر ليس كذلك في حقيقته.
ولو أخبرْنا فقهاء أهل السنة بخلافة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأنكروها؛ لأن الخلافة عندهم هي خلافة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا معنى صحيح؛ لكنه معنى فرعي، لا ينفي خلافة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الله. وفي الحقيقة هذه هي الخلافة، سواء أنُسبت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أم نسبت لخليفة بعده. لذلك فنحن نجعل مرتبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم العامة هي الخلافة، لا الإمامة؛ وإن كانت الإمامة تصدق لغة على معنى الخلافة، وتصح بالمعاني الجزئية كالإمامة في الصلاة وفي غيرها أيضا...
ثم إننا عندما استقرينا كلام الفقهاء، وجدناه يشتمل على جهل بمرتبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأمة. نعني أنهم عندما يتكلمون عن تصرفات (أفعال) النبي صلى الله عليه وآله وسلم، المتعلقة بوظائفه في الأمة، والتي هي الفتيا والتبليغ والحكم (القضاء) والإمامة (رئاسة الدولة)؛ فإنهم يقيسونها على ما يعلمونه من أمثالهم في الناس. وهذا يشبه قياس المتكلمين لصفات الحق، على صفات المخلوقين. وهو معتبر؛ لكن في مقام الحجاب؛ وهو مفضول من غير شك. والحق عندنا في هذه المسائل (أفعال النبي)، هو علمها في نفسها، ثم قياس الغير عليها، لا العكس. ولقد رأينا للقرافي كلاما في كتابه: "الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام"، يمكن أن يكون مبادئ أولية في المسألة، لكنه لا يرقى لأن يكون العلم التام الصحيح؛ رغم بناء فقهاء العصر عليه.
ومن آثار سوء إدراك الفقهاء لمرتبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم (خلافته)، أنهم يفصلون بين نبوته وقضائه وإمامته وفتياه عليه الصلاة والسلام؛ بينما الحقيقة التي لا يميّزونها، هي أنه نبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل ذلك. وهذا دخَل عليهم، لأن الأصل عندهم في الاستدلال، سوى النبي صلى الله عليه وآله من الناس؛ وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا أنبياء في أفعالهم (الفتيا والإمامة والقضاء)، حتى يعطيهم قياسهم عليهم علما صحيحا. وهذا القياس المعكوس، لا يمكن أن يفارقوه، لأن مرتبتهم لا تعطي علمهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من مرتبة الخلافة الإلهية؛ فهذه للربانيين لا لهم.
وفي الحقيقة، إن جل وجوه تصرفات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، التي يعلمها الفقهاء، هي عائدة إلى مرتبة واحدة، هي الرسالة؛ وإنما تعددت لدى الفقهاء، لجهلهم بسواها. ونعني بسواها هنا، مرتبة النبوة التي هي باطن الرسالة؛ ومرتبة الولاية التي هي باطن النبوة. وخلافة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، التي ذكرناها آنفا، هي من مرتبة الولاية؛ لهذا هي مجهولة عند غير الأولياء. ومن هنا يتضح أن اصطلاح الإمامة الفقهي، يصدق على معنى جزئي من الخلافة، لا غير؛ وهو ظاهرها. وتبقى نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قريبة من إيمان الفقهاء، لا من علمهم أو علم غيرهم. ذلك لأن النبوة كما هي مجهولة عندهم من جهة الذوق، هي مجهولة أيضا عند الأولياء من هذا الوجه. فما أجلّ قدر الأنبياء عليهم السلام!..
نعني من هذا الكلام كله، أن مَن جهل حقيقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كيف سيُدرك حقيقة أفعاله! وكيف سيعلم الأحكام المستندة إليها حقيقة؟!.. وهذا يؤكد مرة أخرى أن الاقتداء بالفقهاء، هو كالرخصة للمقتدي، عند فقد الإمام الرباني فحسب؛ لأن علمهم بالدين، الذي هو فرع عن علمهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، من كونه محورا له، ناقص. بل هو لا يجاوز في الحقيقة مرتبة الظن وإن قَوِي؛ ولا يصح أن يُعدّ علما عند التحقيق. هذا رغم جهلهم بحقيقة أنفسهم (مرتبتهم)، وظنِّ بعضهم أن لا أحد أعلم منهم!..

كل هذا عند كلامنا عن الفقهاء المعتبرين؛ أما فقهاء العصر الذين أنشأوا الأيديولوجيات السياسية، التي اعتمدتها الحركات الإسلامية على مد البلاد الإسلامية كلها، فإنهم قد نزلوا عن مرتبة الأولين، ودخلوا في خلط يضم بقايا علم ديني، وفكر سياسي، وهوى شخصي أو جماعي؛ زاد من اشتداد الفتنة، وقوّى الصراعات الداخلية في الأمة، إلى حد لا مزيد عليه؛ نرجو أن يكون مؤْذنا بمقرب الفرج الموعود إن شاء الله...


[1] . أخرجه أحمد في مسنده، وابن حبان، واللفظ له؛ عن سفينة رضي الله عنه.
[2] . الحاكم عند الفقهاء، هو القاضي؛ ونحن نستخدم اللفظ بمعناه العام.


يُنشر هذا المقال (من سلسلة سلطة الفقهاء وأثرها على الشعوب) بعد مرور 557 يوم، من الاعتصام المفتوح للشيخ وأسرته؛ بسبب اضطهاد الحكومة وأجهزتها الذي ما زال مستمرا إلى الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.