نجاح اشغال المؤتمر الاول للاعلام الرياضي بمراكش. .تكريم بدرالدين الإدريسي وعبد الرحمن الضريس    مغربية يحتجزها زوجها المصري في 'سبيطار المجانين' بمصر.. الأسرة تستعطف 'سيدنا الله ينصره' التدخل لتحريرها    مسيرة تجوب العاصمة الاقتصادية بشعار "المساواة في الأعمال المنزلية"    التخطيط المجالي المستدام في صلب النقاش الأكاديمي بتطوان: محاضرة وتكريم للدكتور محمد يوبي الإدريسي    صناع فيلم "البوز" يعرون النجومية الافتراضية وزيف "السوشل ميديا"    بوريطة يتباحث مع رئيس الكونغرس ومجلس الشيوخ الكولومبيين    مدرب مؤقت لريال مدريد    ارتفاع مبيعات الاسمنت بنسبة 4,5 في المائة خلال الفصل الأول من سنة 2025    وسام ملكي للسيد محمد البهجة الفاعل السياحي الكبير بطنجة    إحراق 19 طنا من المخدرات و652 قرصا مهلوسا كانت محجوزة لدى الجمارك بأسفي    استئنافية خريبكة تؤيّد الحكم بسنة حبسا في حق البستاتي بسبب تدوينات مناهضة للتطبيع وداعمة لفلسطين    موظفو السجن المحلي الجديدة 2يخلدون الذكرى17لتأسيس المندوبية العامة بحضور عامل الإقليم .    العفو الدولية تندد ب"إبادة جماعية" في غزة "على الهواء مباشرة"    وزير النقل: انقطاع التيار الكهربائي في إسبانيا تسبب في إلغاء رحلات جوية بالمغرب    باريس سان جيرمان يهزم أرسنال في ذهاب نصف نهائي أبطال أوروبا    روديغر مدافع الريال يعاقب بالإيقاف    نقابي: البطالة سترتفع بتطوان بعد عزم شركة إسبانية طرد أكثر من 220 عامل وعاملة    وزارة الأوقاف تحذر من إعلانات متداولة بشأن تأشيرة الحج    أمريكا تهنئ حزب رئيس وزراء كندا    93 في المائة من مياه الاستحمام بالشواطئ المغربية مطابقة لمعايير الجودة    هكذا انهارت الشبكة الكهربائية لإسبانيا في خمس ثوان.. أسباب محتملة    المغرب يساعد إسبانيا على تجاوز أزمة انقطاع الكهرباء عبر تزويدها بطاقة كهربائية هامة    رئيس الحكومة يترأس اجتماعا لتتبع تنزيل خارطة طريق قطاع التشغيل    البيضاء…..ختام فعاليات الدورة السادسة من مهرجان إبداعات سينما التلميذ للأفلام القصيرة    ملتقى في الصويرة يناقش "المواسم التقليدية رافعة للاقتصاد في الوسط القروي... زوايا ركراكة نموذجًا"    القيدوم مصطفى العلوي يُكرَّم في منتدى الصحراء للصحافة بكلمة مؤثرة تلامس القلوب    البنك الدولي يتوقع انخفاض أسعار السلع الأولية إلى مستويات ما قبل كورونا    كيف يمكن لشبكة كهرباء أن تنهار في خمس ثوان؟    أورنج تهدي مشتركيها يوما مجانيا من الإنترنت تعويضا عن الانقطاع    حريق مطعم يودي بحياة 22 في الصين    إسبانيا.. ظهور السفينة الحربية المغربية "أفانتي 1800" في مراحل متقدمة من البناء    شراكة تجمع التعليم العالي و"هواوي"‬    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    كاميرات ذكية ومسرح في المدارس المغربية لمواجهة العنف    "البيجيدي" يطالب بتوسيع "الانفراج الحقوقي" ويؤكد أن البناء الديمقراطي بالمغرب شهد تراجعات    المغرب يدين أكاذيب الجزائر بمجلس الأمن: هوس مرضي وتزييف الحقائق    "النهج": الحوار الاجتماعي يقدم "الفتات" للأجراء مقابل مكاسب استراتيجية ل"الباطرونا"    خبر مفرح للمسافرين.. عودة الأمور إلى طبيعتها في مطارات المغرب بعد اضطرابات الأمس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    الديبلوماسية الموازية مهمة جوهرية للحزب    يضرب اليوم موعدا مع تنزانيا في النهائي القاري .. المنتخب النسوي للفوتسال يحقق تأهل مزدوجا إلى نهائي كأس إفريقيا وبطولة العالم    هذا المساء في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: المؤرخ ابن خلدون … شاعرا    أخبار الساحة    موكوينا يخلط أوراق الوداد الرياضي    تنظيم ماراتون الدار البيضاء 2025 يسند إلى جمعية مدنية ذات خبرة    خبير اقتصادي ل"رسالة 24″: القطار فائق السرعة القنيطرة مشروع استراتيجي يعزز رؤية 2035    مؤسسة المقريزي تسدل الستار على الأسبوع الثقافي الرابع تحت شعار: "مواطنة تراث إبداع وتميّز"    عودة حمزة مون بيبي : فضيحة نصب تطيح بمؤثر شهير في بث مباشر وهمي    لقاء علمي بجامعة القاضي عياض بمراكش حول تاريخ النقود الموريتانية القديمة    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكتب المستعملة بأثمنة بسيطة، هل هناك من قارئ؟
نشر في الجسور يوم 25 - 04 - 2016

قد يجذب فضولك أحد عناوين بعض الكتب في إحدى بعض المكتبات هنا بالداربيضاء أو الرباط أو مراكش أو إحدى المدن المغربية. لكن عندما تسأل صاحب المكتبة أو أحد العمال العاملين فيها عن ثمن هذا الكتاب أو ذاك، يصدمك بثمنه و أنت الذي لا تملك إلا بعض الدراهم التي رصدتها من قبل لإنفاقها على ما هو ضروري و أساسي من متطلبات الحياة. و مع ذلك يجعلك شغفك بحب الكتاب دائما تتصفح العناوين في المكتبات وفي كل ما تجده من كتب معروضة على ناظريك. و لضيق الحال و لفاقتك، تجد نفسك تجوب الأسواق الشعبية بالقريعة، مثلا، أو درب غلف بحثا عن "خير جليس في الأنام" لتلامسه و تشتم رائحته و تقلب بين صفحاته البالية و الصفراء شيئا ما من جراء استعمالها المسبق من طرف أحدهم. ولو نها هذا يؤكد تأثرها بفعل الزمن و بفعل كل الأيدي التي مسكتها و سافرت من خلالها إلى عوالم أخرى بعيدة لاكتشاف أفكار و ثقافات أخرى لأناس آخرين لا يعرفون أنهم الآن بين يديك و أمام عينيك و تتخيلهم في عقلك كيف كانوا يعيشون و يفكرون بهواجس و مخاوف قد تكون لديك الآن في عالم أصبح يرفض بعضه البعض و يتصارع بين الإيديو لو جيا و التيكنولوجيا و يفصلك عن إخو تك في الإنسانية و يكرس لديك أن الشرق شرق و أن الغرب غرب. لكن في مكتبة واحدة تجد أن الكتب بكل الفلسفات و الأديان و الإيديولوجيات و الفكرانيات تتعايش فيما بينها بدون عراك و لا صدام و كأنها عقول كبيرة تتشارك الفكر في هدوء و سلام، و كلما جاء أحد الزبائن إلى المكتبة و اشترى كتابا بعنوان ما إلا و رجحت فكرة صاحب ذلك الكتاب و فلسفته و سمع صوته بين الكتب الأخرى. فالكتب المرتبة، في مكتبة ما، بكل انتظام محكم و جيد هي بمثابة عقول لأناس كانوا يعرفون وسط دويهم بأنهم مكتبات متحركة.

أن تكون كتبيا في المغرب، عليك أن تمتلك عمر سيدنا نوح و صبر سيدنا أيوب.

عدد دور النشر بالمغرب يصل إلى 32 دارا، منها 18 بالداربيضاء و 8 بالرباط و 2 بمراكش و وجدة وواحدة في طنجة و القنيطرة. و يصدر عن هذه الدور حاليا 1000 عنوان سنويا في مقابل 3000 عنوان في لبنان البلد الأصغر مساحة و الأقل كثافة سكانية من المغرب. و تطبع من كل كتاب 3000 نسخة و لا تباع منه إلا 2000 نسخة في ظرف ثماني سنوات. و هناك 632 نقطة بيع للكتب بالمغرب بما فيها أكشاك و مكتبات. و توجد 150 مكتبة بالمدن المغربية الكبرى. و إجمالا، فالعالم العربي يصدر حوالي 1650 كتاب سنويا بينما في دول الغرب لاسيما أمريكا فإنها تصدر وحدها 85 ألف سنويا.
و في استطلاعنا الذي قمنا به، اكتشفنا أن أغلبية الناس تشتكي من أثمنة الكتب و المجلات التي لا تتناسب مع حجم و محتوى الكتاب أو المجلة و هو الأمر الذي يجعل أصحاب دور النشر و الطبع تحت إكراهات أخرى رغم أن الدولة قامت بمجموعة من المبادرات من أجل التشجيع على المطالعة و رفع نسبة المقروئية لدى المغاربة و حاولت من خلال مجموعة من البرامج التلفز ية أن ترصد أخر الإنتاجات الفكرية و الأدبية و الشعرية. و عندما سئلنا أحد المسئولين في إحدى دور النشر و الطبع عن الأثمنة التي تسعر بها الكتب و المجلات، أجابنا و قال بأنها أثمنة مناسبة و معقولة نظرا للأرباح القليلة و التي قد لا تحصلون عليها بسبب ضعف الاقتناء و المقروئية في المغرب. فالناس لا تقرأ، كما قال، و لها هموم أخرى تشغل بالها و تؤرقها و تجعلها لا تفكر في الكتاب و عالمه.
و عندما ذهبنا إلى إحدى المكتبات الصغيرة هنا بالداربيضاء و سألنا صاحبها عن تجارة الكتب و هل تدر له بعض الأرباح المهمة، ضحك ساخرا و قال بأنه يفكر في بيع "الساروت" (مفتاح دكانه الذي به المكتبة ) و يتاجر في شيء أخر. و أضاف بأن الدولة لا تعوضهم عن كساد تجارتهم…فإذا أردت أن تكون كتبيا في المغرب، عليك أن تمتلك عمر سيدنا نوح و صبر سيدنا أيوب.
و في حي مولاي إدريس بالداربيضاء، رفض أحد العاملين أن يجري معنا لقاء صحفيا بحجة أن صاحب المكتبة غير موجود. لكن عندما طلبنا منه أن يجيبنا على سؤال: إن كانت الكتب القديمة أو المستعملة تؤثر على قدر المبيعات: "لدينا زبناء دائما يترددون علينا لأننا نعمل على توفير كل ما يطلبون من عناوين في شتى العلوم و التخصصات، وجل التصنيفات التي تو جد في الكتب المستعملة تفتقد إلى ما لدينا من عناوين. و الكتب القديمة أو المستعملة غالبا ما تكون ممزقة أو مبتورة. و زبناء نا الكرام لا يعيرون اهتماما لثمن الكتاب . قبل أن نغادر سألناه إن كان يدمن على قراءة الكتب و هو المحاط بالآلاف من الكتب، صمت و ابتسم لنا.
المناهج الدراسية لا تحفز الطلبة على المطالعة و بالتالي اقتناء الكتاب جديدا أو قديما (مستعملا).
" العزوف عن القراءة أو المطالعة راجع بالأساس إلى ضعف المناهج الدراسية و إلى الثغرات التي تو جد بها. فاغلب هذه المناهج مستوردة و لا تخاطب لا عقلية و لا نفسية الطالب أو المتمدرس الذي لا يفكر سوى في الانغماس و الاستغراق في دروسه طوال السنة حتى يحصل على نتائج جيدة. فالطالب، حتى و إن كان متميزا، يعمل و يكد دون كلل أو ملل في تحصيله الدراسي حتى يحصد نتائج جيدة تؤهله لو لوج المعاهد الكبرى و الجامعات. و طوال مشواره الدراسي، فإنه يجد نفسه لا يكتسب معرفة ثقافية بالمعنى الأدبي للكلمة. فطالب موجز، مثلا في الفرنسية أو العربية بميزة مستحسن أو حسن، لا يمكن أن يتحدث الفرنسية أو العربية بشيء من السهولة و الطلاقة و لا أن يلم بأساليب اللغة في الكتابة و لو بشكل معقول و التي من شأنها أن تساعده في تخصصه إذا ما خاض المباريات. و حقيقة تكوينه الجامعي يعكس مستواه الضعيف و بأنه لم يراكم طوال فترة دراسته الآليات و الميكانيزمات التي تساعده على الذوق و التمييز بين الأفكار و صناعة الرأي و اتخاذ القرار الصائب في كل مجالات الحياة. و لن يتأتى هذا إلا بفعل الغوص في عالم الكتب و الاستئناس بها في الليل و النهار. و للأسف، البرامج و المناهج الدراسية لا تربي الطلبة على المطالعة و حب الكتاب. نعم، الطلبة لا يقتنون لا الكتب القديمة و لا الجديدة لأن ملكة القراءة لديهم ميتة. فأنا، كأستاذة جامعية، قرأت في كثير من الكتب القديمة التي كنت أقتنيها من وقت لأخر و كنت أفرح كثيرا عندما أجد كتابا جيدا بين الكتب المستعملة في أحد الأسواق و كنت أعتبره كنزا. لكن الآن، ليس وحدهم الطلبة الذين لا يقرؤون بل حتى الأساتذة و الجامعيون لا يقرؤون": هكذا أخبرتنا أستاذة جامعية بجامعة مولاي سليمان ببني ملال.
" كتاب مفيد بثمن بخس يعادل بطاقة تعبئة للمحمول، لكن لا أحد يقتنيه"
عند وصولنا إلى شاطىء عين الذياب بالداربيضاء ذلك اليوم صباحا، حاولنا أن نرصد شخصا يقرأ كتابا أو يحمله لكننا لم نفلح في ذلك حتى وجدنا طفلة بلونها الأسمر الذي يظهر من خلال وجهها و أطراف يديها و رجليها اللذان يطلان من سروال جينز أزرق .كان شعرها الأسود الحريري المطلوق يخفي شيئا من قميصها الوردي و كانت تبدو في سنها السابع عشر و كانت تستظل بمظلة (باراسول) زرقاء مزركشة وبجانبها رواية فرنسية يظهر من خلال عنوانها على منشفتها. أخبرناها أننا صحافيين و بدأت تبتسم و تتحدث بفرنسية باريزية و بأنها تربت على المطالعة و حب الكتب منذ سن صغيرة و بأنها تبتاعها كلما سنحت لها الفرصة و بأنها عندما تأتي في فصل الصيف إلى المغرب تقرأ مجموعة من الروايات المفضلة و بأن هناك عشرات العناوين التي ما زالت راسخة في ذهنها. و لدهشتنا أننا عندما كنا نسألها عن بعض العناوين التي قرأناها نحن كذلك من قبل، ترد بالإيجاب أو بأنها تتطلع لقراءتها يوما ما. و بعد أخد و رد في الكلام، وصل والدها و في يديه كيس أبيض مليء بشيء من الطعام. بعد أن عرف أننا صحافيين، رحب بنا و طلب منا الجلوس للطعام و تحدث معنا بلغة عربية سليمة، لا بأس بها، رغم أنه يقطن بالديار الفرنسية و متزوج و لديه 3 أبناء. سألناه إن كان يواظب على قراءة الكتب، فأجابنا بأنها متنفسه الوحيد في بلاد الغربة وأنه يوميا ينكب على مطالعة الكتب الدينية و الفكرية و الغوص فيها وبأنه دائما ما يشتري عددا منها و يأخذها معه في عودته إلى فرنسا و لما استرسلنا في سؤاله إذا كان يفضل الكتب القديمة والمستعملة على الجديدة، أجاب بأن الكتب هنا أرخص و بأن هناك كتبا جيدة و مفيدة و ثمنها بخس يعادل بطاقة تعبئة للمحمول من صنف 20 درهم، لكن لا أحد يشتريها لأنهم لا يعرفون قيمتها. و أضاف أن الناس في فرنسا يقرؤون بنهم و تجدهم يفعلون ذلك في كل مكان. و نحن، كأسرة، لا يفارقنا الكتاب، فهو من أحد أهم مقتنياتنا الأساسية.
حوار
بعد صلاة الفجر في ذلك اليوم الصيفي، اتصلنا بالسيد، يوسف بورة، و هو رئيس الجمعية البيضاوية للكتبيين، فطلب منا أن نلتقي به بعد ساعة من الزمن و بعد وصولنا إلى القريعة، كان المكان ما يزال مظلما و فارغا لأن كل الدكاكين المجاورة لمكتبته كانت مغلقة. اقترابنا شيئا ما من مكتبته، و بدأت الكلاب تنبح في وجوهنا و كأنها تعرف أننا غرباء عن المكان. عند رؤيته لنا، صرخ عليها لتصمت و لتبتعد بعد أن أطعمها كعادته كل صباح باكر. دخلنا إلى مكتبته و جلس هو إلى حاسوبه الذي كان مشغلا و يظهر أنه يدردش مع أحدهم في العالم الافتراضي الأزرق. و ما لفتنا أكثر و نحن نختلس النظر إلى طريقة استعماله للفأرة و نقره على لوحة مفاتيح حاسوبه، كثرة الكتب القديمة و المستعملة و المتنوعة و هي من كل الأشكال و الأحجام و بكل اللغات و التي تملأ جنبات المكان و تجعله هو ينحصر في مكان ضيق. سألناه عن بعض العناوين و الكتب و بدأنا نخوض معه فيما جئنا من أجله وكان حديثنا على الشكل التالي:

س: السي يوسف، كيف يعقل أنكم وسط ألاف الكتب و في نفس الوقت أنتم منشغلون بحاسوبكم؟ أهي قطيعة مع الكتاب أم مسايرة للركب؟
ج: الأنترنيت و المعلوميات بشكل عام أداة تواصل و تنظيم و تدبير رائعة. هذا أمر لا نقاش فيه، لكن استخدامها لا يعني أن هناك قطيعة مع الكتاب. ولعلنا نتذكر تلك النقاشات التي رافقت ظهور و شيوع الأنترنيت بين ما كان يتنبأ باختفاء الكتاب الورقي و بين من يدافع عن فكرة استمراره، و لحسن الحظ فإن الرأي الثاني هو الغالب لحد الساعة، و الإحصائيات تبين بما لا يدع مجالا للشك أن مستعملي الأنترنيت يفعلون ذلك للتواصل أساسا و ليس للقراءة. نفس الشيء قد ينسحب على الصحافة، فالجرائد و المجلات الو رقية مستمرة في منافسة الصحافة الإلكترونية. إذا لا قطيعة مع الكتاب.

س: ألا تعتقدون أن الانترنيت أثرت بشكل كبير على مستوى اقتناء الكتب و بالتالي المقروئية بالمغرب؟
ج: الأنترنيت لم يؤثر على المقروئية بشكل مباشر، فكما أسلفت الأنترنيت أداة تواصلية قبل كل شيء، لكن هذه التكنولوجيا أثرت على استعمال الوقت و كذلك على تصورات الناس للمعرفة و الآداب و النشر. و المفارقة هنا أن الأنترنيت نفسه أصبح فضاء لبيع الكتاب الورقي. إن البحت عن أسباب تراجع المقروئية و اقتناء الكتب يجب أن يتوجه نحو المنظومة التقليدية و التحولات الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية التي تعيشها المجتمعات النامية كالمجتمع المغربي.
س: أ تقصد التحولات التي عرفها المجتمع المغربي بعد الاستقلال؟
ج: نعم
س: ماهي الكتب التي يطلبونها الزبناء أكثر؟
ج: الز بناء يطلبون جميع أنواع الكتب من المقررات المدرسية إلى الثقافة العامة إلى كتب الطبخ و المهن… إلىخ.
س: ألا تعتقدون بأن الكتب المدرسية المستعملة تبقى غالية الثمن بحكم أنها قد تكون مبتورة أو تفتقد إلى بعض الصفحات؟
ج: هذا صحيح إلى حد ما، لكن المشكلة الأعمق بالنسبة للكتب المدرسية هي اختلافها من نظام تعليمي إلى آخر. فالمدارس العمومية لا تتبع أنظمة المدارس الخصوصية، و التي بدورها تتفرع منها إلى أنظمة مختلفة منها الفرنسي و الأمريكي و الأسباني…ثم هنالك قضية التغيير الذي تخضع له المقررات من سنة إلى أخرى مما يسبب لنا خسارات فادحة لا نستطيع تعويضها مهما رفعنا من ثمن الكتب المتوفرة. و على العموم، فإن الأثمنة التي نطبقها تبقى أخفظ بكثير من تلك المطبقة على الكتب الجديدة.
س: ما هي المشاكل و المعوقات التي تقف في وجه تجارتكم؟
ج: كما قلت لك، فمهما بلغ رأسمال الكتبي، يستحيل عليه توفير جميع العناوين التي يطلبها الزبائن. هذا من جهة و من جهة أخرى هناك غياب شبه تام لمبادرات الدولة و المجتمع المدني للرقي. بهذا القطاع و تشجيع القراءة في جميع مراحل الحياة و ليس فقط داخل المؤسسات التعليمية.
س: حدثنا عن المعرض السنوي للكتب المستعملة و القديمة و الذي تقيمونه في شهر أبريل؟
ج: المعرض السنوي الذي تنظمه الجمعية البيضاوية للكتبيين بتعاون مع وزارة الثقافة هو تظاهرة ثقافية سنوية ينعقد في شهر أبريل منذ ثمان سنوات. و لقد راكم تجربة تنظيمية و ثقافية مهمة يشهد عليها الإقبال الكثيف الذي يعرفه و الإشعاع الإعلامي الذي يحظى به و الذي تجاوز في الدورات الأخيرة حجم التغطية التي تحظى بها المعارض الدولية. و ليس هناك سر في ذلك سوى تضحية الكتبيين و مساهمات مجموعة من الأدباء و المثقفين الذين وجدوا فيه فضاء للتواصل مع القراء و مع الشباب، خصوصا و أن فلسفة المعرض هي الشعبية و القرب و تقديم الكتاب بأثمنة في متناول الجميع.
س: ما هم أهم زبناءكم؟
ج: زبناءنا من جميع فئات المجتمع، من الباحث الجامعي و الإطار العالي إلى الطالب و الطفل إلى كل من يهوى المطالعة الحرة.
س: كيف تجدون علاقة المغاربة، إذن، بالكتاب؟
ج: هذا سؤال فلسفي يحتاج إلى آراء مجموعة من الخبراء في علم الاجتماع و التربية و علم النفس…الخ، لكنني ككتبي أجد أن علاقة المغاربة بالكتاب علاقة جد ضعيفة و متوترة. و يكفي أن أسوق لك مثال الخزانة التي يقتنيها الناس ويضعون فيها الأواني و أطباق “الطاووس” عوض الكتب، و غالبا ما تجد بيت إنسان متعلم ليس فيه خزانة و لو صغيرة للكتب. هذا عنوان علاقتنا بالكتاب. ولتعرف أكثر عن تلك العلاقة يكفي أن تتوجه إلى مقهى أو أي شاطئ خلال الصيف و تقوم بإحصاء لعدد الناس الذين يقرؤون كتابا. أستطيع بدون مجازفة القول أننا سنحصل على نتيجة أقل من واحد بالمائة.
س: إذا كان يقال بأن كل أمة لا تقرأ أمة ميتة، فهل بتقديركم الحل في إحيائها يكمن برجوعها إلى الكتاب؟
ج: أكيد، فليس هناك إقلاع ثقافي بدون الكتاب. الكتاب هو القاعدة.
س: كيف تقيمون محتويات المقرر المدرسي المغربي وأنتم الذين تبيعون كذلك المقررات المدرسية المستعملة لبعض الدول؟
ج: أريد أن أوضح أننا لا نصدر الكتب لأية دولة. أما عن محتويات المقررات المدرسية فإن الجواب الذي يوجد في جودة التعلمات و الكفاءات و المهارات المحصل عليها من طرف المتعلمين، و هذا يجمع الكل من أعلى هرم الدولة إلى قاعدتها أن النتيجة سلبية.

س: و في الأخير، السي يوسف، ماهي أمنيتكم وأنتم الذين قضيتم أكثر من ثلاثين سنة في مهنة بيع الكتب المستعملة؟
ج: بعد كل هذا العمر في خدمة الكتاب و القارىء الكريم، أكرر أنني أحلم بإنشاء قرى للكتاب في جميع المدن المغربية و أن أرى الناس يقرؤون في بيوتهم و في المدارس و الجامعات و في و سائل النقل و الأماكن العامة.المعرفة هي سلاح الحاضر و المستقبل. لذلك وجب تصحيح عدد من المفاهيم الخاطئة حول النجاح الإجتماعي و الهدف من الحياة، فالحياة و لو تو فرت لها الوسائل المادية فإنها تبقى بلا معنى إذا لم تتأسس على المعرفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.