قبل سنوات خلت، لازلت أتذكر جيداً كيف كنا نقف في ساحة الثانوية صبيحة كل إثنين متراصي الأكتاف منتظمي الصفوف، و كيف كانت عيوننا تحدق بشغف في العلم المغربي المربوط في منتصف العمود أمامنا و نحن نردد بأقصى حماس فينا أنشودة الوطن في ارتياح تام و طمأنينة عجيبة. كان العلم يخفق ببطء في السماء و تخفق معه أحلامنا البريئة و آمالنا الشاسعة، و لا نجد حينها أدنى حرج في أن نعلق كل النظرات و جميع الطموحات بقطعة القماش الأحمر المزهوة بالنجمة الخضراء تلك. تمر الأيام سريعة و يتعرى لنا مغرب الجامعة الذي لا يمت بأية صلة بمغرب الثانويات، إنه مغرب لطخته بعض رؤوس الفساد و لطخت معه صورة العلم المغربي الذي لازالت تدب صورته في أذهاننا، لتتوالى الأيام حزينة كئيبة و يلعلع صوت البؤس في كل مكان نجوبه. ذلك أن بعض المسؤولين المغاربة رأوا أنه لا غضاضة في قتل أحلام الشباب المغربي ما دامت رواتبهم السمينة لن تمَس بأذى و حصانتم لازلت بخير، و لو أن بعضهم لا يزور القبة إلا في افتتاح الدورة التشريعية في أكتوبر ليأكل الكعكة الكبيرة و يشرب نخب العام الجديد. طلاب القطاع الصحي ليس الوحيدين ممن استاءوا من قرارات بن كيران هذا العام في شأن "الخدمة الإجبارية الوطنية"، فالأساتذة المتدربين بالمراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين هم أيضا في حالة قلق و هيجان و من المرجح أن يلتحقوا هم الآخرين بانتفاضة الشباب المغربي أمام البرلمان، حسب ما يؤكده بعض الأساتذة المتدربين, انتفاضة الأستاذ المتدرب لهذه السنة تروم إلغاء مرسومين صادقت عليهما الحكومة نهاية العام الدراسي الماضي قبل التحاق الفوج الجديد، فطبقا للمرسوم الأول من هذا القرار فإن سنة التكوين بالمراكز الجهوية لهمن التربية و التكوين لن تسمح بالتوظيف كما كان سابقا بل ستمكن فقط من المشاركة في مبارة أخرى لم تفصح وزارة رشيد بن المختار بعد عن تفاصيلها بعد. أما المرسوم الثاني سيتم بموجبه تقليص المنحة الشهرية للطالب الأستاذ من 2454 درهما إلى 1200 درهما فقط, ترى الحكومة في المرسومين أملها الكبير في إصلاح المنظومة التربوية بالبلاد، فبعد فشل سلسلة من السياسات المعقدة و البيداغوجيات الباهضة الثمن التي كلفت الدولت مليادرات الدراهم، تُعلق اليوم آمالها بالمرسومين كما لو أنها ارتأت أن تطبقُ مقولة لوزير الإعلام في عهد هتلر، جوزيف كوبلز، تقول "إكذب حتى يصدقك الآخرون"، فنرجو من الله أن لا يخيب رجاءها و يفك الله أزمة التعليم على يدي المرسومين !! إصلاح منظومة التعليم سيكون على حساب خريجي الجامعات المغربية، هذا آخر ما توصلت إليه الحكومة هذا العام !! فلا ضير إذن في جعلهم فئران تجارب بمؤسسات التدريب و لا يهم إذا ما تلاعبنا بأحاسيسهم و طموحاتهم، فلقد اعتاد وزير التعليم العالي الحسن الداودي على ردع متمنياتهم و استنبات الأسى في مهجهم أكثر من مناسبة. في هذا الصدد يحكي مروان الصمدي - أحد الأساتذة المتدربين بالمركز الجهوي لمهن التربية و التكوين بوجدة - عن مدى بهجته العارمة و فرحته العميقة بعد الاعلان عن نتائج المقبولين بالمركز و هو الشاب الذي أفنى حياته في الاستعداد المتكرر و المتواصل للمباراة خلال خمسة عشر عاما كاملة، إذ كانت الفرحة ممزوجة بالدهشة، بحجم النور الذي اقتحم الظلام فبدده و بحجم الحرارة التي انسابت على الجليد فأذابته. لكن مروان لن تكتمل فرحته إلا بعد اجتياز مباراة التوظيف التي من المحتمل أن يتم إجراؤها نهاية هذا العام، و إلى ذلك الحين على مروان و أمثاله أن يدافعوا عن الحلم المنشود أناء الليل و أطراف النهار إلى أن تفك الحكومة سلاسلها عنهم، و يا ليتها كانت مجرد سلاسل تحيط فقط بمعاصم و أرساغ فهانت و انتهى الأمر، و لكنها سلاسل تكبل العقول و تجبر على الخضوع، فهل من مستغيث يا ترى ؟